دعا الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة، أمس، مواطنيه إلى الاستمرارية لمنافسة بقية الأمم فى مجال الرقى والتقدم، فى وقت يتجهز الجزائريون لتنظيم «مليونية»، الجمعة المقبل بالعاصمة، تنديداً بترشحه لولاية خامسة على التوالى، فى الانتخابات المقبلة المقر إجراؤها فى 18 أبريل المقبل، بينما خرجت مظاهرات محدودة، أمس، فى عدة مدن رافضة لخوض الرئيس الانتخابات.
وشدد بوتفليقة، فى أول رسالة له بعد حراك شعبى بعدة محافظات الجمعة الماضى، طالبه بالعدول عن الترشح لولاية جديدة، وقرأها نيابة عنه وزير الداخلية نور الدين بدوى، على ضرورة قيام الجزائريين بمواصلة عملية البناء، وأضاف: «الاستمرارية تجعل كل جيل يضيف حجراً على طريق البناء، وتسمح بتدارك الإخفاقات الهامشية، وتسمح للجزائر بمضاعفة سرعتها لمنافسة بقية الأمم فى مجال الرقى والتقدم».
وشهدت الجزائر، أمس، احتجاجات فى عدة مدن، ضد ترشح بوتفليقة، لولاية خامسة، وندد المحتجون بالسلطة الحاكمة، ورددوا هتافات تطالب بوتفليقة بالرحيل، وحشدت حركة «مواطنة»، للمسيرة التى انطلقت من ساحة «أودان» بوسط العاصمة، لرفض العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، 82 عاما، وردد المحتجون هتافات «الجزائر حرة ديمقراطية»، بينما عززت قوات مكافحة الشغب انتشارها وحاصرت ساحة أودان.
ومنعت الشرطة مئات الأشخاص من التحرك فى أحد الشوارع الرئيسية فى العاصمة، وردد المتظاهرون: «الجزائر حرة ديمقراطية» و«لا للعهدة الخامسة»، فيما حاولت الشرطة تفريقهم بقنابل الغاز المسيل للدموع، وذلك قبل توجه بوتفليقة إلى جنيف لإجراء فحوصات طبية.
وتأتى رسالة بوتفليقة فى وقت يستعد ناشطون لتنظيم مسيرات مليونية، الجمعة المقبل، فى العاصمة ومختلف المدن، تنديداً بترشح الرئيس لولاية خامسة، ويجرى الناشطون والمجموعات الشعبية مساعى للتنسيق تحضيراً للدعوة إلى مسيرات تهدف إلى دفع رجالات السلطة إلى إقناع بوتفليقة بالعدول عن الترشح، بسبب سوء حالته الصحية منذ سنوات، وأعلنت قوى معارضة دعمها للاحتجاجات السلمية، ودعت السلطات إلى التعامل بإيجابية مع مطالب المحتجين قبل فوات الأوان.
فى المقابل، قال المنسق العام لحزب «جبهة التحرير الوطنى» الحاكم بالجزائر، معاذ بوشارب، إن الدستور يكفل حق التعبير، فى أول رد فعل من الموالاة على مظاهرات شعبية رافضة لترشح بوتفليقة، وأضاف بوشارب أمام كوادر ومناضلى الحزب بمحافظة وهران «من حق الجزائريين التعبير عن مطالبهم، وآرائهم، واستيائهم بالطرق السلمية»، واتهم أطرافا بالسعى إلى الفتنة، معتبرا أنها «ستفشل» فى مسعاها، ووعد منسق عام الحزب الحاكم بـ«إصلاحات» بعد فوز بوتفليقة فى انتخابات الرئاسة.
