x

أيمن الجندي ماما ما تعملش كده أيمن الجندي الأحد 30-12-2018 21:58


ما زلنا مع والدة جلال أمين التى ربطت علاقة عاطفية طاهرة بينها وبين ابن خالها. هى كانت يتيمة، ولذلك كان خالها يكفلها. المشكلة أن ابن خال آخر أحبها، وتعاهدا على الزواج، لكن خالها رفضه فى قسوة متعللا بفقره، والحقيقة أنه لم يكن يرغب فى أن تتزوج البنت اليتيمة قبل بناته.

حينما قيل له إن الفتى لا يملك المهر، ولكنه مستعد لدفعه بالتقسيط رد ساخرا بأن ابنة أخته ليست ماكينة خياطة!

كان وقع ذلك مروّعا على القلوب البريئة؛ إذ تحطم قلب الفتى، ورقد مريضًا من شدة الحزن، وكتب لها رسالة حفظها جلال أمين من كثرة ترديد أمه لها: «وبالاختصار فإنى مريض. لا نوم ولا أكل، وجميع جسدى يوجعنى. فإن كان لنا عمر تقابلنا، وإن لم يكن فعليك منى ألف سلام».

يقول جلال أمين إن هذه الحكاية المؤثرة كانت تبدو وقتها مجرد قصة مسلية، وكأنها حدثت قبل التاريخ حينما كانت أمه فتاة صغيرة جميلة قادرة على إثارة الشعور بالحب، فإذا به يكتشف أن الأمر كان جدّا، ويحمل طابعًا مأساويًا. والدليل أنه بعد وفاة والده بعامين مات ابن هذا الرجل (ابن خالها)، وحرصت الأم على تعزيته فى تأثر حقيقى.

بعد شهور قليلة جاء الرجل ليشكرها على قيامها بالعزاء، وجلسا معًا فى شرفة الفيلا يتبادلان الحديث. رجل مهيب الطلعة، فارع الطول، أناقتة واضحة. وقتها بدا له اللقاء كأنه نهاية مؤثرة لقصة حب ظل مكتومًا ومحرومًا من التعبير عن نفسه لعشرات السنين. ثم مات ابن خالها فانتابها حزن عميق قبل أن تمرض المرض الذى أودى بحياتها.

■ ■ ■

هذا هو كل ما كتبه جلال أمين عن والدته، وجلب له لعنات القارئة الغاضبة. كان زوجها قليل الكلام لا يعرف المرح. وتزوجها دون أن يراها، فليس هناك حب ولا تفضيل لها عن سواها. بينما يوجد على قيد الحياة قلب ينبض بحبها ولا يتمنى سواها. لا غرابة فى أن تبقى هذه الذكرى فى أعماق فؤادها فى أعز ركن وأكرم مكان.

قصة إنسانية مؤثرة، لا يوجد فيها أى شىء مشين ولا معنى على الإطلاق لتلميح القارئة الغاضبة عن فتح باب حجرة نومه، لأنه لم يفتح باب حجرة نوم والديه ولا حتى اقترب منها.

الحكاية الحقيقية أننا نحن- المصريين- أنانيون، ونرفض الاعتراف بأن الأم امرأة لها قلب يحب ويخفق. وكم من أرملة لا تجرؤ على الزواج، لأن أبناءها يحرمون من حقها الطبيعى فى الأنس والدفء والمشاركة.

■ ■ ■

تعودنا أن نخلق عالمًا وهميًا من صنع أمانينا، فإذا خدش أحدنا هذا العالم الافتراضى صببنا عليه اللعنات.

الرجل كتب عن أمه بمنتهى الحب والعطف والفهم.

وبالتأكيد لا يستحق أن يُقال له «عليك اللعنة» بتلك الفظاظة القاسية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية