في زيارته الأولى لمصر بعد ثورة 25 يناير، أكد المدير التنفيذي لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، كينيث روث أن الثورة لم تكتمل، وقال إن مصر بعد الثورة أكثر انفتاحا من ذي قبل، وإن كان المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، يفتقد إلى الخبرة في التعامل مع المنظمات الحقوقية، ويرفض النقد وتوجيه الاتهامات له، خوفا من فقدان ثقة الشعب في الجيش.
وقال روث إن المجلس العسكري لم يعترف بإجرائه اختبارات كشف العذرية على المعتقلات، لكنه تعهد بأن هذا لن يحدث في المستقبل، وطالب روث المجلس العسكري وأي حكومة مقبلة بالاستماع للشعب، لأن اعتقاد مبارك بأنه يمتلك كل الأجوبة، ورفضه الاستماع للشعب هو من أسقط نظامه.
* بداية ما الفرق بين زيارتك الحالية لمصر، وزياراتك السابقة؟
زيارتي الأولى لمصر كمسؤول في منظمة هيومان رايتس ووتش كانت قبل 20 عاما، وكان الهدف من الزيارة هو الحديث عن التعذيب الذي يمارسه جهاز أمن الدولة ضد المعتقلين، وحاولت عقد مؤتمر صحفي في أحد فنادق القاهرة الكبرى، لكن جهاز أمن الدولة رفض عقد المؤتمر الصحفي، فاضطررت إلى دعوة الصحفيين إلى غرفتي، وهذه كانت الطريقة الوحيدة للحديث عن الموضوع، اليوم الأمر مختلف، فأنا أعقد مؤتمرا صحفيا بمقر نقابة الصحفيين.
* ما الهدف من زيارتك هذه المرة، وبمن التقيت؟
قضيت الأيام الماضية في عقد لقاءات مع كبار المسؤولين من بينهم وزير العدل ومساعد وزير الداخلية، والأهم هو المجلس العسكري الذي يدير اليوم شؤون البلاد، ونأمل أن يؤدي ذلك إلى انتخاب حكومة مدنية، وأنا أرى أن هذه لحظة تفاؤل وأمل في مصر، لحظة تكثر فيها الاحتمالات بشكل أكبر مما رأيت خلال الزيارات السابقة لمصر، لكنني مازلت أرى أن الثورة غير كاملة، هناك خطوات مهمة اتخذت نحو الديمقراطية، لكن لا يجب أن نتظاهر أن الديمقراطية وصلت، والسبب في زيارتي الحالية لمصر، أنا ووفد المنظمة هو تشجيع الجيش والحكومة على اتخاذ الخطوات المتبقية لتحقيق الديمقراطية، في وقت قريب هنا في مصر.
* اعتادت الحكومة المصرية في فترات سابقة إنكار ما يرد في تقاريركم، والتأكيد على أنها شؤون داخلية؟
نعم، لكن لم يكن هناك إنكار في كل الأوقات، فأتذكر أنه عندما أثرنا قضية تعذيب الشرطة لرجل شاذ، وعقدنا مؤتمرا صحفيا في هذا الشأن توقف الموضوع على الفور، فلم يكن هناك إنكار بشكل دائم، وكان هناك بعض الاستجابات أحيانا، هذه المرة أرى أن المسؤولين في مصر أكثر انفتاحا في الحديث، لكن المجلس العسكري بشكل خاص، ليس لديه خبرة في التعامل مع المنظمات الحقوقية، وغير الحكومية، لكنه بدأ يعتاد على فكرة إجراء حوارات ودية، وفي لقاءاتنا مع مسؤول المجلس العسكري، كانت أسئلتنا في معظمها تخرج في صورة مقترحات، لكننا في بعض الأحيان عقدنا محادثات جادة، وطلبنا التزامات محددة في المستقبل، مثل عدم إجراء الاختبارات الفظيعة لكشف العذرية ضد النساء المعتقلات، أعتقد أن المجلس العسكري، بدأ يتعلم في وظيفته الجديدة، لأنهم دخلوا فجأة في هذا الموقع، وهو إدارة مصر في مرحلة