إذا عدنا بعقارب الساعة 10 أشهر إلى الوراء، لم نكن لنجد مواطنًا سوريًا بالغًا يجرؤ على الخروج إلى التظاهرات.. فكيف أصبح أطفال سوريا اليوم هم من يطالبون بـ«إسقاط النظام»؟! لم يعد من المناسب الحديث عن أطفال سوريا باعتبارهم أطفالًا، فقد نضجوا قبل الأوان.
الأطفال اليوم لا يرددون أبيات سليمان العيسى، الشاعر الذي تحتل قصائده معظم مساحات مناهج النصوص لتلاميذ المرحلة الابتدائية في سوريا «ماما ماما.. يا أنغاما.. تملأ قلبي بندى الحب»، ولا يغنون مع مطربة الأطفال هالة الصباغ «غنوا معنا لطفولتنا يا أطفال العالم بسعادتنا وسعادتكم نبني مجد العالم».
أطفال سوريا أصبحوا، بإرادتهم أو رغمًا عنهم، جزءًا من الثورة، فقد فاجأ «فراس»، ذو الـ5 سنوات، والده يومًا بقوله «بابا بدي قلك شو صار معنا اليوم بالحضانة»، فسأله والده بعدم اكتراث «شو صار بابا»، لكنه ما أن سمع الإجابة حتى تحول عدم اهتمام تدريجيًا إلى شعور بالهلع.
قال فراس لوالده ببراءة: «كنا نلعب أنا ورفقاتي في الحضانة، أجت الآنسة وقالت إذا ما بتسكتوا راح جيبلكون الشبيحة، قلتلها أه آنسة جيبيهم.. قام رفقاتي كلن ردوا وراي وقالوا بصوت واحد: جيبيهم يا آنسة جيبيهم يا آنسة.. خجلت الآنسة منا ودارت وجهها عاللوح (السبورة)».
هنا سأله والده باهتمام «وأنت شو سويت بابا» فأجابه فراس: «درت لرفقاتي وقلتلون بصوت واطي: الشعب يريد إسقاط النظام.. هيك ردوا وراي كلن»، وعندما حاول والد فراس تحذير طفله بأن «ما بيصير هيك لأنو ممكن يجيك العسكر في أي لحظة»، فاجأ فراس والده يرد بجرأة: «لا بابا كنا مجهزين حالنا ننزل تحت المقاعد ونتخبى مشان ما يشوفنا العسكر ويقتلنا».
ومنذ وصول الثورة إلى مختلف المدن السورية، كان «فادي» يشارك في المظاهرات السلمية، قبل أن تتحول إلى قتل واعتقالات عشوائية، ويقول: «كل جمعة أهرب من ابني كي لا يراني عند خروجي إلى الجامع قبل المشاركة في المظاهرات»، ويضيف: «حين أعود للبيت لا يتكلم معي من باب إنه زعلان»، ويؤكد فادي أنه عندما وعد ابنه قبل أسابيع بأن يرافقه في المظاهرة «طار من الفرح، وكأني وعدته بمدينة الملاهي».
ابن فادي كان أفضل حظًا من أولئك الأطفال الذين قتلوا وعذبوا، مثل حمزة الخطيب (13 عامًا)، قصة حمزة تداولها أطفال «ركن الدين» بطريقتهم في لعبة «عسكر وحرامية»، التي تحولت على يديهم إلى «أطفال وشبيحة».
هذه القصة روتها «مريم»، مؤكدة أنها ما كانت لتصدق ما حدث لولا أنها رأت وسمعت بنفسها، «كان هناك 4 أطفال يلعبون في الحارة، يصيح منهم 2: الشعب يريد إسقاط النظام.. حرية حرية حرية.. ليهجم عليهم الاثنان الآخران وهم يمشون مشية الشبيحة بصدور عارية، قبل أن يقبضوا عليهم، ويربطونهم، ثم يدعسون رؤوسهم»، وأضافت مريم «قام أحد الأطفال بعد ذك بتقلد صوت سيارة النجدة، ثم جاء 2 آخران يقولان نحن أمن، فيشحطونه على الأرض، ويقولون للباقي خلص هاد صار ضيفنا الليلة كملوا شغلكن عالحارة الثانية يا شباب».
أما «شيرين» فتقص رواية أخرى أغرب من الخيال عندما كانت تستقل سيارة «سيرفيس» هي وزوجها وابنها الصغير، قبل أن تستوقفها دورية أمن، ليفاجئ العسكري الطفل الصغير بسؤاله «عمو الشعب شو يريد؟»، فرد عليه الطفل دون تفكير «الشعب يريد إسقاط النظام».
وتقول شيرين: «ساد صمت مريب كل من في السرفيس، فقال لنا العسكري الشهم: بدكون (تريدون) نصيحتي دور السرفيس لورا وأرجعوا ع بيوتكن، لأن بعد 500 متر في دورية أمن ثانية، وراح يسأل عسكري ثاني الولد هادا (هذا) السؤال، وإذا جاوب نفس الجواب، راح ينزلكن كلياتكن (كلكم) ويتم اعتقالكم. أفضل شي أنكن ترجعوا والهريبة (الهرب) نص المرجلة (الرجولة)».
«فادي» وفي بوعده وأخذ ابنه للمظاهرة، وأبناء «مريم» صاروا هم أيضا لا لعبة لهم إلا «أطفال وشبيحة».. و«شيرين» نجت بعائلتها من العسكر، لكن ابنها مازال يردد: «الشعب يريد إسقاط النظام».