رأى الكاتب البريطاني جدعون راخمن أن احتجاجات أصحاب السترات الصفراء المشتعلة الآن في فرنسا تظهر أن قيادة هذا البلد تبدو «مهمة مستحيلة».
واستبعد راخمن، في مقاله بصحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن يتم التوصل إلى حل للتناقض الفرنسي الذي تعكسه مطالبة المحتجين بخفض قيمة الضرائب مع تحسين مستوى الخدمات العامة في ذات الوقت.
ورأى الكاتب أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو شخصية «مثيرة للانقسام» شأنه في ذلك شأن معظم الساسة المهمين؛ ومن هنا استغل كارهوه ما تشهده باريس من اضطراب لتوجيه أصابع الاتهام إليه كقائد معيب ومنفصل ومتغطرس يدفع بأجندة بالية حول الليبرالية الجديدة، وعلى الجانب الآخر يصر محبوه على أن زعيمهم يمكنه اجتياز مشكلاته الراهنة والبقاء كرئيس قادر على التغيير.
ونبه صاحب المقال إلى أن اعتقاد كلا الفريقين غير كاف للإقناع التام؛ فماكرون وإن كان مثيرا للإعجاب، لا سيما في وقوفه على الحاجة إلى إدخال إصلاحات على الاقتصاد الفرنسي وفي جرأته على تعبيد الطريق إلى النزعة الدولية العالمية، إلا أن ثمة حقيقة قاتمة هي أن احتجاجات أصحاب السترات الصفراء قد أضرّته بشدة وأجبرت حكومته على تغيير مسار سياستها.
ورجح الكاتب أن تكون أحداث الأسبوع المنصرم بمثابة نقطة تحوّل كفيلة بتحجيم رئاسة ماكرون والحيلولة بينه وبين الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه من قبل.
ونوه عن أن أجندة ماكرون تضم ثلاثة محاور رئيسية هي: إصلاح اقتصادي داخلي؛ وتكامل أوروبي أكثر عمقا؛ وحوكمة عالمية، والثلاثة محاور مترابطة وتعتمد على بعضها البعض.
الفكرة، بحسب الكاتب، هي أنه لو استطاع ماكرون إظهار قدرته على تغيير فرنسا، فلسوف يُقنع بذلك ألمانيا على الإقدام على خطوات حاسمة صوب حكومة اقتصادية أوروبية؛ ومن شأن إصلاح وتقوية الاتحاد الأوروبي أن يُعزز جبهات مقاومة القوى القومية «الشعبوية» المرئية بوضوح من واشنطن وحتى بكين؛ وإذا ما تعرقلت أجندة ماكرون المحلية، فإن أجندته الدولية تكون إذن مرشحة للفشل – وهذا هو بالضبط ما يحدث الآن.
وحذر صاحب المقال من إمكانية استمرار الاحتجاجات والعنف الذي تشهده فرنسا لأشهر مقبلة فيما ينذر بأزمة يطول مداها؛ وحتى حال هدوء الأوضاع في المدن الفرنسية على نحو سريع، فإن ثمة شبحا باتت تضح ملامحه على نحو متزايد في أنْ يعقُب ماكرون رئيسٌ من أقصى اليسار أو أقصى اليمين.
ونبه الكاتب إلى أنه وفي ظل تلك التطورات الجارية في فرنسا، فإن ألمانيا بدورها غير مرشحة إلى تنفيذ ذلك النوع من الإصلاحات الطموحة بالاتحاد الأوروبي والتي خططّ لها ماكرون.
وعلى الصعيد العالمي، لفت الكاتب إلى أن ماكرون كان قد نصّب نفسه نقيضًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومتحدثًا باسم التعاون الدولي منتقدا النزعات القومية الشعبوية أكثر من مرة.
ورصد الكاتب في هذا الصدد تغريد الرئيس الأمريكي ترامب على صفحته على تويتر معلقا على الأحداث في فرنسا شامتًا في ماكرون: «تظاهرات وأحداث شغب تعمّ أرجاء فرنسا حيث الجموع الغفيرة تُنشد مرددة: نريد ترامب».
ورأى الكاتب أن ترامب محظوظ كونه في البيت الأبيض وليس في قصر الإليزيه؛ ذلك أن قيادة فرنسا تبدو على نحو متزايد مهمة مستحيلة؛ وقد انتهى الأمر برؤساء متعاقبين ذوي وجهات وأساليب مختلفة إلى ازدراء الجماهير.
واختتم راخمن قائلا «لو كان ماكرون استطاع كسْر هذه الدائرة الكئيبة، إذن لارتفعت مصداقيته عالميًا إلى آفاق بعيدة، ولاستطاع أن يغدو بطلا عالميا ممثلا للقيم الليبرالية – وهو بطل يحتاجه العالم بشدة؛ أما الآن، فإن مهمة إنقاذ العالم تبدو مهمة صعبة الإنجاز على ماكرون، بل إنه يكون محظوظا لو استطاع إنقاذ رئاسته».