لم يكن اختيار جماعة الإخوان المسلمين اسم «الحرية والعدالة» لكى تطلقه على حزبها السياسى الذى يولد «رسمياً» لأول مرة فى عمرها المديد منذ ثمانين عاما، سوى إشارة واضحة إلى أنها ستسير خلف تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركى الذى طمأن الأوروبيين والولايات المتحدة على مستقبل تيار الإسلام السياسى فى الحكم لأنقرة.. فالجماعة التى تشم أول نسائم الحرية «والشرعية» فى آن واحد لأول مرة فى تاريخها، ظهرت وكأنها تقفز على لحظة «الحرية» التى لاحت فى الأفق عقب رحيل نظام لم يكن له شبيه فى التضييق والاعتقال سوى نظام عبدالناصر، لتضرب عدة عصافير بحجر واحد.. الأول هو السير نحو «الإسلام العلمانى»، كما يراه البعض فى تشبهها بتجربة «العدالة والتنمية» التركية، وعليه فإن التجربة التركية بالنسبة للجماعة تمثل جنة الحصاد بالنسبة لتيار الإسلام السياسى الذى حظى بنجاح التجربة، دون أن نشهد له سقوطا مروعاً كما فى الجزائر والسودان والسلطة الفلسطينية.
كل هذه النماذج لا يذهب عنها عين وعقل جماعة الإخوان المسلمين، لاسيما أنها تخطو الخطوة الأولى فى «الشرعية» ليكتمل «الحلم» الذى ولد من أجله التنظيم، وهو تطبيق الشريعة الأسلامية والوصول الى الحكم، خاصة حكم بلد كان ولايزال هو الحاضن الأول للدعوة الإخوانية، فضلا عن المنشأ.
لذا كان واجبا على التنظيم الأكبر بين الحركات الإسلامية أن يرسل إشارات واضحة المعنى حتى «يجوز» له «المرور» كما يعتقد الكثير من أهل الحل والعقد فى الوصول إلى سلطة دولة عملاقة مثل مصر.
والجماعة ترى أن خطاها هى نفس خطى العدالة والتنمية التركى من حيث التمدد المجتمعى الذى نجح فيه أبناء أنقرة من الإسلاميين، عندما سيطروا على عمليات التكافل الاجتماعى فى المجتمع التركى، فكان ذلك بالنسبة لهم حصان طروادة الذى أتى بهم إلى الحكم داخل تركيا.
هكذا يرى الإخوان أنفسهم فى مصر من حيث الشبه والخطى لأن العدالة والتنمية التركى يؤمن بشروط «اللعبة الدولية» المعروفة باسم «السياسة الدولية»، وقد سبق أن أعلنت هى أكثر من مرة عن موافقتها بهذه الشروط فقالت بالاحترام التام للموافقات الدولية التى أبرمها النظام السابق وتحديداً نظام مبارك فى اتفاقية كامب ديفيد الخاص بإسرائيل.. والسير نحو نهج الاعتدال الذى قد لا تراه الولايات المتحدة وأوروبا «اعتدالاً» كما كان تعريفها للاعتدال العربى فى عهد مبارك لكن الجماعة ترى أن الاعتدال المنشود الذى سوف تلعبه لا يخسر المجتمع الدولى ولا الشعب المصرى أو هكذا تعتقد.
والجماعة أيضا ترى أنها ستتطابق فى ذلك مع نفس الرؤية لحزب العدالة والتنمية التركى الذى نجح الأن نجاحاً كبيراً ربما يسوقه لأن يكون دخول تركيا إلى جنة الاتحاد الأووربى على يديه.
فى المقابل، تؤكد الجماعة أن سلوكها فى المعارضة سيختلف عن سلوكها فى الحكم، وبمعنى آخر فإن الإخوان كانوا طوال الوقت، يتجهون بالبوصلة نحو إيران طالما كان فى المعارضة، أما بوصلة الحكم فستتجه إلى تركيا.
والإخوان لا ينظرون الآن إلى إيران بصفتها مثالا يجب الاحتذاء به فى عالم «الحكم»، لأن نار إيران لا تناسب تنظيما يعدو نحو السلطة منذ 80 عاما، لأنه ببساطة لن تصعد الجماعة إلى قمة الجبل لتتدحرج إلى الأسفل كما تقول أسطورة سيزيف، لأن إيران الآن بالنسبة للجماعة هى طريق للسقوط وليس لاعتلاء الحلم الإخوانى.
فحلم الصعود بالنسبة للإخوان يجافى تماما الاتجاه السياسى نحو إيران الآن، لأن الحلم اقترب من الحقيقة، ولأن فكرة «المعارضة» التى تنتهجها إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا «زهقت» منها الجماعة لأن زمن المعارضة فى فقه الإخوان ولى وذهب إلى غير رجعة، كما أن عقيدة «الإخوان السنية» تختلف فى منهج الحكم عن عقيدة ولايات الفقيه الشيعية حتى لو بدا للجماعة مرشد كما فى إيران.
كل ذلك يجعل الإخوان يولون شطر وجوههم نحو تركيا حيث الغرب بعد أن تقلبت وجوههم كثيراً فى المعارضة نحو الشرق إلى إيران.