بعد اشتعال المشهد السياسى بين الثوار والمجلس العسكرى، والذى أسفرعن سقوط قتلى ومصابين ومزيد من فقد الثقة بين الطرفين- تساءل كثيرون عن موقف حكماء هذا البلد، الذين تجمعوا فيما يسمى المجلس الاستشارى، الذى انتخب لرئاسته منصور حسن، وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق، المشهود له بالموضوعية والحنكة والحكمة، لذا وجب لقاء منصور حسن لسؤاله عن تقييمه للمشهد ورأيه فى استقالة بعض أعضاء المجلس الاستشارى، بل رد فعله تجاه العنف، الذى شهدته البلاد فى اليومين الماضيين، حيث أكد لـ«المصرى اليوم» أنه لن يستقيل وسيصمد حتى النهاية لمواجهة الأزمات، وأشار إلى أن النخب السياسية لا تقوم بدورها المنوط بها من تصحيح أخطاء كل الأطراف دون مسايرة الجماهير بدعوى أن «الناس عايزة كده»، وناشد الشباب الابتعاد عن مواطن الخطر والبعد عن مواقع الجيش، لتجنب الاحتكاك واشتعال الأزمات، كما أنه نفى ما يتردد عن أن المجلس العسكرى يريد أن يأخذ مصر رهينة، وإلى نص الحوار:
■ ما تعليقك على الاستقالات المتعددة داخل المجلس الاستشارى، اعتراضًا على العنف ضد المتظاهرين أمام مجلس الوزراء؟
- أولا هناك مبالغات فيما يخص أسماء وعدد من استقالوا من المجلس، وفى رأيى أنه من حق كل عضو أن يستقيل أو أن يبقى كما يملى عليه ضميره، ولكننى أناشد السادة الأعضاء أنه إذا كانت المصلحة الشخصية ومحبة الجماهير تقتضيان الاستقالة، فإن مصلحة مصر تقتضى الثبات ومواجهة الأزمات والعمل على حلها، مصر تمر بمرحلة دقيقة، فلو أن كل شخص داخل المجلس الاستشارى استقال من منصبه فهذا يعنى انهيار مؤسسات الدولة بالكامل.
■ لكنه مجلس استشارى فى النهاية فكيف تسقط الدولة إذا ما استقال المجلس الاستشارى؟
- المجلس الاستشارى ليس مؤسسة دستورية مثل المؤسسات التشريعية والتنفيذية هو مجرد مجلس استشارى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أنه ليس فى مستوى المؤسسات الأخرى، إلا أنه أصبح مؤسسة سياسية، الاستقالة أوالخروج منه قد يكون بداية لانهيار المؤسسات الدستورية الأخرى، مثل مجلس الوزراء، فلنا أن نتخيل ما ستكون عليه الدولة لو قدم كل مسؤول استقالته، ثم من الذى سيستفيد من ذلك، ألا نستطيع أن نمضى الأشهر الستة التى تبقت من المرحلة الانتقالية فى هدوء وانضباط واستبشار بالمستقبل، هل يعقل أن نتحول إلى الجمهورية الجديدة عن طريق تحويل العاصمة إلى منطقة عشوائية وعداء مستمر بين المواطنين والمجلس العسكرى هذا لا يجوز على الإطلاق، «ثم لماذا كل هذا العنف، ولماذا الاستقالات، وما هى المطالب التى يريدون تحقيقها.«
■ المطلب الآن من وجهة نظر البعض هو «إسقاط حكم العسكر»؟
- بأى غرض يسقط حكم العسكر؟ هؤلاء هم من حموا الثورة ثم حكموا البلاد، بعدها أحسنوا وأخطأوا، أجادوا وأخفقوا، ونحن الآن فى مرحلة انتقالية ولم يبق فى هذه المرحلة إلا 6 أشهر على تسليم السلطة ونهاية الوضع وإقامة الجمهورية الجديدة، لذا هذا العنف من أى طرف غير مبرر على الإطلاق، ثم لو أننا أسقطنا حكم العسكر لمن سنسلم السلطة؟ الستة أشهر المتبقية ليست كافية لو قررنا انتخاب مجلس رئاسى، لذا علينا أن نصبر حتى انتهاء انتخابات مجلس الشعب ثم انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة لرئيس منتخب.