انتقالية، وهم تحدثوا بشكل واضح عن رغبتهم في ترك السلطة، وألا تكون هذه المرحلة لا نهاية لها، وأن يتم الانتقال إلى الديمقراطية بشكل سريع، لكن ليس لديهم الخبرة في بناء ديمقراطية، وهنا يأتي دور المجتمع المدني المصري المهم، لأن الجنرالات يتعلمون في وظيفتهم الجديدة، ويحتاجون بشكل أساسي إلى أن يتم تنبيههم عند اتخاذ خطوات ليست بالضرورة هي الأفضل، وهنا تبرز عدة قضايا من بينها أن أعضاء المجلس يجب أن يكونوا أقل حساسية تجاه أي نقد يتعرض له، ولا يكون «جلده نحيف»، وأيضا هناك قضية عدم تسامحهم مع استمرار المظاهرات، لأنهم يرون أن الثورة انتهت ولا داعي للتظاهرات، إضافة إلى استمرار التعامل مع قضايا الانفلات الأمني من خلال المحاكمات العسكرية، هذه أهم القضايا التي يتصرف فيها المجلس العسكري بشكل خاطئ، ويجب أن يتم تنبيههم إليها من جانب المجتمع المدني المصري، والمنظمات الدولية مثل هيومان رايتس ووتش، ولهذا جئنا إلى مصر؟
* لكن المجلس العسكري كما قلت لا يقبل النقد، وأي محاولة لذلك يتم استدعاء الصحفيين للنيابة العسكرية؟
أحد الأمور التي أثرناها مع المجلس العسكري، كانت الممارسات التي تمت في بعض الحالات عندما انتقد الصحفيون أخطاء الجيش، حيث استدعوا للنيابة العسكرية، وفسرنا للجيش أن هذا ضد حرية الصحافة وحرية التعبير، لأن شعور الصحفيين أنهم ملاحقين من جانب المجلس العسكري، يقوض إجراء جدل حر حول مرحلة التحول الديمقراطي، وللأسف فإن عضو المجلس العسكري الذي التقيناه، أصر أنه لا يجب انتقاد الجيش، لأنهم لا يحبوا تلقي الاتهامات، وهم قلقون من أن تؤثر هذه الاتهامات على ثقة الشعب المصري في الجيش، وقلنا لهم أولا يجب أن تكونوا أقل حساسية، وأن يكون «جلدكم سميك»، وأن يكون لديكم ثقة بأنفسكم بدلا من الخوف من تأثير هذه الاتهامات على ثقة الشعب فيكم، لكن جنرالات المجلس العسكري، قالوا لنا إن كل ما نفعله هو دعوة الصحفيين للمناقشة على فنجان قهوة، وبدورنا أكدنا لهم أن هذا لا يحدث أبدا، لكننا لم نحصل في النهاية على التزام منهم بوقف الاستدعاءات، وإن كنا حاولنا أن نؤكد لهم أن هذه الإجراءات لها وجهها السلبي، وعليهم أن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار قبل توجيه أي دعوات لاستجواب صحفيين انتقدوهم في المستقبل.
* وماذا عن اختبارات كشف العذرية؟
المجلس أنكر أنه قام بأي شيء خطأ، لكنه أصر على أن هذه الاختبارات إجراءات عادية في السجون، وأن أي امرأة تسجن وتكون عذراء يجب أن تخضع للاختبارت لحمايتها من احتمال الاغتصاب، وقلنا لهم إن هذا عذر غير مقبول، بالطبع يجب حمايتهن من الاغتصاب، لكن يجب أن يفعلوا ذلك من خلال حماية النساء، ومعاقبة أي شخص يسيء معاملتهن، هذه الطريقة المتبعة في كل العالم، أما هذه الاختبارات فتعد إهانة وهي مصممة لمعاقبة المرأة، وهذه طريقة غير ملائمة للحماية، وفي نهاية الحوار ودون الاعتراف بارتكاب أي خطأ تعهد الجنرال الذي التقيناه بأنه لن يتم إجراء هذه الاختبارات مرة أخرى، ونحن كمنظمة سنراقب الموضوع عن قرب للتأكد من عدم تكراره في المستقبل.
