واصل محتجو «السترات الصفراء» في فرنسا احتجاجاتهم، للأسبوع التاسع على التوالى، رفضاً للغلاء وارتفاع الأسعار وسياسة الحكومة والضرائب على الوقود، ورغم التنازلات التي أقدم عليها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فإن المحتجين يبدو أنهم لن ينهوا مظاهراتهم التي تشل مظاهر الحياة الفرنسية، بينما يأمل «ماكرون» في إنهاء الاحتجاجات على غرار تجربة الملك الراحل لويس السادس عشر، بدعوته إلى الحوار الوطنى المقرر انطلاقه غداً الثلاثاء كرهان لمواجهة أكبر أزمة تواجهها فرنسا بعد الثورة الفرنسية.
ففى عام 1789، استدعى ملك فرنسا لويس السادس عشر قيادات الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين وبعض المواطنين لبحث سبل سد العجز في مالية المملكة وكبح الاستياء الشعبى النابع من النظام الإقطاعى، وكانت تلك بداية الثورة الفرنسية، وخلال شهور أصبح بلا حول ولا قوة، وبعد 4 أعوام أُعدم بالمقصلة.
وبعد مرور قرنين، يدعو «ماكرون»، الذي كثيراً ما يواجه انتقادات بسبب تصرفات تشبه تصرفات الملوك، إلى نقاش وطنى لتهدئة محتجى «السترات الصفراء»، الذين ينظمون احتجاجات منذ أكثر من شهرين في باريس، هزت إدارته، وسيطلق «ماكرون» مبادرة «الحوار الموسع»، غداً الثلاثاء، وكما كان الحال خلال حكم الملك لويس السادس عشر، يسجل الفرنسيون شكاواهم في «دفاتر التظلمات»، التي فتحها رؤساء البلدية في 5 آلاف بلدية.
ودعا «ماكرون» الفرنسيين إلى اغتنام «هذه الفرصة الكبيرة جداً»، وجعلت السلطات من هذا الأمر أولوية، وتعتبره بوابة خروج من الأزمة الاجتماعية، وفرصة لإمكان استعادة زمام المبادرة سياسياً، لكن التحدى يبدو كبيراً، إذ أفاد استطلاع للمعهد الفرنسى للبحوث السياسية بأن انعدام الثقة في المؤسسات السياسية في فرنسا، خصوصاً «ماكرون»، بلغ أعلى مستوى له.
وسيركز الحوار على 4 قضايا، هي الضرائب والطاقة الخضراء والإصلاح الدستورى والمواطنة، وستجرى المناقشات عبر الإنترنت وفى قاعات البلدية، إلا أن مسؤولين قالوا إنه لن يحدث تغيير على مسار الإصلاحات التي أعلنها «ماكرون»، والتى تهدف إلى تحرير الاقتصاد.
وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، بنجامين جريفو، لقناة «بى. إف. إم» التليفزيونية: «الحوار ليس فرصة لكى يفرغ الناس إحباطاتهم، ولا لكى نشكك فيما حققناه خلال الـ18 شهراً الماضية، نحن لا نعيد الانتخابات من جديد».
وقال المؤرخ ستيفان سيرو، من جامعة سيرجى بونتواز، لصحيفة «لو باريزيان»، إنه بوضع حدود للبنود التي سيجرى بحثها، يخاطر «ماكرون» بارتكاب الخطأ نفسه الذي حكم على الملكية بالفشل.
وتسود مخاوف بأن المشاركة الضعيفة في الحوار الوطنى يمكن أن تقوض التجربة، وذكر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «إيلاب» أن 40% فقط من المواطنين يعتزمون المشاركة في الحوار، وتستعد فرنسا لمزيد من الاحتجاجات في الشوارع، وربما أعمال شغب، لكن مع استمرار المظاهرات لم يتضح بعد ما إذا كانت «السترات الصفراء» ستتحول إلى قوة سياسية أم ستتلاشى بسبب خلافاتها الداخلية، ورغم أن «السترات الصفراء» بلا زعيم، فإنها شبيهة بحركتى «5- نجوم» في إيطاليا و«إنديجنادوس» في إسبانيا، والتى تسعى لقلب النظام السياسى التقليدى في أوروبا.
ويستمد أصحاب «السترات الصفراء» اسمهم من السترات التي يرتدونها عند الحواجز على الطرق وفى الشارع، وينبغ غضبهم من الضغوط على دخولهم والاعتقاد بأن «ماكرون» لا يكترث بمشاكلهم، ويحابى الأغنياء، وتندد الطبقات الشعبية والوسطى بالسياسة الضريبية والاجتماعية للحكومة، التي يعتبرونها ظالمة ويطالبون بتحسين قدرتهم الشرائية، ولم يأبه المحتجون بالتنازلات التي أعلنها «ماكرون» في محاولة لتهدئة الأزمة.
ويطالب أصحاب «السترات الصفراء» بحق الدعوة إلى إجراء استفتاءات عبر التماسات جماعية، ولم يرفض وزراء كبار الفكرة، ووصف رئيس الوزراء، إدوار فيليب، الاستفتاءات التي تجرى بطلب من المواطنين بأنها «أداة مفيدة في الديمقراطية»، إلا أنه قال إن استخدامها يجب أن يكون محدوداً، والفكرة الأكثر ترجيحاً هي التي يروج لها الحزب الحاكم والحكومة بإجراء حوار وطنى يليه استفتاء على عدد من الأسئلة بدلاً من مجرد التصويت بالموافقة أو الرفض.
وفى الأسبوع التاسع للاحتجاجات، شارك فيها 84 ألف شخص في باريس وكبرى المدن الفرنسية، واندلعت مواجهات بعد ظهر أمس الأول، خصوصاً في باريس، بين قوات الأمن و«السترات الصفراء»، وفى الأسبوع الثامن، تظاهر 34 ألفاً فقط، ما يعنى أن حركة «السترات الصفراء» تكتسب المزيد من الزخم والدعم، وتصر على تحقيق مطالبها ومواصلة ضغوطها على «ماكرون» وحكومته، وذلك رغم الحشد الأمنى القوى الذي تستعين به الحكومة لمواجهة أعمال الشغب والاعتقالات في صفوف المحتجين في باريس والمدن الكبرى.