رغم السرية المفروضة على الأسماء المشاركة فيها، أعلن عدد من السينمائيين والتليفزيونيين، أعضاء نقابتى المهن التمثيلية والسينمائية ـ تنظيمهم مسيرة سلمية فى السادسة، مساء اليوم، تنطلق من ميدان طلعت حرب فى وسط القاهرة، وتستقر أمام البوابة الرئيسية لدار الأوبرا، للمطالبة بتنقية جداول العضوية فى النقابتين قبل إجراء الانتخابات، بسبب وجود أعضاء غير حاصلين على مؤهلات مناسبة للعمل الفنى ولا يمارسون المهنة بانتظام.
خوفاً من الإحراج وممارسة الضغوط عليهم، تكتم أغلب السينمائيين والتليفزيونيين موقفهم من المسيرة السلمية، بل تكتموا أسماء المشاركين فيها والداعين إليها، لكنهم لم يتكتموا مطالبها التى لخصوها فى: تطبيق قانون العزل السياسى المعروف بقانون الغدر «الذى لم يلغ حتى الآن» على النقباء السابقين د. أشرف زكى، ومسعد فودة، وممدوح الليثى، بحيث يتم منعهم من ممارسة العمل النقابى لمدة 5 سنوات على الأقل، وأنهم لن يغادروا الأوبرا إلا بعد أن يتلقوا ردوداً منطقية على مطالبهم من أى مسؤول سواء وزير أو عضو مجلس عسكرى.
الأحداث الأخيرة - فى الأزبكية – وغيرها أكدت أن العلاقة بين الشرطة والشعب قد وصلت إلى مرحلة متردية.. لا يمكن السكوت عليها، ولا يمكن أن نترك «الزمن» يداويها ونقول إنها مرحلة انتقالية و«تعدى».. فهذه العلاقة هى مفتاح الانتقال للمرحلة المقبلة ومفتاح أى حركة اقتصادية أو سياسية، لا يمكن إنجازها فى غيبة «الأمن والأمان». ولن أدخل فى تفاصيل حادث قسم الأزبكية والقتيل سائق الميكروباص، فالروايات كثيرة ونحن أهل الحكايات والشائعات المتضاربة.. لكن المؤكد أن هناك مشاعر وأفكاراً مسبقة أصبحت تحكمنا وتحكم الإعلام حتى قبل أن يتحقق... فالإعلام الذى لم يتردد لحظة واحدة فى أن خالد سعيد قد مات بـ«اسفكسيا» الخنق – كما قال تقرير الطب الشرعى العجيب حينها– هو نفسه الذى يتهم أى ضابط بالاعتداء على المواطنين.. دون أى تحر أو تحقق، لا حينها ولا الآن.. كلها أفكار مسبقة. والعلاقة مع الشرطة تحتاج فى البداية إلى إعادة هيكلة داخلية للجهاز.. الذى مكث سنوات طوالاً لا يحترم القانون ولا يطبقه ويشعر أفراده بأنهم فوق القانون بل وأسياده.. لكن ذلك – وإن كان بأوامر عليا سابقة – يجب ألا ينسحب على كل شرطى يعمل فى هذا الجهاز المكتظ بالشرفاء..
الآن يقف ضابط الشرطة أمام خيارين، فإذا حاول ضبط الجريمة أو منع البلطجة أى ببساطة القيام بعمله قد يستخدم القوة – ولا أقول هنا العنف - تلك القوة التى تدينه، وبالتالى فقد قرر كثيرون عدم القيام بدورهم بدعوى «وأنا مالى».. وبين القوة والعنف خيط رفيع فى العالم أجمع.. لكن القواعد أيضاً والقوانين معروفة.. ولا تحتاج إلى إعادة تفسير.
ما نريده الآن هو علاقة جديدة.. تمنح رجل الشرطة حق تطبيق القانون بالحسم والقوة إذا اقتضى الأمر.. لكنها تمنعه أيضاً من انتهاك حقوق الإنسان.. وعلى الجانب الآخر مواطن يعرف حقوقه وواجباته ولا يظن أن امتناع الشرطى عن استخدام القوة المفرطة هو ضعف منه، أو خوف من المواطن، لكنه احترام للقانون وللمواطن.. وهناك فارق شاسع بين الإحترام والخوف.
علينا أن نقف وقفة حاسمة نحن كمواطنين، ونحن كإعلام، لنسأل أنفسنا.. هل نريد للمؤسسة الشرطية أن تنهار؟! أم أننا نريدها قوية شامخة متماسكة تحفظ لنا الأمن والأمان بما لا يخالف حقوقنا وواجباتها؟! لقد هاجمتُ «الداخلية» كثيراً فى مواقف عدة، أهمها كان مقتل خالد سعيد، وآخرها كانت الثورة حتى قال لى أحد المسؤولين حينها إن استعراضنا المستمر لصور اعتداءات الشرطة على المتظاهرين فى برامجنا هو استعداء للناس على الشرطة فى التليفزيون الرسمى.
الآن وبعد أن سقطت هامات الكبار من مفسدى هذا الجهاز، علينا أن نتصارح ونتسامح ونمحو الأفكار المسبقة، وعليهم أن يطبقوا القانون بما فيه حمايتنا وحمايتهم. وكم يحز فى نفسى أن أقول نحن.. وهم.. فجميعنا من أرض هذا الوطن. فى الإطار نفسه لابد أن نحيى ضابط الشرطة الذى أنقذ زميلتنا «ماريان» من هذا الانتهاك المهين فى ميدان التحرير من عدد من البلطجية.. وكاد يتوفى بسببه.. كان يمكن لهذا الضابط أن يقول «وانا مالى» لكنه قام بواجبه.. لا أعلم لماذا هاجم «البلطجية» ماريان.. هل لأنها قبطية أم لأنها امراة أم صحفية أم ماذا؟! وقبل أن أسأل لماذا، أسأل أيضاً: وأين المواطنون العاديون؟! أين أهل التحرير.. لماذا لم ينقذوا ماريان؟! أسئلة حائرة لا أجد لها إجابات.. وإجاباتها أكثر ترويعاً فى رأسى..
أسامة الشيخ: تحرجت كثيراً فى الكتابة عنه، فقد كان رئيسى المباشر لعام تقريباً.. وهكذا تكون شهادتى مجروحة، لكننى قررت أن أقول كلمة حق للرجل الذى عمل جاهداً على تقديم شاشة مصرية منافسة.. فتح شبابيك الهواء التى كانت مغلقة، أعاد إحياء القنوات المتخصصة بعد مواتها، فحقق دخلاً إعلانياً وإعلامياً يعرفه الجميع.. هذا الرجل الذى ساندنا كثيراً ضد الرقابة المتعسفة وضد المسؤولين إلى آخر لحظة.. ووقف أمام المسؤولين حين مُنعنا من الظهور فى أيام الثورة، وقال فى اجتماع فى مكتب وزير الإعلام: «اتركوهم يقولوا كلمتهم لله وللوطن».. هذا هو أسامة الشيخ، الذى حاول الاستقالة عدة مرات لرفضه السياسات الإعلامية، خاصة فى الأيام الأخيرة. وأستغرب كيف يشهد ضده الآن من كانوا يحجون إلى مكتبه فى كل لحظة.. إنه زمن غريب.. تلك شهادتى الإنسانية والإعلامية عن الرجل الذى شرفت بالعمل معه.. وللقضاء الكلمة الأخيرة.