x

البلطجة.. دولة الساعة

الثلاثاء 07-06-2011 16:28 | كتب: سامي عبد الراضي |
تصوير : السيد الباز

إلى جانب الصور المتوقعة للخروج على القانون بعد إحساس الناس بسقوط النظام ومعه القانون، كان أحد الأعراض الجانبية للثورة، اتساع سطوة جماعات البلطجة المسلحة، الذين استغلوا حالة التراجع الأمنى فى بسط نفوذهم على الشوارع، بدءاً من السطو المسلح، ومروراً بفرض الإتاوات، وليس انتهاءً بالقتل، ويمثل هؤلاء البلطجية العائق الأكبر فى استقرار الدولة ومستقبلها السياسى.


وفى دراسة أمنية، يصنف اللواء رفعت عبدالحميد، الخبير الأمنى، البلطجية، إلى «مجموعات الموتوسيكل الطائر» والهاربين من السجون بالسلاح الآلى المسروق، وبلطجية متخصصين فى القتل والجرح النافذ والسلب والنهب على قارعة الطريق وبلطجية يعملون بنظام الميليشيات فى الجريمة المنظمة ولهم هيكل وبناء تنظيمى، ولا يعملون بشكل عشوائى.


ويقول إنه بعد أحداث ثورة الشباب فى 25 يناير الماضى، تم تنفيذ أكثر من 170 عملية بلطجة دون مقاومة، وأن «البلطجية» واصلوا نشاطهم الإجرامى، فى فرض السيطرة ومقاومة السلطات بالسلاح ومهاجمة مجموعات من الناس تجمعهم رابطة واحدة، مستخدمين أدوات متطورة، ومنها الموتوسيكل الطائر مدججين بأسلحة مسروقة من الأقسام والسلاح الأبيض بجميع أنواعه وزجاجات مولوتوف حارقة، وينفذون عملياتهم فى شوارع ومنشآت ومحال على قارعة الطريق وبشكل علنى، وتخصصوا بعد الثورة فى أحداث الانفلات الأمنى فى الشارع، إضافة إلى آخرين متخصصين فى اقتحام الأقسام والسجون وتهريب السجناء، وهو ما يؤثر على تحديد المستقبل السياسى لمصر، خاصة فى ظل الانتخابات المقبلة.


ويتابع عبدالحميد فى دراسته: امتدت أعمال البلطجة أيضا إلى اقتحام قاعات المحاكم والنيابات والاعتداء على الصحفيين والمذيعين، وفرض السيطرة ومقاومة السلطات، وسرقة وإتلاف المحال العامة، وسرقة وإحراز السلاح والمخدرات، وإضرام النيران فى ملفات القضايا المهمة فى المحاكم الجنائية، وارتكاب حوادث الخطف والاغتصاب وهتك العرض، وضرب الأطباء والممرضات وتدمير غرف العمليات والعناية المركزة ببعض المستشفيات، وسرقة الخزائن وسيارات نقل الأموال، والقتل وإزهاق الأرواح، مشيراً إلى أنهم متخصصون فى الثورات المضادة وتأييد النظام الفاسد.


ويقول إن المتابع لأحداث البلطجة التى وقعت مؤخراً، يكتشف أن البلطجية يستخدمون معدات ثقيلة للتنفيذ وهدم السجون، من بلدوزرات وكساحات، ولوادر، ولديهم سيارات دفع رباعى وسلاح على أعلى مستوى.


ورصد عبدالحميد قائمة بأسعار البلطجية، فى دراسة ميدانية عن جرائم ما بعد الثورات، قال فيها إن سعر البلطجى السادة، أى بدون سلاح، وصل لـ200 جنيه، فى حين وصل سعر البلطجى بآلة حادة إلى 500 جنيه، ووصل سعر البلطجى بالسيراميك والرخام لـ400 جنيه، أما البلطجى بالمولوتوف بنزين 92، فوصل أجره إلى ألف جنيه، فيما وصل سعره بسلاح آلى إلى 2500 جنيه، وبسلاح محلى 1225 جنيها، وبالموتوسيكل الطائر 1500 جنيه، والمخضرم 10 آلاف جنيه وهو «المتمرس» فى ارتكاب الجرائم ولديه قائمة سوابق طويلة، ولسرقة المحال العامة 350 جنيها، والمتنكر 100 جنيه، ولإفساد المؤتمرات والندوات 500 جنيه، وللقتل 8 آلاف جنيه، وللضرب 500 جنيه، ولإحداث جرح نافذ 2500 جنيه، ولخطف أطفال 3 آلاف جنيه، ولضرب أطباء وجراحين 250 جنيها، وبلطجى تدمير غرف عمليات وعناية مركزة 500 جنيه، وللضرب الذى يفضى إلى الموت 6 آلاف جنيه، ولضرب النشطاء السياسيين والحقوقيين 1700 جنيه، ولقطع الطريق العام 1400 جنيه، ولتهريب السجناء 1400 جنيه، ولإتلاف أقسام الشرطة ألف جنيه، ولإتلاف قاعات المحاكم الجنائية 2000 جنيه، ولإتلاف سجون 700 جنيه، ولسرقة معدات الفضائيات والتعدى على فرق الإعداد واحتجازهم 6 آلاف جنيه، وللتعدى على الإعلام والصحافة والمصورين واحتجازهم ألف جنيه.


ويتابع: وسعر مقاومة الشرطة وفرض السيطرة 5 آلاف جنيه، وللتعدى على المشاهير والقيادات 6 آلاف جنيه، ولسرقة سيارات الإسعاف 2500 جنيه، وميليشيات ومجموعات كبيرة بنظام المقاولة والاتفاق المسبق 75 ألف جنيه، وتشمل الأسعار الأحكام العسكرية المغلظة والحبس الاحتياطى وأتعاب المحاماة.


ويقول اللواء رفعت عبدالحميد: الثورات تخلق جرائم مستحدثة عن المجتمع، ويزداد معدلها الإجرامي، وينضم إليها عناصر إجرامية جديدة لم تكن معروفة أو مسجلة جنائياً من قبل وهى فئة الشباب من سن 15 سنة حتى 24 سنة، وأثناء الثورات ذاتها لا تظهر الجرائم، والمجرمون يكونون فى حالة ترقب ظهور نتائج الثورات، فقد يكونون مع الجانب الفائز أو ضده، وكله إجرام وغنائم وغياب القانون والشرعية والردع الخاص، وتعود الحياة لطبيعتها بعد فترة الاستقرار السياسى وإعلان اسم رئيس الدولة ومجلس الشعب والتشكيلات الوزارية والمحافظين.


وأشار رفعت إلى عدة ملاحظات، منها أنه خلال فعاليات الثورة وسقوط الشهداء والمصابين لم يسقط بلطجى واحد قتيلاً، والكل يبحث عن حقوق الجناة، وطرحوا جانباً حقوق الشهداء والمجنى عليهم، وتساءل: كيف نطلب من رجال الشرطة ممن فقدوا الأمن على أنفسهم وأولادهم ويقتلون أو يهددون بالقتل والنماذج كثيرة، حينما دافعوا عن الأقسام والسجون ضد البلطجية، كان مصيرهم قفص المحكمة فمنهم مديرو أمن ونواب ومديرو مباحث وأفراد، وحينما ارتعشوا اتهموا بالانفلات الأمنى، ورغم ذلك كله، فلا يمكن أن تسيطر البلطجة على الشارع، مهما كانت قوة البلطجية، فما المانع من إثراء ثقافة الأمن الذاتى، إضافة إلى أنه مطلوب أن يكون رجل الشرطة قوياً فى تنفيذ القانون، وحازماً ويخدم الناس وليس مرتعشاً.


وقال إن العلاج يكمن فى إنشاء المجلس القومى للأمن المصرى، تحت رعاية وزير الداخلية، ويتكون من خبراء وشيوخ جميع مؤسسات المجتمع المدنى المهتمين بالعلوم الجنائية الميدانية ويضم خبراء علم النفس الجنائى، وعلم الإجرام، وشيوخاً وخبراء الأمن ممن أوفوا العطاء، وشيوخ القضاء، وكبار رجال الإعلام والصحافة، والمفكرين والمثقفين من الشباب، ليشارك الجميع فى المسؤولية، لأن الأمن المصرى لا يتجزأ.


ويقول المستشار فكرى خروب، رئيس محكمة جنايات الإسكندرية، إن جرائم البلطجة التى تشهدها البلاد حاليا «مصطنعة ومفتعلة» لإثارة الفتن، ووراءها أصحاب المصالح الحقيقية، التى هددتها الثورة والثوار، وفلول الحزب الوطنى المنحل الذين لا يزالون يعملون فى مواقعهم الإدارية فى مختلف أجهزة الدولة، والمجالس المحلية، وينفقون الأموال فى سبيل إثارة هذه الفتن بصورها المختلفة.


ونصح «خروب» بضرورة تغيير ثقافة وفلسفة وسياسة وزارة الداخلية بصفة عامة، حتى يؤدى ضباط وأفراد جهاز الشرطة فى جميع القطاعات واجبهم على الوجه الأكمل فى التصدى لمثل هذه الجرائم، باعتبارهم يؤدون رسالة سامية فى حفظ الأمن والاستقرار فى المجتمع، ومنع وقوع الجريمة، وتعقب مرتكبيها، مؤكداً ضرورة أن يتولى وزارة الداخلية قاض، بعلمه وتكوينه ورسالته، مشهور بالنزاهة والحيادية وتطبيق القانون، الأمر الذى يبعث برسالة جديدة لرجال الشرطة خاصة، والمواطنين عامة، مفادها سيادة القانون وخضوع جميع المواطنين والحكام لأحكام القانون، لا فرق بين غنى وفقير، أو صاحب سلطة، وأعزل من هذه السلطة، فالكل أمام القانون سواء، ومن يخطئ يحاكم، ومن يصب يثاب، وبذلك وحده نضمن القضاء على مثل هذه الجرائم والفتن، حتى يطمئن الشعب أن كل أفراده أمام القانون سواء.