■ المجلس العسكرى بدأ بالعنف ضد المتظاهرين عندما فض اعتصام التحرير بالقوة؟
- لا أعرف ما الذى أشعل الشرارة الأولى ولكن أنا مبدئيا ضد استخدام العنف ضد المتظاهرين، ولكن أريد أن يقول لى أحد اسم دولة ديمقراطية فى العالم تسمح لمواطنيها بالاعتصام فى عرض الشوارع وإغلاق الميادين والمكاتب. حق التعبير عن الرأى بالاعتصام مكفول بالكامل ولكن دون الإضرار بمصالح الآخرين، ففى الخارج يقف المعتصمون على الرصيف ويقولون ما يريدون بحرية مطلقة، ولكن لو نزلت قدم متظاهر من على الرصيف يضرب بعنف وذلك يحدث فى إنجلترا وفرنسا وأمريكا وغيرها، فلماذا نعطى فى مصر حقوقا للمواطنين بإفساد الدولة وتعطيل المصالح.. هذه فوضى ولا ثورة.
■ ولكن كل الصور تؤكد سحل المواطنين من قبل الشرطة العسكرية هذا بخلاف شهداء سقطوا بالرصاص الحى فكيف تبرر ذلك؟
- أنا أستنكر بشدة أى عنف ضد المتظاهرين ولا نقبل ذلك على الإطلاق فهذا يعنى المساس بنا وبكرامتنا وتدمير الوطن بالكامل والعنف غير مبرر من قبل أى طرف.
■ ما رأيك فيما يتردد عن أن المجلس العسكرى افتعل الأزمة لتعطيل تسليم السلطة؟
- لا أوافق على هذا الرأى إطلاقا، بل مقتنع تماما أن المجلس العسكرى لا ينوى البقاء فى الحكم ولو لدقيقة إضافية وبالتالى لا توجد من ناحيته مؤامرات فهو يتمنى أن يترك السلطة الآن قبل غد.
■ ربما يخشى محاكمته بجريمة قتل المتظاهرين بعد استقرار النظام السياسى وتسليم السلطة؟
- كل هذه تهيؤات وكلام أناس تريد أن تقدم تحليلات سياسية، فهل يعقل أن يأخذ المجلس العسكرى مصر رهينة لأنه خائف من محاسبة أحد أعضائه إذا كان أخطأ.. هذا كلام غير منضبط وغير حقيقى.
■ وبماذا تفسر عدم إطفاء حريق المجمع العلمى رغم وجود المطافئ على مسافة قريبة بل وجود خراطيم مياه لتفرقة المتظاهرين حتى إن البعض قال إن المجمع احترق من الداخل لإلصاقه بالمتظاهرين؟
- هذا غير حقيقى وقد علمت من مصادر رسمية أن الجماهير التى كانت تواجه القوات المسلحة آنذاك رفضت أن تسمح للمطافئ بالدخول لإطفاء المجمع.
■ وبماذا تفسر مشاهد الشباب التى حاولت إنقاذ بعض الوثائق؟
- دائما يوجد شباب محترم ونيته جيدة ولا يرغب فى تدمير البلد بل يحافظ عليه ولكن للأسف الوضع يترتب على النتائج النهائية.
■ من التأييد المطلق للمجلس العسكرى فى بداية الثورة إلى المطالبة بإسقاط المجلس العسكرى كيف تقرأ هذا التحول؟
- حدثت فتنة بين الجماهير استجاب لها بعض العناصر غير المسؤولة، ومن رأيى أن انسحاب الشباب المحترم الذى قام بالثورة وتشتته فى أحزاب وتيارات مختلفة ترك الساحة والباب مفتوحا أمام شباب ليسوا من شباب الثورة ولا يستطيعون ضبط أفعالهم، وأنا أحذر من أن الإهانة والمساس بالقوات المسلحة خطر بالغ ويعنى أننا نهدم البلد.
■ البعض يتهم المجلس العسكرى بأنه هو الذى شتت وشرذم شباب الثورة باعتقال بعضهم واتهام 6 أبريل بتلقى تمويل خارجى وغيرها؟
- لا شك أن هناك أخطاء بين الجانبين، الشباب والمجلس العسكرى، لكن مصر من مصلحتها اليوم أن تضبط كل الأطراف، ثم ربما يكون المجلس العسكرى ادعى على شباب 6 أبريل أنهم يحصلون على تمويل خارجى وهم لا يقبلون ذلك، ولكن لا تنسى أيضا أن هذا جاء كرد فعل بعد الزحف نحو المجلس العسكرى فى ميدان العباسية، لا بد أن نقف على الحقائق دون أن يطلب أحد شعبية رخيصة.
