x

أمن البحرين الأحمر والمتوسط: زيادة الدور العربى مقابل تركيا وإيران

الإثنين 31-12-2018 21:27 | كتب: اخبار |
حاملة الطائرات ميسترال حاملة الطائرات ميسترال تصوير : اخبار

تصب التوقعات حول أمن البحرين الأحمر والمتوسط (تحديدًا شرقه)، فى عام 2019، فى اتجاه استمرار حالة الحراك المرن، والتفاعلات بين القوى المؤثرة فى كلٍّ منهما، وذلك لتشكيل ترتيبات أمنية مستقرة تعكس واقع توازنات القوى فى المنطقتين اللتين تمثلان نُظُمًا إقليمية فرعية فى الشرق الأوسط.

ذلك أن تصاعد الأهمية الاستراتيجية للمنطقتين للفاعلين الدوليين والإقليميين، وخاصة مصر، كمجالين حيويين لتكريس قوتها الإقليمية- يرهن تلك الترتيبات بمدى التوافق بين أولئك الفاعلين، وقدرة أى منهم على فرض مصالحه، وتشكيل التحالفات لإقرار واقع جديد لتوازن القوى فى المنطقة المعنية. وإن كان المتوقع بشكل عام فى العام الجديد أن يزداد دور الدول العربية فى التأثير على ترتيبات الأمن فى البحرين الأحمر والمتوسط على حساب قوى إقليمية كتركيا وإيران.

وتبدو خرائط التعاون والتنافس فى المنطقتين سائلة وقيد التشكل إلى حدٍّ كبير؛ إذ تتقارب الدول العربية فى مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران فى البحر الأحمر. لكن فى المقابل، تتلاقى مصالح مصر والأردن مع إسرائيل والدول الغربية فى مواجهة تركيا فى البحر المتوسط، مع مساعٍ أخرى للتنسيق مع روسيا والولايات المتحدة، كونهما القوتين الدوليتين الأكثر حضورًا فى المنطقة، بينما تنتظر الصين استقرار الأوضاع فى كلا الإقليمين لتعزيز مصالحها الاقتصادية.

أمن البحر الأحمر

من المتوقع ألا تكتمل الترتيبات الأمنية فى البحر الأحمر الذى يربط دولًا عربية وشرق أوسطية وأفريقية، دون الأخذ فى الاعتبار ديناميات التعاون والصراع فى القرن الأفريقى والقضية الفلسطينية، فإسرائيل تُعد إحدى الدول المتشاطئة فى البحر الأحمر. وعليه، يمكن الإشارة إلى أن ترتيبات الأمن فى المنطقة خلال عام 2019 ستتأثر بعدة محدِّدات أساسية، هى:

أولًا- تعارض أهداف التحالفات الإقليمية: إذ يُتوقع أن يشهد عام 2019 نشوء تعارض بين أهداف ومصالح تحالفات متشابكة مع ترتيبات الأمن فى منطقة البحر الأحمر. فمن جهة، انطلقت مبادرة لتشكيل مجلس الدول العربية لأمن البحر الأحمر وخليج عدن فى أواخر 2018. ومن جهة أخرى، يُتوقع أن تدفع الولايات المتحدة خلال العام الجديد بتحالف استراتيجى آخر بينها وبين كلٍّ من دول الخليج الست ومصر والأردن.

ومع استبعاد إسرائيل من التحالف العربى الأول، فإن ثمة توقعات بنشوء ضغوطات عليه، سواء من قبل تل أبيب أو واشنطن، مما قد يمثل عائقًا أمام تفعيل مجلس الدول العربية لأمن البحر الأحمر وخليج عدن فى عام 2019. لكن فى المقابل، فليس متوقعًا تنفيذ التحالف الاستراتيجى الذى تسعى إليه الولايات المتحدة، لاعتراض الدول العربية عليه.

ثانيًا- مدى استمرار توافقات القرن الأفريقى: إذ من المتوقع أن تواجه التحولات التى قادتها إثيوبيا -فى ظل قيادة رئيس الوزراء آبى أحمد- لبناء توافقات مع جيرانها فى القرن الأفريقى، محاولات لعرقلتها فى عام 2019، خاصة من قبل تركيا وقطر، وذلك لمواجهة المحور السعودى- الإماراتى فى المنطقة، وإن كان ذلك التوقع يرتهن بعوامل أخرى قد تحدّ منه أو تبطئ إيقاع ذلك الصراع الإقليمى على استقطاب دول القرن الأفريقى، حال أخذت التسوية السياسية فى اليمن مسارًا أكثر فعالية خلال العام الجديد، أو استجابت الدوحة لمطالب دول المقاطعة العربية. على جانب آخر، قد تحظى كل من إريتريا وجيبوتى بحضور أكبر فى الترتيبات الأمنية فى البحر الأحمر مقارنة بإثيوبيا خلال عام 2019.

ثالثًا- ترتيبات أمن الخليج العربى: حيث يحمل عام 2019 تحديات لأمن الخليج العربى بسبب ارتفاع حدة التهديدات التى ترتبط - فى أبعاد منها- بأمن البحر الأحمر. ومع ذلك تبقى هنالك فرص خلال العام القادم، فى ظل احتمال البدء بتنفيذ مشروع نيوم بين السعودية ومصر والأردن، مما قد يوفر مصالح استراتيجية واقتصادية لتلك الدول لدعم شراكاتها فى البحر الأحمر. وتزداد تلك الفرص فى دعم ترتيبات عربية فى البحر الأحمر، إذا استجابت قطر لمطالب المقاطعة الرباعية العربية لها، وأخذت التسوية اليمنية مسارات أكثر تقدمًا، لا سيما وأن ذلك قد يعنى قضية إعادة إعمار هذا البلد، كساحة يمكن أن تشهد توافقات عربية ودولية.

رابعًا- حدود الاستقرار فى قطاع غزة: قد يُلقى استقرار هذا القطاع بتأثيراته على أى ترتيبات أمنية لمنطقة البحر الأحمر، لكن من المتوقع أن يكون إحلال الاستقرار فى غزة صعب المنال فى 2019، خاصة فى ظل خطة أمريكية للسلام تُعرف إعلاميًّا بصفقة القرن قد تَلقى رفضًا من الفلسطينيين.

أمن شرق المتوسط

ترتبط ترتيبات وتحالفات الأمن فى منطقة شرق المتوسط فى عام 2019 بعدة محدِّدات تعاونية وصراعية فى آنٍ واحد، يمكن طرحها على النحو التالى:

أولًا- مآلات الصراع السورى: إذ إن استمرار ذلك الصراع، بما يشهده من تدخلات دولية متعددة ومتعارضة، يمثل أحد التهديدات لأية ترتيبات أمنية فى شرق المتوسط. لكن من المتوقع أن يتجه ذلك الصراع فى العام الجديد إلى التهدئة، دون تحقق تسوية كاملة له، بما قد يمثل تحديًا لاستقرار شرق المتوسط. إذ تزداد فرص القبول الداخلى والخارجى للنظام السورى، ما يعنى احتمال استمرار نمط التحالف السورى- الروسى- الإيرانى، مع تغير نسبى فى الدور التركى فى سوريا عبر اتجاهها إلى سياسة منفردة تصعيدية للسيطرة على شمال سوريا، مع معارضة كل الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى. وعلى الرغم من الابتعاد الظاهرى للولايات المتحدة عن سوريا بعد الإعلان عن بدء سحب القوات الأمريكية من هذا البلد؛ إلا أن ذلك- فى المقابل- يُنذر باعتماد واشنطن على أطراف أخرى أكثر قوة وتأثيرًا من الأكراد لصيانة مصالحها فى سوريا، سواء تركيا أو إسرائيل.

