فى ديسمبر 2007 كان الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى (2007-2012) منتشيا بزيارة «ملك ملوك أفريقيا» الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى لباريس، وبضخامة عوائدها الاقتصادية، وما تحققه من علاقة خاصة بين الرجلين.
رحل القذافى وسقط نظامه، لكن توابع تلك العلاقة الملتبسة والمتحولة بين الرجلين لا تزال تطارد ساركوزى، وقد تقوده إلى السجن.
كانت تلك الزيارة بالنسبة لساركوزى خطوة لفتح خزائن الزعيم وتوقيع عقود بعشرات مليارات الدولارات، شملت صفقات تعاون فى المجال النووى وشراء طائرات إيرباص وصفقات أخرى فى مجال السلاح، واستثمار شركة «توتال» فى حقل غاز ضخم اكتشف غربى ليبيا، وفق ما ذكرته صحيفة لوموند الفرنسية.
بعد طول عداء تأسست «الحقبة الجميلة» بين باريس وليبيا، وظهرت علاقات شخصية بين الرجلين، بنيت على شبكة واسعة من المصالح ما بين سرى وعلنى، منها جاءت الاتهامات لساركوزى بتلقى هدايا من القذافى ومبالغ مالية لتمويل حملته الانتخابية عامى 2006 و2007 بلغت نحو خمسين مليون يورو.
والأسبوع الماضى فشل الرئيس الفرنسى السابق فى الهروب من «لعنة» العقيد الليبى الراحل، ونشرت صحف عربية عديدة، من بينها جريدة الحياة اللندنية، خسارة ساركوزى أول طعن على إحالته للمحاكمة بتهم استغلال النفوذ والفساد، المتعلقة بحملته الرئاسية، وحصوله على أموال بصورة غير قانونية من العقيد الليبى، بحسب ما نقلت وكالة «رويترز».
ومن المقرر أن ينتظر الرئيس الفرنسى السابق نتيجة طعن ثان قبل أن يعرف ما إذا كان سيمثل أمام المحكمة من عدمه.
ويشتبه فى أن ساركوزى، الذى تولى الرئاسة من عام 2007 إلى عام 2012، ساعد ممثلا للادعاء فى الحصول على ترقية مقابل معلومات مسربة عن تحقيق جنائى منفصل، متعلق بحصوله على أموال بصورة غير قانونية لحملته الرئاسية من القذافى.
وكان القضاء الفرنسى وجه اتهامات إلى ساركوزى للاشتباه فى تمويل ليبيا لحملته فى الانتخابات الرئاسية عام 2007.
ويعتقد القضاء الفرنسى، بحسب التهم الموجهة ضد ساركوزى، أن الأخير استفاد فى تمويل حملته للانتخابات الرئاسية عام 2007 من الرئيس الليبى، والذى ساعده فى الوصول إلى الحكم فى عام 2011، وذلك بعد «شهر عسل» قصير تميزت به زيارة الزعيم الليبى إلى العاصمة الفرنسية باريس.
وأشارت التحقيقات إلى أن الوسيط فى تلك المفاوضات كان يدعى زياد تقى الدين، والذى كشفت تحقيقات فى نوفمبر 2016، أنه نقل 5 مليون دولار نقدا من طرابلس إلى باريس فى نهاية عام 2006، وأوائل عام 2007، وسلمها إلى كلود غيان، وزير الداخلية الفرنسى السابق، ونيكولا ساركوزى.
وقال السفير الليبى، مترجم الرئيس الأسبق معمر القذافى، مفتاح عبد الله ميسورى، إن القذافى مول حملة ساركوزى ودفع له 30 مليون يورو.
وكشف موقع «ميديا بارت» الاستقصائى الفرنسى أن قضاة التحقيق الثلاثة فى القضية، استجوبوا لأول مرة ومباشرة بعض الفاعلين الليبيين فى هذه القضية، فى مقدمتهم رئيس جهاز المخابرات الليبى السابق عبد الله السنوسى. وقال الموقع الفرنسى إن القضاة المكلفين بهذا الملف، يرافقهم أفراد من وحدات التدخل الخاصة ومكتب محاربة الفساد، قابلوا السنوسى فى معتقله بطرابلس بين 4 و6 فبراير، واستمعوا إلى شهادته بشأن استلام ساركوزى مبلغ 7 ملايين يورو لتمويل حملته الانتخابية التى قادته إلى الإليزيه.
الآن وصلت القضية إلى مرحلة أكثر تطوراً، وذكرت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية أن السلطات أخلت سبيل ساركوزى من قبل فى مارس 2018 على ذمة القضية فى انتظار تحديد مصيره، إما بتوجيه الاتهام له رسمياً أو بتبرئته.