x

هُنا رصيف نمرة 6.. روايات عن لحظات «الرُعب والموت» (شهادات حيّة)

الأربعاء 27-02-2019 18:25 | كتب: نورهان مصطفى, سارة سيف النصر, بيشوي ماهر |
متعلقات ضحايا قطار محطة رمسيس متعلقات ضحايا قطار محطة رمسيس تصوير : سارة سيف النصر

ممر ضيق بمحطة مترو الشهداء ينتهي بلافتة تُشير إلى اليسار، مكتوب عليها «إلى محطة السكة الحديد»، توضح طريقة الخروج إلى محطة مصر مباشرةً، يمُر المُسافرون في مشهد يومي معتاد، حاملين حقائبهم على أعناقهم، لكن اليوم سيطر التوتر على المارة، حتى عاملات النظافة، جلسنْ في حالة حزن تام وبكاء، يشدّدن أزر كل شخص يهرول في فزع أمامهن، ويجيبن بلا ملل، على كل من يسألهن: «محطة القطر منين؟».

وعلى اليسار، وقفت «سمر»، فتاة عشرينية، في حالة انهيار تام، فيما تروي لخطيبها ما رأته من داخل مكتبها.

«اسمي سمر»، هكذا تُعرف نفسها، موظفة إدارية في محطة السكة الحديد، سمعت بعد موعد مجيئها بدقائق، صوت اصطدام قوي، خرجت تهرول نحو الصوت، إذ طغت أصوات الصريخ على ثرثرة المُسافرين المُعتادة، فلم تر إلا كُتلا نارية مُتحركة من بعيد تجري صوب «الكافتيريا» والحمام، لتُدرك بعدها أن هؤلاء من أصابتهم النيران، ويبحثون عمن يُنجيهم.

بعد لحظات، التقطت «سمر» أنفاسها، لتروي ما سجلته ذاكرتها عن الحادث: «مش قادرة أحكي ولكن منظرهم كان بشع، وأنا مش قادرة أساعد، جريت أول ما شوفت كده برة المحطة، مش خوف، ولكن شعور فظيع بذنب اتجاه الناس دي».

استقبلنا هدوء نسبي خارج المحطة، عشرات من عربات الإسعاف مُكتظة على الجانبين، سيطرت أصواتها على المكان، فيما تسير أفواج المسافرين نحو المدخل الوحيد إلى الأرصفة. وعند القطار المُصطدم، كان المشهد بين الرُمادي والأسود، فآثار الحادث مازالت بكل ركن، المياه لم تجف بعد على أرضية رصيف رقم (6)، رائحة الدخان مازالت عالقة بالمكان، ولم يتبق من الضحايا والمصابين إلا رماد، ومتعلقات شخصية مُنتشرة بشكل متباعد بجانب القطار، وتفاصيل الحدث على ألسنة العاملين.

الرواية الأولى.. عاملات النظافة

حمام المحطة الذي يبعد 3 أمتار تقريبًا عن موقع الحادث، كان وجهتنا الأولى، فهو الملجأ الأول الذي هروّل إليه بعض الضحايا بحثاً عن مُنقذ، وهُناك وجدنا سيدتين بعٌمر الخمسين، ترويان اللحظات الأولى بعد الحريق، والتي وصفاها بـ«وكأنه يوم القيامة قامت»، فقبل لحظات من الحادث، كانتا تجلسان كعادتهما، وفجأة سمعن صوت انفجار، تلاه صرخات رجال ونساء، اشتعلت أجسادهم إثر الحريق، فهرولوا نحو السيدتين.

«كنت لسه باخد حباية السكر، لقيتهم داخلين علينا مولعين وبيصوتوا، مكنتش فاهمة إيه اللي بيحصل، حاولت أرش عليهم مياه على أد ما أقدر، وبعد دقايق غيبت عن الوعى، مفوقتش إلا من شوية، ومش قادرة أتلم على أعصابي»، هكذا حكت لنا إحدى السيدات، بينما الأُخرى لم تتوقف عن البُكاء، وبصعوبة بالغة، قالت: «إحنا بنمسح في آثارهم من ساعتها.. ربنا يعيننا على اللى شوفناه ويعين أهلهم».

وبجانب، روايات عاملات النظافة، جلست ليلة، سيدة سمراء، ذات ملامح مصرية خالصة، على مقعد أمام الحادث مُباشرةً، ترتدي بدلة عُمال النظافة الزرقاء، تتحدث في هاتفها مع الأهل والجيران، لتطمئنهم، وتروي ما شاهدته، وعند الحديث إليها بدأت عيناها في الإحمرار، وأغلقت هاتفها، لتروي لنا: «كنت واقفة على بُعد خطوات منه، شوفت بعيني، وطلعت أجري ناحية النفق، واتفرجت من بعيد، كان زمايلنا بيطفوا الناس المولعة، وبيقولوا في واحد زميلنا مات، بس لسه محدش معرفنا أى حاجة».

الرواية الثانية.. فتاة الكافيتريا

نافذة زجاجية، كانت الفاصل بيننا وبين فتاة «الكافيتريا» المجاورة للحمام، والأقرب للواقعة، عندما تحدثنا إليها، وخلفها كانت آثار الحريق واضحة بالمكان، فيما حاول زُملاؤها أن يزيلوها، في ظلام تام، بعد أن انقطعت الكهرباء عن المحطة بأكملها، ومن خلال تلك النافذة أيضاً، شاهدت الفتاة -التي رفضت ذكر اسمها- الضحايا يهرولون أمامها: «دخلوا علينا الكافيتريا بيصرخوا، وبدأنا نطفيهم على أد ما نقدر».

الرواية الثالثة.. عامل المحطة

«المواعيد اتغيرت.. أنا مش عارف حاجة»، الجُملة الوحيدة التي ظلت على لسانه من حينها، هو الشاهد الأول على الواقعة، إذ يفصل بينه وبين الحادث «كشك»، ثم الحجرة التي يجلس بها ليمارس عمله وهو إبلاغ الركاب بمواعيد القطارات في «الميكروفون».

بصوت مهزوز، وعينان جاحظتان يبدو من خلالهما الفزع، ويدان لم يتوقفا عن الارتعاش، بينما العرق لم يُفارق وجهه، قال: «شفت حوادث كتير، لكن أول مرّة أشوف حاجة بالبشاعة دي»، ويكمل: «ناس بتجري محروقة قدامي، فضلت متسمر مكاني، وجالي بعدها غيبوبة سكر، ولما فوقت كملت شغل، ولكن مش عارف المواعيد اللي اتغيرت إيه، محدش بلغنا، وكل شوية حد ييجي يسأل.. لكن معنديش إجابة».

الرواية الرابعة.. بائع القهوة

فاروق، عامل قهوة بمحطة قطار رمسيس

أمام ماكينة قهوة، جلس فاروق، فيما أعطى ظهره للقطر المحروق، يحاول أن ينسى ما شاهده بشكل حي من مكانه في وقت الحادث، إذ يقول: «شفت كل حاجة، لكن كنت في الناحية التانية، كان في قطر جاى من أسوان لسّه ركابه بينزلوا، والناحية التانية الجرار اصطدم، والحريقة قامت في الناس اللي واقفة».

ويكمل: «الناس كانت خارجة بتولع وبتطلب استغاثة، وماكنش فيه غير عمال المحطة هما اللي بيغيثوهم بمياه، وبعدها نقلوا الجثث المتفحمة.. منظر عُمري ما هنساه».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية