نجحت كبرى مستعمرات بريطانيا بعد انتهاء التواجد والنفوذ البريطانى بها فى أن تخلق لنفسها قوة صارت تنافس اليوم القوة الإمبريالية الأولى بالأمس، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التى شكلت أقدم مستعمرة لبريطانيا فى العالم، والتى استطاعت فى الوقت الراهن أن تتربع على عرش دول العالم كأكبر قوة اقتصادية، وهكذا الحال بالنسبة لمستعمرات كبرى أخرى، من بينها الهند وجنوب أفريقيا.
نجحت الولايات المتحدة بعد إعلان استقلالها عن بريطانيا فى أن تحقق أكبر قوة اقتصادية فى العالم، وأن تتربع على رأس قائمة كبرى الدول الصناعية، حيث ارتفع حجم الناتج المحلى لها إلى 20.4 تريليون دولار وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولى لعام 2018، والتى تُظهر ازدياد نمو الاقتصاد الأمريكى من 19.4 تريليون دولار العام السابق، وتجاوز حجم اقتصادها 25.1% من حجم الاقتصاد العالمى.
وسجلت الولايات المتحدة أعلى ناتج محلى إجمالى قارب 19 تريليون دولار خلال عام 2016، ويعتبر قطاع التصنيع أحد أهم القطاعات التى تدعم الاقتصاد الأمريكى، وتمثل السلع والمنتجات المصنعة نصف الصادرات الأمريكية، وأبرزها المنتجات البترولية المكررة والشاحنات الخفيفة، إلى جانب الطائرات والسيارات، وتتصدر الشركات الأمريكية، بالأخص العاملة فى التكنولوجيا، قائمة أكبر الشركات حجما من ناحية القيمة السوقية، وهى ألفابيت وأمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت.
وعلى صعيد الصناعات الدفاعية، حافظت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة على موقع الصدارة بين كبرى الدول المنتجة والمصدرة للسلاح والصناعات الدفاعية، حيث يوضح تقرير معهد ستوكهولم للسلام الذى صدر مؤخراً أن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول مع 42 شركة ارتفعت نسبة مبيعاتها 2 % إلى 226.6 مليار دولار، أى ما نسبته 57% من إجمالى مبيعات الشركات الـ 100 المدرجة على القائمة، وأن شركة لوكهيد مارتن ظلت فى الصدارة كأكبر شركة لصناعة الأسلحة فى 2017 مع مبيعات بلغت 44.9 مليار دولار، بحسب المعهد، بينما تراجعت بريطانيا إلى المركز الثالث كأكبر مصدر للأسلحة بإجمالى مبيعات بلغ 35.7 مليار دولار، لتأتى بعد روسيا التى انتزعت المركز الثانى فى القائمة التى كانت تحتلها بريطانيا منذ 2002.
لذلك فالولايـات المتحـدة الأمريكيـة بقـدرة عسـكرية ضـخمة لا يمكـن مقارنتهـا بأى دولة أخرى، مما مهد لها الاحتفاظ بمركز مؤثر فى السياسة الدولية.
أما الهند التى رزحت هى الأخرى تحت الاستعمار البريطانى، فصارت اليوم تخطو خطوات واثبة على صعيد التقدم الاقتصادى، وتفوقت خلال العام الحالى من الناحية الاقتصادية على أربعة اقتصادات كبيرة لتأمين موقعها كسادس أكبر اقتصاد على العالم، متجاوزة فرنسا، حسبما يوضح براكريتى جوبتا، فى صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، مشيراً إلى ترجيح البنك الدولى مؤخرا أن تتفوق الهند على المملكة المتحدة، على الصعيد الاقتصادى، بحلول نهاية العام الجارى، إذا ما استمر معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى على منواله الحالى بواقع 7%.. هذا فضلاً عن مساعى الهند الرامية للوصول إلى المركز الثالث كأكبر اقتصاد عالمى بحلول عام 2030 مع وصول قيمة الناتج المحلى الإجمالى إلى 10 تريليونات دولار، حسبما صرح وزير الشؤون الاقتصادية الهندى، سوبهاش تشاندرا جارج، ما يعنى أن الهند تسعى لتجاوز مرتبة كل من المملكة المتحدة، واليابان، وألمانيا بحلول عام 2030، لتصبح فى المرتبة اللاحقة لكل من الولايات المتحدة والصين فقط.
وإلى جانب الولايات المتحدة والهند، نجحت الصين أيضاً- التى تمكنت بريطانيا من إخضاع هونج كونج، إحدى المنطقتين الإداريتين التابعة لها قديماً وتحويلها إلى مستعمرة بريطانيا- اليوم فى أن تصبح ثانى أقوى اقتصادات العالم. بدأت الصين إصلاحاتها الاقتصادية فى عهد الرئيس الراحل دينج شياو بينج عام 1978، لتصبح أسرع الاقتصادات نموا فى العالم، واستمرت على مدى عقد كامل عند نسبة نمو 10% سنويا، منتشلة أكثر من 800 مليون نسمة من الفقر، وخلال العقدين الماضيين، بلغ متوسط النمو السنوى لإجمالى الناتج المحلى الحقيقى الصينى 9.9%، ما حوّل اقتصاد الصين إلى أحد المحرّكات الرئيسية للنمو العالمى بعدما كان اقتصاداً هامشياً، بحسب مجلة «ناتو».. وبين عامى 2000 و2009، نمت مساهمة اقتصاد الصين فى إجمالى الناتج العالمى من 3.7% إلى 8.1%.
وكشف تقرير أعده المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن عن ورود 7 شركات صينية مصنعة للسلاح ضمن أكبر 20 شركة للمنتجات الدفاعية على مستوى العالم، وجاءت شركة «تشاينا ساوث إنداستريز جروب» على رأس الشركات الصينية، حيث جاءت فى المركز الخامس عالمياً فى قائمة الشركات العالمية الأكبر من حيث حجم الإيرادات، إذ بلغ حجم مبيعاتها من الأسلحة عام 2016 حوالى 22 مليار دولار أمريكى، لتظهر الصين بذلك تفوقاً على صعيد التصنيع الدفاعى وسط كبرى الدول المصنعة للسلاح، ومن بينها بريطانيا.