* التقيتم وزير العدل فهل تحدثتم عن محاكمة مبارك وغيره من المسؤولين في النظام السابق؟
سألنا وزير العدل عن استراتيجية المحاكمات، التي تتبع في محاكمة مبارك والآخرين، لأننا نحاول فهم لماذا يقاضى البعض ولا يقاضى الآخر، ولماذا هناك جرائم محددة يتم توجيه الاتهام بشأنها دون توجيه الاتهام في جرائم أخرى، وللأسف لم نحصل على إجابة جيدة، وقال الوزير هذا ليس اختصاصي، إنما اختصاص النائب العام، ولأن النائب العام رفض مقابلتنا، فلم نحصل على إجابة، فقلنا للوزير أن يحث النائب العام على عرض هذه الاستراتيجية لأنه من المهم ألا نترك المصريين يتساءلون لماذا يحاكم هؤلاء دون غيرهم، وعلى النائب العام أن يكون شفافا في عرضة النظرية التي تقود عمله، وبالتأكيد ستراقب المنظمة المحاكمات عن قرب، لأنه حتى لو كان لدينا اهتمام كبير في محاكمة من قتلوا المتظاهرين، أو أمر بذلك، ومن أمر أو تعاطف أو تسامح مع تعذيب المعتقلين، فنحن في نفس الوقت نريد التأكد من أن تكون هذه المحاكمات عادلة، ولا نريد أن نشاهد أناسا يحاكمون دون عدالة لأن هذه ليست طريقة تعزيز سيادة القانون، نريد تطبيق القانون على كل المسؤولين الحكوميين، لكن بشكل عادل، ومع احترام ضمانات العدالة الدولية.
* في حوار سابق معك قلت إن مبارك يقدم الإخوان المسلمين باعتبارهم البديل الوحيد لنظامه، واليوم بعد الثورة، هناك من يخشى وصول الجماعة للحكم، فما رأيك؟
صحيح أن مبارك حاول أن يظل في السلطة بأن يظهر للغرب بأن البديل الوحيد له هو الإخوان المسلمين، وبالنسبة للمنظمة فإن على أي حكومة أن تحترم حقوق الإنسان، وقد التقينا عددا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب كل المسؤولين الآن، بهدف الحصول على ضمانات من الجميع بأن من سيصل منهم للسلطة سيحترم الحقوق الأساسية، ومن الواضح أن جزءا أساسيا من ذلك هو الدستور، وعلىّ أن أقول إنه حتى لو كان الدستور اليوم به عناصر جيدة فالمشكلة اليوم أقل بكثير من المستقبل، فتنفيذ الكلمات المكتوبة في الدستور، من قبل الحكومة والقضاء هو المهم، ونعتقد أن القضية ستكون مشابهة في المستقبل، والجدل الدائر حاليا هو جدل حول قضايا صغيرة جدا حول ما سيكون عليه شكل الدستور في المستقبل، ومدى تركيزه على أهم النقاط المتعلقة بالحريات، ونحن سنراقب عن قرب كيف سيتم تنفيذ الدستور الجديد، وسنحاول ضمان كيف ستتصرف أي حكومة تحت قيادة الدستور الجديد، لأن الحريات تعتمد بشكل كبير على رغبة الحكومة الموجودة في السلطة أكثر من الكلمات الموجودة في الدستور، ونأمل من أن أي حكومة مقبلة أن تحترم هذه الحقوق المهمة.
* قلت من قبل إن مبارك شخص ذكي، فهل مازلت ترى ذلك بعدما سقط نظامه؟
انطباعي كان أن مبارك لا يمكن أن يمس من قبل المصريين، وهو لم يعتد على أن يظهر للمصريين أنه يسمع لهم، وكان لديه عدم رغبة في الاستماع، لأنه يعرف كل الأجوبة، ولا يحتاج لأي أحد يتكلم أو يتظاهر بحرية، ليريه الإجابة وهذا ما أدى إلى سقوطه، وآمل أن يكون الجيش اليوم والحكومة المقبلة أكثر إنسانية، وأن يدرك أن الحكومة وحدها ليس لديها كل الإجابات، ومن المهم لكل من يصل للسلطة أن يستمع للمصريين وأن تكون الحكومة مفتوحة الأبواب، ذات عقل مفتوح، وتستمع لمناقشات الشعب الحرة، مبارك لم يفعل ذلك وفي النهاية سقط.