بعد أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير، ومن قبلهما جنون البقر، جاءت عدوى الإصابة ببكتيريا «آى كولى» القاتلة التى أسفرت عن مقتل 18 شخصاً وإصابة نحو 2000 آخرين فى 10 دول أوروبية والولايات المتحدة، لتضع قيداً جديداً على الخضروات كأهم مصدر للغذاء فى العالم. وعلى الرغم من أن العلماء والخبراء يؤكدون أن المرض ينتقل للبشر عبر تناول الخضروات الملوثة خاصة الخيار والخس والطماطم والباذنجان، فإن السبب الرئيسى للعدوى لايزال مجهولاً، وألقت الأزمة بظلالها على القطاع الزراعى الأوروبى والنقل والتجارة، وتهدد بحرب تجارية بين الدول الأعضاء بعد الإجراءات الوقائية وحظر الاستيراد التى اتخذتها عدة دول.
بكتيريا «آى كولى» تسبب الالتهاب المعوى والفشل الكلوى.. والمتهم لايزال مجهولاً
تسبب بكتيريا «آى كولى» المعروفة علميا باسم «إى. إتش. إى. سى» التهابات معوية حادة لدى الإنسان، وهذا النوع من البكتيريا غير معروف، وتتواجد فى أمعاء الماشية كالأبقار والأغنام والماعز وفى بعض الحيوانات البرية، وعلى الرغم من كونها غير ضارة فإنها تتسبب فى أضرار صحية للإنسان، وتصل البكتيريا، التى تسهم فى عملية هضم الطعام فى أمعاء الحيوانات، إلى حليبها ولحومها، وقد تنتقل عن طريق سماد التربة الحيوانى إلى النباتات، وبالتالى تلوث الخضار والفواكه، وقد تكون المياه الملوثة سبباً فى نقل هذه البكتيريا للبشر، وبعد تبرئة الخيار الإسبانى اعتبر علماء أوروبيون أن مصدر البكتيريا لايزال غير معروف و«لغزاً» يسعون لحله.
تقول سوزانا جلاسماخار، الباحثة فى معهد روبرت كوخ فى برلين، إن العدوى بهذه البكتيريا عادة ما تكون مصحوبة بالإسهال والغثيان وإنها تنتج السموم، التى تتسبب فى تدمير الخلايا الدموية ومن ثم ينتج عنها مرض فقر الدم بسبب تدمير كرات الدم الحمراء ونقص الصفائح الدموية، وتؤدى إلى اضطرابات حادة يُطلق عليها اسم «متلازمة انحلال الدم اليوريمى»، وتتراكم الخلايا المدمَّرة فى الأوعية الدموية للكلى، بما يؤدى إلى حدوث فشل كلوى، والفشل الكلوى الحاد قد يؤدى إلى الوفاة، كما تسبب نزيفا فى الجهاز الهضمى، ونبَّه خبراء الصحة إلى أنه من الأعراض الدَّالة على الإصابة بهذه الجرثومة الإسهال ووجود الدم فى البراز والشعور بآلام فى الرأس والوجع الحاد فى البطن.
العلماء والخبراء فى مختلف أنحاء العالم منهمكون فى البحث عن سر البكتيريا الغامضة التى ظهرت أولا فى الخيار الإسبانى، وتفشت كالوباء، وحقق علماء صينيون وألمان إنجازا كبيرا حين كشفوا عن حل جانب من سر البكتيريا الغامضة، وقالوا إن السر يكمن فى أنها مزدوجة التركيب وبطريقة لم تُعرف حتى الآن وأنها تتكون من جذعين مختلفين تماما، وهو ما أدى إلى فشل المحاولات العلاجية التى كانت تتركز حتى الآن على جانب واحد من تركيبة البكتيريا المزدوجة باستخدام المضادات الحيوية. وأعلن العلماء فى معهد جينومكس فى الصين أن «آى كولى» سلالة جديدة من البكتيريا شديدة العدوى والسمية. وتؤدى سلالة بكتيريا «آى كولى» الجديدة إلى حدوث نزيف فى الجهاز الهضمى للمصاب وخلل فى وظائف الكلى فى الحالات الخطيرة.
وكشفت هيلدى كروزه، من منظمة الصحة العالمية، عن أن البكتيريا الجديدة تحمل على السطح تركيبة الفيروس النادر المعروف باسم «O104:H4»، إلا أن تركيبته الداخلية مختلفة حيث يتكون من مزيج نوعين من البكتيريا معاً من تلك المعروفة باسم Escherichia- coli-Bakteriums، وهو ما يفسر شراستها وعدم استجابتها للعلاج، مؤكدة أنها نوع غير معروف حتى الآن.
خطورة البكتيريا الجديدة أنها تفرز سموما داخل الأمعاء تؤدى إلى إسهال دموى وفشل كلوى واضطرابات عصبية وبالتالى وفاة المريض ، كما أنها لا تتجاوب كثيرا مع المضادات الحيوية، ورغم أن تطوير لقاح ضد البكتيريا الجديدة سيستغرق وقتا فإن اكتشاف سر تركيبتها المزدوجة سيساعد على سرعة تطوير علاج فعال فى المستقبل القريب، والوقاية الأساسية تبقى فى النظافة التامة وغسل الخضروات والفواكه التى تؤكل نيئة بشكل جيد. وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية أبالوك باتياسيفى «إن هذه السلالة من البكتيريا لم يعثر عليها خلال تفشى الوباء فى الماضى».
وأفاد باحثون فى ألمانيا بأن العينات الأولية بعد الفحص الوراثى أثبتت أن هذه البكتيريا فريدة من نوعها، وتحتوى على جينات من نوعين مختلفين من بكتيريا «آى كولى»، وقد ذهب الأمر بأحد الباحثين الألمان فى مجال علم ميكروبولوجيا الخلية، البروفيسور ألكسندر كيكولى، إلى حد الاعتقاد بوجود «مخطط إرهابى» وراء انتشار البكتيريا المذكورة فى ألمانيا.
وقال البروفيسور بول ويجلى، الباحث فى الأمراض المتنقلة فى جامعة ليفربول، إنه «فيما يبدو أن بكتيريا ضارة أصيبت بعدوى سامة من بكتيريا أكثر ضررا، ما أحدث ضررا نتج عنه هذه البكتيريا الخطيرة». وأضاف: «هذه البكتيريا تنتج نوعين من المادة السامة تؤدى إلى إسهال دموى وتضر أنسجة الجسم والكلى بشدة».
ويواجه الأطباء الألمان لدى علاج حالات الإصابة بعدوى بكتيريا «إى. إتش. إى. سى» مشكلتين، الأولى تتمثل فى عدم تمكنهم من التمييز بين البكتيريا المعوية المفيدة للإنسان والبكتيريا المعوية الضارة. والمشكلة الثانية تتعلق بعدم إمكانية معالجة هذا الحالات بالمضادات الحيوية،
وقالت سوزانا: عند محاولتنا تدمير البكتيريا الضارة بالمضادات الحيوية تزداد كمية السموم التى تفرزها البكتيريا وتشتد أعراض المرض، لذا فالمضادات الحيوية تؤدى إلى نتائج عكسية تماماً، ولا يمكن أن تكون المضادات الحيوية خياراً فى علاج بكتيريا «إى. إتش. إى. سى»، خاصة فى المراحل المتقدمة للإصابة، خوفاً من أن يؤدى موت البكتيريا إلى إطلاق مواد سامة داخل الجسم مما يزيد من تفاقم المرض، ولذلك يسعى الأطباء إلى تخفيف أعراض المرض بحقن المرضى بالمحاليل لتعويض السوائل التى يفقدونها بسبب الإسهال أو بإجراء الغسيل الكلوى لتنقية دماء المرضى، لمنع تلف الكلى لديهم، ولا يعرف الأطباء حتى الآن سبب العدوى، لكنهم يشتبهون فى أن يكون السبب هو استخدام بعض أنواع السماد الحيوانى فى التربة التى ينمو فيها الخضار، أو عدم غسل الخضار جيدا، كما يشتبهون فى أن يكون لأكل اللحوم النيئة وشرب الحليب الخام والمياه الملوثة دور فى نقل العدوى.
وتوصى سوزانا جلاسماخار بالنظافة الصارمة وضرورة غسل الخضروات قبل أكلها للوقاية أو تعقيم السكاكين والأدوات المستخدمة فى تناول الطعام وطهيه جيدا أو تسخينها جيدا قبل تناول الأطعمة لمدة 10 دقائق بحرارة 70 درجة مئوية، لأن ذلك يساعد على قتل البكتيريا سواء للخضروات أو اللحوم.
ففى عام 1996 لوثت المياه الجارية فى اليابان الفجل بالبكتيريا وسجلت 9000 إصابة و9 وفيات فقط، كما ضرب الوباء الولايات المتحدة أكثر من مرة خاصة ولاية واشنطن عام 1993 بسبب اللحمة المفرومة غير المشوية بشكل كامل وعدم احترام سلسلة التجليد، وولاية انتاريو فى 2000 بسبب تلوث مياه الشرب بعد فيضانات كبيرة. كما ضرب الوباء فرنسا مرتين فى 2005 الأولى فى جنوب غرب البلاد، والمسؤول كان اللحمة المفرومة غير المشوية.
ومن جانبه، قال خبير التغذية السعودى، الدكتور عبدالله السدحان: «إن بعض سلالات البكتيريا المعوية القاتلة التى تفشت فى أوروبا موجودة منذ سنوات فى السعودية، وهى السبب الرئيسى لأمراض الفشل الكلوى، وبعض حالات الوفاة الفجائية».
وتصيب بكتيريا الخيار النساء أكثر، وهو من الأمور الغريبة المحيطة بوباء النوع القاتل من بكتيريا «آى كولى».
إجرءات صارمة فى أوروبا لمواجهة الأزمة
سيطرت حالة من الذعر على القارة الأوروبية ودول أخرى فى العالم بعد انتشار بكتيريا «آى كولى» القاتلة التى تسببت فى وفاة 18شخصا وإصابة نحو 2000 حالة، بعد انتشار البكتيريا فى نحو 10 دول أوروبية وظهور 3حالات فى الولايات المتحدة ، وبينما تبدو أزمة انتشار «الخيار الملوث» فى أوروبا قضية صحية بامتياز، لكن أبعادها تتجاوز حدود الصحة لتطال الاقتصاد الأوروبى وتعمق الشرخ الاقتصادى بين دول منطقة اليورو بعد مقاطعة العديد من الدول الأوروبية استيراد الخضروات وبخاصة الخيار من الدول الموبوءة، بما يهدد بحرب اقتصادية أوروبية بسبب تضرر القطاع الزراعى والمنتجين وحركة نقل البضائع.
فبعد 17وفاة فى ألمانيا وحالة أخرى فى السويد وتسجيل مئات الإصابات المؤكدة والمئات من الحالات المشتبه فيها، انتشر المرض فى 7 دول أوروبية أخرى وهى النمسا وبريطانيا والدنمارك وفرنسا وهولندا وسويسرا، وإسبانيا، بينما تم تسجيل 3 حالات أخرى فى الولايات المتحدة بما يهدد بمزيد من الانتشار عالميا، فى الوقت الذى سجلت فيه غالبية الإصابات من أشخاص كانوا زاروا ألمانيا بما يعنى قابلية انتقال المرض عبر اللمس وتأثير الأزمة إلى شركات الطيران والسياحة عبر القارة الأوروبية.
واتخذت العديد من الدول الأوروبية ومنها فرنسا وسويسرا والنمسا والتشيك وهولندا إجراءات وقائية لتفادى انتقال العدوى إلى أراضيها ، بعد أن أعلنت روسيا فرض حظر على استيراد الخضروات الأوروبية ، وأكدت أنها ستسحب الخيار المستورد من أوروبا من متاجرها، فيما طالبها الاتحاد الأوروبى بإعادة النظر فى قرارها الذى اتبعته دول أخرى فى المنطقة العربية ومنها الإمارات، وأمرت وكالة سلامة الغذاء النمساوية بسحب الخيار والطماطم والباذنجان العضوى.