وعاب على ما يردده بعض ضباط الشرطة، من أنهم يخشون محاكمتهم إذا تعقبوا المجرمين، أو أمسكوا بهم، مؤكداً أن هذا قول مرفوض، لا يجوز أو يصح أن يصدر عن رجال الشرطة، الذين يفهمون أن مسؤولياتهم حماية المواطنين من المجرمين، والمعتدين على حقوقهم، خاصة أن رجال الشرطة وظيفتهم يحميها القانون، وإذا تعرضوا لأذى فإن قانون العقوبات فيه ما يكفى لحمايتهم وعقاب المتسبب فى الأذى، إذا كان معنويا أو ماديا، ومن ثم فإن هذا الادعاء غير لائق، فإذا خاف رجل الشرطة على هذا النحو، تتعين مساءلته، بل محاكمته أيضاً، أما إذا أدى واجبه على النحو الذى كفله القانون فاحترامه واجب، فلم نر أبداً أن رجل شرطة أدى واجبه على النحو المطلوب منه، وكان مقابل ذلك عدم التقدير والاحترام.


وقال «خروب» إن ما يتردد عن زيادة أعمال البلطجة مؤخراً، مغالى فيه، ولم يزد كثيرا عما كان قبل الثورة، بل مجرد ترديد شائعات لإخافة المواطنين، لعدم تحقيق جميع أهداف الثورة، والإبقاء على ما كان عليه النظام السابق من فساد واستبداد، لكن المصريين هم أحرص الناس على ثورتهم، وأنفسهم وأموالهم، ولن يستجيبوا لمثل هذه السخافات.


وأشار إلى أن الجرائم المستحدثة، هى جرائم الاعتداء على أقسام الشرطة والمحاكم، وبعض المستشفيات، وأنها رغم كونها جرائم حديثة، فإنها لا تعد ظاهرة فى كل الأحوال، خاصة أنها مفتعلة من أصحاب المصالح الحقيقية وفلول الحزب الوطنى المنحل، وهم أشخاص معروفون، ويستخدمون بلطجية وأصحاب سوابق معروفين أيضا لرجال الشرطة وينفقون عليهم من أجل إثارة الفتنة.


ويقول اللواء فادى الحبشى، الخبير الأمنى، إن الخلل الأمنى الذى شهدته البلاد خلال الفترة الماضية، جعل البلطجية يتصورون أنهم أصحاب قوة، فخرجوا إلى الشوارع مستعرضين عضلاتهم على المواطنين البسطاء، وارتكبوا جرائم خطف وقطع طرق، ولكن هذا تراجع كثيرا الأيام الماضية، بعدما بدأ جهاز الشرطة فى استرداد عافيته، وأصبح تواجده فى الشارع أمراً ملحوظاً، وبدأ فى إعداد الأكمنة الليلية فى الميادين والشوارع.


وأضاف أن القوات المسلحة أيضا تفرض عقوبات رادعة وسريعة على كل من يرتكب أعمال بلطجة، وبدأ جهاز الشرطة يكثف من تواجده فى الشارع، مشيراً إلى أن ضباط الشرطة غيروا مفاهيمهم وأساليب تعاملهم مع المواطنين، وأصبحوا يلجأون إلى تطبيق القانون، بعيداً عن الإجراءات الاستثنائية التى كانت تحط من كرامة الإنسان، رغم كونها كانت تحد من انتشار أعمال البلطجة، مثل الاعتقالات.


ويرى الحبشى أنه خلال فترة قصيرة، سوف يعود الأمان إلى الشارع، كما كانت الأوضاع قبل الثورة، مؤكداً أنه رغم الأيام الصعبة التى عاشها الجميع خلال الخلل الأمنى، إلا أننا كسبنا جميعا احترام آدمية المواطن، حيث لا يمكن أن تهدر آدمية مواطن الآن، على يد ضابط شرطة أو غيره.


وقال إنه على المواطنين أن يتعاونوا مع رجال الشرطة، من أجل إعادة الثقة إلى الطرفين، فلا يمكن لدولة أن تعيش فى غياب الأمن، وحتى يعود الأمن يتطلب ذلك تعاون المواطنين مع أفراد الشرطة، حتى ينعم الجميع بالأمن والأمان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية