على غرار ما يحدث فى مصر مما يطلق عليه البعض «الثورة المضادة»، المتمثل فى انتشار أعمال البلطجة وبث عوامل الفتنة الطائفية والفرقة، مرت الثورة فى تشيلى بتجربة ثورة مضادة. فقبل أن يعرف العالم يوم 11 سبتمبر2001، يوم الهجمات الإرهابية فى نيويورك وواشنطن، عرف العالم يوم 11 سبتمبر 1973 باعتباره يوم الثورة المضادة فى تشيلى، مدعومة من أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية وممولة من قبل شركة الاتصالات متعددة الجنسية فى انقلاب مسلح ضد الرئيس الاشتراكى سلفادور أليندى، الذى وصل إلى السلطة سلميا عن طريق انتخابات ديمقراطية. نفذت هذا الانقلاب مجموعة عسكرية تشيلية بقيادة الجنرال أوجستو بينوشيه، الذى حكم البلاد بالحديد والنار حتى عام 1990.
بدأت إرهاصات الثورة فى تشيلى فى الفترة من 1964 وحتى عام 1970، حينما واجهت الحكومة المسيحية الديمقراطية فى شيلى بقيادة إدوارد فراى تصاعدًا كبيرًا فى حدة الصراع العمالى خلال سنواتها الأخيرة. ففى بداية 1968، دعا اتحاد النقابات العمالية إلى الإضراب العام اعتراضًا على خطط «فراى» المتعلقة بحظر الإضرابات، وقد أدى نجاح الإضراب العام إلى إشعال نضالية الطبقة العاملة، حيث وقع 1939 إضرابًا فى عام 1968 ثم ارتفع العدد إلى 5259 إضرابًا فى عام 1969. جاء هذا الصعود فى الصراع الطبقى فى مواجهة ارتفاع فى الأسعار بلغ حوالى 50% خلال عامى 1968 - 1969، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة وازدياد الطابع القمعى للحكم. ومن ناحية أخرى، شهدت هذه السنوات موجة من احتلال الأراضى بواسطة الفلاحين المعدمين، كما بدأ فقراء المدن من العاطلين وأصحاب المهن الهامشية فى تنظيم أنفسهم والنضال من أجل حقوقهم فى السكن والخدمات الأساسية.
فى ظل هذا المد فى الصراع الطبقى، جرت الانتخابات الرئاسية فى 1970 وأسفرت عن فوز سلفادور أليندى.
وعلى الرغم من الطابع المعدل لإصلاحات أليندى، فإن البرجوازية رأت فيها تهديدًا خطيرًا، وقامت بشن هجوم مضاد منظم ضد العمال وحكومة الوحدة الشعبية معًا شمل سحب رؤس الأموال وتعمد تخزين السلع لخلق اختناقات اقتصادية شديدة، وتنظيم مظاهرات عديدة ضد النظام وذلك كله خلاف حملاتها داخل البرلمان ضد إصلاحات وتأميمات أليندى.
بحلول شهر أكتوبر كانت فجوة كبيرة قد تنامت بين الحكومة من ناحية وبين العمال والفقراء الذين أتوا بها إلى السلطة من ناحية أخرى. وهنا قررت المعارضة اليمينية أن الوقت قد صار مناسبًا لإسقاط أليندى فى ذلك الشهر، قام أصحاب اللوريات بإضراب استهدف شل المواصلات فى البلاد، وقد نظمت هذا الإضراب مباشرة إحدى المنظمات شبه الفاشية إلا أنه حظى بتأييد البرجوازية بصفة عامة، حيث أعرب أصحاب المحال عن تأييدهم له بغلق محالهم كما حاول أصحاب المصانع وقف الماكينات، وكذلك صوتت المنظمات المهنية للأطباء والمحامين وغيرهم لصالح الانضمام للأحزاب. كان الهدف من الإضراب هو إجبار حكومة أليندى على الاستقالة، أو على البقاء فى الحكم مع تطبيق الإجراءات التقشفية التى كان اليمين يطالب بها مما كان من شأنه زيادة الفجوة بين «الوحدة الشعبية» وبين قاعدتها الجماهيرية، وهو ما يضمن هزيمة الائتلاف اليسارى فى الانتخابات البرلمانية فى مارس 1973.
وعندما كان العمال قد أحبطوا، بنشاطهم المستقل، خطة البرجوازية، قرر «أليندى» ضم العديد من الجنرالات لوزارته وأعلن حالة الطوارئ، ولكن قادالجنرال بينوشيه أحد أعضاء حكومة الجنرالات، التى شكلها أليندى فى سبتمبر 1973 بانقلاب دموى فى تشيلى قتل خلاله 30 ألف شخص أغلبهم من المناضلين الاشتراكيين والنقابيين خلال الـ12 شهرًا التالية للانقلاب، كما تعرض الآلاف للاغتصاب والتعذيب والموت جوعًا.
واضطر الديكتاتور فى النهاية إلى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية عام 1990 صك يومها ميدالية حملت عبارة «لقد أنجزت الرسالة». وحركت ضده فى بريطانيا وتشيلى نفسها نحو 300 قضية تتراوح بين الإبادة الجماعية والاحتيال المالى، ووضع تحت الإقامة الجبرية مرات عدة.
وفى اليوم العالمى للدفاع عن حقوق الإنسان، 10 ديسمبر2006 حزم الديكتاتور جرائمه بحق تشيلى والتشيليين ورحل عن الحياة. مات ووضح أنه لن يواجه حكما سوى حكم التاريخ.