لم يعد الوقوف أمام سكاكين التقطيع الحادة يمثل صعوبة أمام حسام الزيات، فطوال 25 سنة ماضية وقف قابضا في يده سكين حديدي ضخم الحجم، يتصبب عرقه من جهد العمل، لا يتوقف عن تقطيع خليط أكياس وزجاجات البلاستيك داخل شوال الخيش الكبير، خشية من إهدار الخليط، تجاوره مجموعة من ماكينات الغسيل عن يساره، يختلس نظرات سريعة من حين لآخر لمتابعة حركة عماله، يعاونه أحد الصبية في رفع الشوال لسكبه داخل إحدى الماكينات المصنعة يدويا لبدء عملية «التنظيف».
على مدار الأعوام الماضية، ارتبطت العادات بشراء وجبات الأكل داخل مادة البلاستيك، وتتنافس محال الوجبات في تعبئة الوجبات داخل أكياس بلاستكية جديدة لجذب الزبائن، إلا أنه يظل «علبة الكشري» و«الكيس البلاستيك» و«ببرونة الأطفال» تتربع على قائمة الاحتياجات والمستلزمات اليومية في حياتنا، التي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن نادرا ما يعتقد أحد أن في هذا «البلاستيك» كارثة بيئية واقتصادية كبيرة، يحاربها العالم كله الآن.
لم يطلق عليه «ملك البلاستيك» من فراغ، فهو لم يخطئ يوما في ضبط خليط البلاستيك، «نزيه» الذي تجاوز الستين من عمره يرى أنه أكل عيشه الذي يستحق التعب من أجله، ورغم العثرات التى واجهها خلال عمله طوال 40 سنة ماضية، إلا أنه لا يعرف مهنة غيرها، قائلا: «ميت غمر هي أم تدوير البلاستيك، والناس بتيجى لها من قبلى وبحرى عشان ضامنة إنها هتلاقي بلاستيك نضيف وتمنه معقول».
ويعرف إعادة تدوير البلاستيك مادة «PET»، وهي عبارة عن تجميع زجاجات المياه المعدنية والكولا والبيبسي والزيت وأكياس البلاستيك المستخدمة وما شابه ذلك وتحويلها إلى منتجات ومواد صناعية.
وحول طريقة صناعة «تدوير البلاستيك»، قال نزيه: «إعادة تدوير البلاستيك يتم على عدة مراحل، أولاها التجميع، وتعد هذه المرحلة الأكثر صعوبة، لذلك لا يستطيع أي صنايعي القيام بها إلا من يمتلك فريق من «السريحة»، وتبدأ بتجميع الأكياس وزجاجات البلاسيتك من الشوارع بالتنبيش عنها في المخلفات، ثم تأتى المرحلة الثانية، وهي التقطيع بعد التأكد من كمية الخليط، ووضع الخليط على حوائط صلبة لتقطيعه إلى قطع صغيرة، وبعدها نبدأ فى مرحلة التنظيف وتصنيف الخليط قبل التعبئة».
وبحسب الخبراء، مصر تستهلك 12 مليار كيس بلاستيك فى العام الواحد، تكلف تقريبا حوالي 2.5 مليار جنيه غالبهم بالعملة الصعبة، لأننا نقوم باستيراد المواد الخام المصنعة لتلك الأكياس البلاستيك، ما يعنى أن هناك ما قيمته 2 مليار جنيه ونصف وما يعادلها من العملة الصعبة يتم إلقاءها فى القمامة فى النهاية.
للجانب النسائي نصيب كبير من العمل فى إعادة تدوير البلاستيك، غادة السيد، تشتري من «السريحة» 100 كيلو أكياس وزجاجات بلاستيك يوميا، بسعر 2 جنيه للكيلو، تقوم بتجمعها داخل أحد المخازن المستأجرة بمنطقة القليوبية، دورها توريد 3 أطنان من البلاستيك إلى صنايعية التقطيع، وهي المرحلة الأولى في التصنيع، وقالت: «بكسب 50 قرشا في الكيلو، وأنتظر نهاية الشهر لتوريد الكميات على التجار، وينتهي الشغل بانتهاء التوريد كل شهر».
وتقدر نسبة المخلفات البلدية في مصر بحوالي 970000 ألف طن سنوياً، وتقدر نسبة البلاستيك بحوالي 6% من إجمالي المخلفات الصلبة.
وحذر الإعلامي عمرو أديب، من استخدام الأكياس البلاستيكية، قائلا: «الكيس البلاستيك هيودي العالم في داهية».
وأشار «أديب»، خلال حلقة برنامجه المذاع عبر فضائية «إم بي سي مصر»، الأسبوع الماضي، إلى أن الكيس البلاستيك عبارة عن كارثة، مطالبا المصريين بالتوقف نهائيا عن استخدام الأكياس البلاستيكية، قائلا: «حياتنا في خطر».
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه بحلول عام 2019 فسيحظر استخدام الأكياس البلاستيكية على أرضه بشكل كامل، بعد ضرائب عدة فرضتها الدول عليها لرفع ثمنها، وجعل المواطنين يستخدمون «الحقائب متعددة الاستخدامات».
ووفقا لوكالة «رويترز»، في أغسطس الماضي، فرضت كينيا غرامة على استخدام الأكياس البلاستيكية، حدها الأدنى 19 ألف دولار وحدها الأقصى 38 ألف دولار، كما قد تصل عقوبة استخدام الأكياس البلاستيكية إلى السجن 4 سنوات.
ولا يتوقف الأمر عند الدول الأوربية والإفريقية، فلدينا مثال بالدول العربية السودان التى قررت قبل كينيا حظر استخدام الأكياس البلاستيكية، وكذلك المغرب التى حظرت الأكياس البلاستيكية فى عام 2016.
وبحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، كان أول دولة أقرت قانون الحظر لاستخدام البلاستيك، كانت الدنمارك عام 1993، والتى فرضت قانونا بدفع بدل نقدى للحصول على كيس بلاستيك، وهو ما قلل استهلاكها بنسبة 60%.
يقول عدد من الخبراء في مجال البيئة، إنه يموت كل عام أكثر من 100 ألف حوت بسبب البلاستيك، مشيرين إلى أن تصنيع نصف منتجات العالم من البلاستيك فى آسيا، مثل الصين وإندونيسيا وتايلاند والفلبين، وتعد ألمانيا هي الدولة رقم 1 فى العالم التى تعيد تدوير البلاستيك، حيث تقوم ألمانيا بتدوير حوالي 56٪ من إجمالي النفايات، وتأتي النمسا في المرتبة الثانية بنسبة 53٪، وأيضًا كوريا الجنوبية مع ويلز بنسبة 53٪، أما الولايات المتحدة ليست حتى في قائمة العشرة الأوائل.