أثارت حالة التباطؤ الاقتصادى والوضع المتردى للعديد من القطاعات الإنتاجية، مخاوف العديد من الخبراء من تحول الملف الاقتصادى إلى حجر عثرة أمام التحول الديمقراطى، وحذروا من أن تؤدى زيادة الضغوط على الطبقات الفقيرة، إلى ما سموه انتفاضة عشوائية تصبح أشد خطرا على البلاد.
قال الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادى، إن غياب العدالة الاجتماعية وعدم توافق السياسات الإصلاحية، التى اتبعتها الحكومات السابقة كان السبب الرئيسى فى التحام الجماهير بثورة 25 يناير.
وحذر «دلاور»، من أن استمرار التدهور الاقتصادى قد يدفع هذه الجماهير للانقلاب على هدف الثورة نفسه، الذى يسعى لتحقيق الديمقراطية السياسية وحدوث انتفاضة عشوائية، وهو نموذج تكرر فى كل البلدان، التى تجاهلت الديمقراطية الاقتصادية، عند مساعيها لتحقيق الديمقراطية السياسية.
وأضاف: «سبق أن قادت بعض الثورات شعوبها فى ظل الحاجة إلى العدالة الاجتماعية لقبول نظام ديكتاتورى أشد قسوة ممن انقلبوا عليه لمجرد أنه قد يحقق عدالة اجتماعية، حتى لو كانت قائمة على حكم فردى ديكتاتورى».
وتابع: «مصطلح الديمقراطية الاقتصادية مازال غائبا حتى الآن عن الساحة المصرية، وهو ما يهدد أى مساعٍ حالية نحو الديمقراطية السياسية»، وقال إن هذه النماذج تتضح فى دول أوروبية وأمريكية مثل دول شرق أوروبا بعد انهيار حائط برلين، وكذلك دول أمريكا اللاتينية، حيث ارتمت تلك الدول فى أحضان التحرر السياسى والاقتصادى بالكامل، وتركت لرأس المال السيطرة الكاملة، ما نتج عنه انتشار حالات الفساد والسلب والنهب والجريمة المنظمة والمخدرات، ومع الوقت انقلب الشعب على تلك الديمقراطيات، وارتضى وجود «ديكتاتور عادل، حتى إن الولايات المتحدة نفسها عندما تركت حرية رأس المال كاملة ظهر عندها اللوبى الصهيونى، الذى يتحكم فى سياسات الولايات المتحدة الخارجية».
واستطرد «دلاور»: «على النقيض نجد أن الديمقراطيات التى تبنت مبدأ العدالة الاجتماعية مثل إنجلترا وفرنسا تشهد استقرارا، حيث إنها أخذت فى الاعتبار تقليل الفجوة فى دخول الأفراد والحفاظ على حقوق العمال والعاملين ومساهمتهم فى شركاتهم وتقديم خدمات صحية وتعليمية مجانية».
وطالب بوضع نموذج لاقتصاد السوق يتلاءم مع الظروف المصرية، وقال: «يجب اتخاذ قرارات سريعة لمواجهة خطايا الاقتصاد الحالى الذى يعتمد على الامتلاك أكثر من الإنتاج، وذلك بفرض ضرائب على الثروات الورقية، التى لا تعتمد على إنتاج حقيقى مثل الأموال الساخنة فى البورصة والعقارات وكل أنواع الربح الكسول».
وأضاف أنه فى المقابل لابد من زيادة الإنتاج، ووضع قيود على الاستيراد وعلى تحويلات الأفراد إلى الخارج دون المساس بالاعتمادات المستندية، وحرية استيراد مدخلات الإنتاج.
من جانبها رفضت الدكتورة عاليا المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الربط بين المسار الاقتصادى والتحول السياسى نحو الديمقراطية، مؤكدة أنهما مساران متوازيان، وأن تعطل أو تباطؤ أحدهما يجب ألا يتم أخذه كحجة للتأثير على المسار الآخر.
وأضافت أن تدهور الوضع الاقتصادى يجب ألا يتبعه توقف المسار الديمقراطى، وإجراء الانتخابات أو وضع الدستور أو اختيار رئيس للجمهورية، ووصفت من يستخدم المشاكل الاقتصادية كشماعة لتكبيل خطوات الإصلاح السياسى والديمقراطى بأنه «مغرض».
وتابعت أنها لم تلمس حتى الآن أى تغيرات ثورية فى الوضع الاقتصادى المصرى، خاصة أن الموازنة الجديدة التى تم عرضها قبل أيام هى تكرار لموازنات الحزب الوطنى السابقة، ولم تأت بأى أفكار ثورية بل زادت من بنود الإنفاق على مخصصات الدعم كما كان فى الماضى، ولم تتجه إلى أى قرارات لتعديل مساره، وإعادة توجيهه لمستحقيه.
وأضافت أن الحكومة الحالية قطعت على نفسها وعودا يصعب تنفيذها فى ظل الظروف الراهنة، وهو ما يهدد مصداقيتها فى الشارع، مشيرة إلى أن مشكلة الحكومات السابقة والحالية أنها لا تمتلك الجرأة لاتخاذ القرار وتنفيذه، وإقناع الناس بأهميته.