فى الوقت نفسه، أعلنت رئيسة تحرير الإذاعة الجزائرية الحكومية، مريم عبدو، استقالتها احتجاجا على عدم تغطية تظاهرات الجمعة الماضى ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وتجاهلت القنوات التليفزيونية والإذاعات الحكومية المسيرات والاحتجاجات التى شارك فيها الآلاف فى مناطق البلاد، خاصة فى العاصمة حيث مقرات كل وسائل الإعلام، وحيث نادرا ما تشهد مظاهرة بسبب قرار حكومى بمنعها منذ 2001، فى حين نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية أمس الأول تقريرا عن الاحتجاجات السملية والشعارات التى أطلقها المتظاهرون، وأكدت مريم عبدو إحدى أبرز رؤساء تحرير القناة الثالثة الناطقة بالفرنسية فى الإذاعة الجزائرية، قرارها بالاستقالة من منصب رئيسة التحرير، وقالت: «لم تكن هناك أى تغطية للتظاهرات، الكل علم بذلك، وأنا باعتبارى صحفية لا أقبل هذا ولا أريد أن أكون ضمن مسؤولى هذه القناة»، وأضافت أنها ستواصل تقديم برنامجها الأسبوعى «مسيرة التاريخ»، الذى يتناول القضايا الدولية فى القناة الإذاعية الثالثة، وحتى القنوات التليفزيونية الإخبارية الخاصة التى عادة ما تهتم بالحدث وتنقله مباشرة، لم تقم بتغطية تظاهرات الجمعة بشكل واسع، وأغلب هذه القنوات يملكها رجال أعمال مقربون من بوتفليقة، وتناولت الصحافة المكتوبة الخاصة والمواقع الإخبارية التظاهرات بشكل واسع، بينما اكتفت صحيفة «المجاهد» الحكومية بنشر تقرير صغير عن الاحتجاجات.
على صعيد متصل، أرغمت الشرطة الجزائرية المرشح المحتمل للانتخابات رشيد نكاز المعروف على مغادرة العاصمة بعد أن جمع المئات من مناصريه، بحسب مدير حملته لطفى دراجى، وقال دراجى إن «الشرطة اتصلت به وأخبرته بأنها نقلته إلى الشلف»، وتحديدا إلى عين مران على بعد حوالى 150 كيلومترا، حيث منزله العائلى بالجزائر، ورشيد نكاز رجل أعمال يبلغ 47 سنة مقيم فى فرنسا التى ولد بها، وبحسب دراجى فإن السلطات الجزائرية تعودت على «فرض شبه إقامة جبرية على نكاز، حيث ترافقه الشرطة كلما جاء إلى الجزائر من المطار إلى الشلف». ومنذ التظاهرات الكبرى فى أكتوبر 1988 التى أفضت إلى تغيير النظام السياسى بالجزائر من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، «حدثت مظاهرات شعبية بنسب متفاوتة من حيث الأهمية والتنظيم» بحسب ما أكدت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، لويزة دريس آيت حمادوش، فى تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، وقالت: «لكن أن تشمل كل التراب الوطنى بهذا الحجم وبهذا التزامن وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعى الجديدة، أظن أنها غير مسبوقة»، وأكد دبلوماسى، فضل عدم الكشف عن هويته: «يبدو لى أن حشد المتظاهرين هذه المرة كبير وغير مسبوق بالنظر الى المشاركة الكثيفة والشعبية»، وسيطر الطابع الشبابى على احتجاجات الجمعة الماضية، بما يتناقض مع المعروف عن الشباب الجزائرى بالبعد عن السياسة. وأوضحت حمادوش أنه «بحسب الدراسات فإن الشباب فى الجزائر لا يناضلون وغير متحزبين، فنسبة 1% فقط ينتمون إلى أحزاب سياسية، مما يطرح تساؤلات حول ما سينتج عن هذا الحراك، وهذا لا ينبئ ببروز خطاب سياسى يرافقه فى المستقبل».
وعبرت حمادوش عن ارتياحها وقالت: إن «الجزائريين أظهروا أنهم يستطيعون التظاهر دون أعمال شغب»، ومن جانب الشرطة «فإنه من المؤكد أنها تلقت تعليمات لتجنب أى تصعيد»، وأوضحت: «يبدو أن هناك إرادة فى أعلى هرم السلطة لتجنب أى انزلاق لأن ذلك يسىء إلى صورة الدولة المستقرة التى تريد الجزائر إعطاءها ولأن السلطة واعية بأن العنف يولد العنف». وأضافت: «هناك معارضة ضد ترشح بوتفليقة، وهناك شكوك حول البديل لأن المتظاهرين حددوا ما لا يريدونه لكنهم لم يقولوا ما يريدون».