ما إن مرت 48 ساعة حتى شعر أصحاب الكافيه الذي يعمل فيه بغيابه غير المعتاد قبل أن يفاجأوا بمشهد مُفزع في غرفة نومه أعلى الكافيه.
«كانت رقبته مشنوقة، يدوب لحم الرقبة ماسك بالكوفية، وتحول لون شفتيه إلى الزرقة والأنف انفجرت منها الدماء، والجسد كان متجمدًا».
هكذا وصف المشهد أصحاب الكافيه الكائن في عين شمس، خلال حديثهم إلى «المصرى اليوم»، وسط ذهول وبكاء أصدقاء الشاب.
في حين اكتفى أهله بالتمتمة بكلمات:«الله يرحمه ويسامحه»، بعدما انفجرت موجه غضب بين العاملين بالكافيه إلى أسرة الشاب محمد السيد، (18 عامًا): «لا أحد منكم كان يسأل على أحواله بيأكل إيه ويشرب إيه ويعيش إزاي».
بملامح يكسوها الحزن، قال عبدالرحمن شوقي، مالك الكافيه، وشاهد العيان: «يوم الخميس صعدت إلى حجرة محمد السيد، للاطمئنان عليه لاختفائه عنا طوال 48 ساعة، وفوجئت به معلقا نفسه وقد فاضت روحه».
اتصل «شوقى» بالشرطة، التي حضرت على الفور، ونبه ضابط المباحث الذي عاين الجثة- بحسب الشاهد- إلى أن «السيد» انتحر قبل20 ساعة على الأقل من وقت اكتشاف الجثة.
وشرح مالك الكافيه أن «الشاب المنتحر فصل لمبة الإضاءة بالحجرة التي ينام بها، كعادته مؤخرًا، وعندما صعد للاطمئنان عليه صُدم بمشاهدته مُعلقًا نفسه بـ«جنشين كبيرين»، كان العامل دائمًا يحب ممارسة الرياضة عليهما: «بيلعب عقلة، فكان شابا رياضيا ممشوق القوام».
عثرت الشرطة على كراسة خلال المعاينة.. تبيَن أن «السيد» كان يدون بها كلماته الأخيرة. بالكاد استطاع ضابط المباحث وأصحاب الكافيه فك طلاسمه، فكان الشاب لا يجيد تمامًا القراءة والكتابة، فقد توقفت علاقته بالتعليم عند المرحلة الابتدائية، بحسب «شوقى».
«ماشى يا أبويا ويا عمى أخذتوا حقى.. أحبك دائمًا.. يا أمى نفسى في حضنك رغم زعلى منك»، ملخص للعبارات التي دونها الشاب بكراسته. ويقول مالك الكافيه عن ذلك، إن الشاب الذي تخلص من حياته كان دائمًا يمسك بالكراسة ويكتب بها «عندما يكون مكتئبا أسباب حزنه من الناس».
قبل انتحاره بـ14 يومًا، أخبر مالكى الكافيه بأنه لا يريد الاستمرار في العمل دون إبداء أسبابه، لكنه سيظل بحجرته لحين العثور على عمل جديد، يقول «شوقى»، إنهم وجدوا عملاً جديدًا له في مقهى آخر، لكن محمد ماطلهم، ولم يذهب إلى العمل الجديد حتى انتحر.
وحكى العاملون بالمقهى أن الشاب المنتحر ابتعد عن أصدقائه، وأنه كان يتعاطى مواد مُخدرة ويدخن السجائر، إلا أنه مؤخرًا ابتعد عن ذلك، لكنه أحب العيش كبقية أقرانه ممن هم في مثل سنه:«واظب على شراء ساندوتشات الشورمة ولعب البلاى ستيشن باليومية التي يتحصل عليها، وتبلغ 100 جنيه».
وأرجع أصدقاء الشاب سوء معاملة والدي الشاب إلى إقدامه على الانتحار. ويقول صديقه محمود خالد إن والدي عامل المقهى المنتحر انفصلا بالطلاق قبل سنوات، فحضر مع أبيه إلى عين شمس، حيث عمل معه بالاشتراك مع عمه بمحل فول وفلافل، لكن سوء معاملة الأب والعم تسببت في اكتئابه «كانا يضحكان عليه ويعطياه يومية 10 جنيهات في اليوم».
يروى «خالد» في أسى أن والد الشاب طرده من منزله حتى لجأ الأخير قبل 4 أشهر إلى العمل بالكافيه: «لم يفكر أبوه في زيارته، رُغم قرب المقهى من بيته ومحله».
سافر «السيد» إلى أمه بمحافظة الشرقية، وفقًا لصديقه، واختار العيش إلى جانبها، لكنها طردته هي الأخرى، فكتب عنها بكراسته معاتبًا إياها: «أحبك يا أمى رغم الأسى». عاش الشاب المنتحر أيضًا، بحسب راوية أحد أصدقائه، قصة حب لم تكتمل فصولها، لكنها لم تؤثر عليه: «انتحاره كان بسبب طرد أهله له وشعوره بالوحدة».
طلبنا تعقيبًا من والد الشاب «السيد»، لكنه اكتفى بقوله: «الله يرحمه ويسامحه»، وأفاد العاملون بالكافيه بأن والد الشاب عندما حضر إليهم لرؤية جثة نجله كان في حالة يرثى لها، ولم نرض بأن يراها وهى ملفوفة داخل سيارة الإسعاف، واكتفينا بمعاتبته لعدم زيارته ابنه طوال فترة غيابه عنه، فقال: «الله يسامحنى ويسامحه».
وصرحت النيابة العامة بدفن جثمان الشاب، وطلبت تحريات أجهزة الأمن وتقرير الطبيب الشرعي للتأكد من عدم وجود شبهة جنائية، وفحص كاميرات المراقبة بالمكان، وما تزال التحقيقات مستمرة.