■ هل تؤمن بنظرية وجود الطرف الثالث الخفى فى كل الأزمات التى تحدث منذ الثورة حتى الآن؟
- الطرف الثالث ليس طرفا مستقلا وبعيدا عن الجماهير والا لكنا اكتشفناه، إنما هو موجود بين الجماهير يحاول افتعال الأزمات وبث الفتن بين الشعب والجيش ويوقع كل الأطراف فى الأخطاء ويقود الجماهير نحو هذه الأفعال.
■ تقصد أنه طرف داخلى وليس خارجيا؟
- من الوارد وجود أطراف خارجية تعبث بالمشهد السياسى وقد يكون الطرف الثالث المندس بين الجماهير مدفوعا من الخارج.
■ ولكن الطرف الثالث الخفى متهم بأنه لا يثير الفتن وحسب إنما أيضا مسلح ويضرب الجماهير بالنار، فهل هذا منطقى من وجهة نظرك؟
- ليس لدىّ الإمكانيات لبحث هذه الأقوال التفصيلية: من الطرف المسلح ومَن الذى ضرب المتظاهرين بالنار، ليس لدىّ معلومات وهذا منوط بجهات التحقيق وعليها أن تعلن النتائج لنعرف جميعا الحقيقة.
■ ما هو المطلوب من الشباب الآن؟
- بعد ما صدر بيان المجلس العسكرى وتعهد فيه بوقف العنف توقعنا خيرا، والجيش أقام متاريس ليحتمى بها ووضع خطا فاصلا بينه وبين الجماهير ومع ذلك وجدنا الجماهير تذهب إلى هناك لإلقاء الحجارة ثم تعود الجماهير وتشكو من عنف القوات المسلحة ونحن أيضا نشكو معهم من هذا العنف، ولكن أيضا لابد أن نتحلى بالتوازن والموضوعية والسؤال هنا ما الذى يجعل هؤلاء الشباب يذهبون إلى هناك ويحتكون بالجيش لماذا يكسرون الحد الفاصل والمتاريس، الجيش أيضا أبناؤنا ولديهم إحساس وكرامة ويضجرون من إهانتهم، على الشباب أن يبعدوا عن مواطن الخطر.
■ لكنهم يعبرون عن آرائهم فهذه هى الثورة؟
- إذا كان هؤلاء هم ثوار 25 يناير فأنا آسف لذلك، هؤلاء ليسوا ثوار يناير لأن الثوار الحقيقيين شرفوا البلد ونزلوا بانضباط وهدوء وإصرار وعزيمة، وهؤلاء غير موجودين الآن للأسف وتشرذموا وكانوا لابد أن يتجمعوا ويحملوا مشعل الثورة ويفرضوا طلباتهم بهدوء وسلمية ويقودوا البلد، بل يفرضوا التغيير الذى ينشدونه على الجانب الآخر كجهة موحدة ومحددة المطالب، أما الآن فلا يعرف أحد منا من هم شباب الثورة ومن ليسوا شباب الثورة، ولا يمكن أن يكون شباب الثورة الحقيقيون راضين عما يحدث.
وللأسف العناصر التى تكيد ضد مصلحة مصر تجد فرصة فى وجود الجماهير المتجمهرة فى أى مكان لتثير الفتن وبهذه الطريقة لا نهاية للحوادث لابد أن تبتعد الجماهير عن مواقع القوات المسلحة وعلى القوات المسلحة أن تلتزم بالقيام بمهامها وحماية المؤسسات وفقط.
■ وما هو المطلوب من النخب السياسية فى هذه المرحلة؟
- عليهم ألا يسايروا ما يجرى بدعوى أن الجماهير تريد ذلك «الناس عايزة كده»، النخب دورها أن تقف موقف حق وتقول لكل طرف أنت محق فى هذا ومخطئ فى ذلك، فالمجتمعات لا تنهض بدون هذا الدور للنخب، يكفى ما عانيناه طوال التسعة أشهر الماضية فلم يكن هناك هيئة أو مؤسسة أو نخبة تقول لنا فى ماذا أصبنا وفى ماذا أخطأنا، وظللنا نسير بالدفع الذاتى حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
■ سؤال أخير: لو تكررت الاستقالات داخل المجلس الاستشارى هل ستصمد أم ستستقيل؟
- أنا متأكد أننى عندما تحملت هذه المسؤولية لابد أن أكون على مستواها ولن أهرب من الميدان وسأبذل كل جهدى إلا إذا شاءت الظروف غير ذلك، وإذا كانت المصلحة الشخصية تتحقق بالاستقالة فإن مصلحة الوطن تقتضى الثبات فى الموقع وأداء الواجب.