ثانيًا- اكتشافات ومشروعات الغاز: حيث تزداد فرص وجود ترتيبات أمنية تعاونية فى مجال الطاقة خلال عام 2019، خاصة بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل والاتحاد الأوروبى (خاصة إيطاليا)، وذلك لوجود مشروعات (الإمداد والتسييل)، وحقوق مشتركة فى مجال الغاز تتوافق عليها تلك الدول.

ثالثًا- احتمال التصعيد التركى: حيث من المتوقع أن تتجه أنقرة إلى استفزاز دول شرقى المتوسط خلال العام الجديد، لا سيما أن لديها احتقانًا لعدم قدرتها على تحقيق مخططها كمعبر أساسى للغاز إلى أوروبا، سواء من روسيا أو من شرق المتوسط. ويزداد الاحتقان بفعل أزمة الاقتصاد التركى، لذا ربما تتجه تركيا للتصعيد لأجل الحصول على مكاسب تعويضية. وقد يأخذ ذلك مستويين: الأول هو الضغط على قبرص، بهدف إثارة التوترات حول المشروعات الجديدة للحصول على مكتسبات جديدة تتجاوز مياهها الاقتصادية. والثانى هو التحرش العسكرى بسفن الشركات العاملة فى المنطقة للمساومة فى الحصول على دور فى مشروعات إمداد الغاز، سواء من خلال إسرائيل أو اليونان. وبرغم ذلك فمن المتوقع أيضًا ألا تستجيب القوى الفاعلة فى شرق المتوسط لذلك التصعيد التركى، لعدم اعتراف الدول الكبرى بدولة قبرص- التركية التى تَنْفُذُ أنقرة من خلالها للمنطقة، كما أن قبرص لم تتجاهل حقوق القبارصة الأتراك فى اتفاقياتها حول الغاز، ناهيك من وجود شركات أوروبية وأمريكية فى هذه المشروعات، بما يقيد أى تصعيد تركى.

اتجاهات متوقعة

على أساس تلك الاتجاهات التعاونية والصراعية المحتملة، فإن ثمة توقعات أساسية حول شرق المتوسط فى عام 2019:

1- زيادة الدور الإيطالى فى البحر المتوسط، ليس فقط من خلال مشروعات الغاز (خاصة عبر شركة إينى)، ولكن لكونها أيضًا بوابة أوروبا الجنوبية لدخول الغاز، بما يزيد من تأثيرها فى الجهود الأوروبية للحد من الاعتماد على الغاز الروسى.

2- احتمال اتجاه إسرائيل إلى توفير بيئة أمنية مستقرة، لتتناسب مع مشروعاتها لبناء بنية تحتية تناسب قطاع الطاقة (وهذا الغرض يزيد من استثماراتها مع الشركات الصينية)، وقد ينعكس هذا الهدف فى تسوية وضع الفلسطينيين، وإضعاف حزب الله.

3- احتمال تهدئة الوضع نسبيًّا فى سوريا، حيث قد يسمح ذلك بوضع هذا البلد على خريطة اكتشافات الغاز بشرقى المتوسط من جهة، ويوفر فرصة أوسع لروسيا-كفاعل محورى فى سوريا- للتأثير فى ملف الطاقة، ويحد من تحفظها على المشروعات الأخرى المتجهة لأوروبا، من جهة ثانية.

4- صعود مصر كلاعب إقليمى فى مجال الطاقة، خاصة فى شرق المتوسط، وإن كان التحدى الأكبر أمامها هو تأمين إمدادات الغاز الطبيعى إليها والغاز المسال منها إلى مناطق الاستهلاك، سواء إسرائيل أو أوروبا. ويتطلب ذلك سياسة مرنة لإدارة مصالحها، من قبيل: عدم الاستجابة للاستفزازات التركية، وزيادة القدرات الدفاعية، إضافة إلى الاستمرار فى سياسة ترسيم الحدود البحرية المصرية مع كل الأطراف المعنية فى شرق المتوسط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية