بين ترحيب حارّ من بوتين، ولهجة مازحة من قبل ترامب، وبعض الجدّية في اللقاء مع ماكرون، لم يجد ولي العهد السعودي نفسه معزولاً لدى بدء أعمال قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، بل كان محاطاً بشكل جيد.
ومشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين، هي الأولى له في اجتماع دولي منذ جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول قبل شهرين.
وإذا كان بعض المحلّلين توقّع أن يكون وليّ العهد السعودي في قمة مجموعة العشرين أشبه بـ«المنبوذ» فإنّ ما جرى في اليوم الأول من القمّة برهن عن خطأ هذا التوقّع، فالأمير محمد بن سلمان كان نجم شريطي فيديو جرى تناقلهما على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويصوّر أحد هذين الشريطين المصافحة بين ولي العهد السعودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي تميّزت بكثير من الودّ، إذ تصافح الرجلان بحرارة على طريقة مراهقين أو رياضيين اثنين، قبل أن يجلسا متجاورين على طاولة القمة وهما يتحادثان ويتبادلان الابتسامات.
وسرعان ما تناقلت شبكات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي صور هذا اللقاء الودي بين الاثنين اللذين يجمع بين بلديهما امتلاكهما كميات هائلة من النفط.
فالبلدان يستطيعان التحكم بسعر برميل النفط الذي تراجع كثيرا خلال الفترة الاخيرة، وتبدل سعره مرتبط بما قد يقررانه.
وأعلن البيت الابيض أن الأمير محمد بن سلمان «تبادل المزاح» مع دونالد ترامب على هامش القمة. والمعروف أن الرئيس الأميركي من أبرز داعمي ولي العهد السعودي، وينتظر منه المساعدة دائما في الإبقاء على سعر برميل النفط منخفضا.
كما شوهد ولي العهد السعودي وهو يتبادل الكلام مع ابنة الرئيس ايفانكا ترامب، ثم يصافح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيث جرى بينهما حديث مقتضب.
وبحسب الرئاسة الفرنسية، فإن الرئيس الفرنسي طلب من المسؤول السعودي «إشراك خبراء دوليين في التحقيق» بشأن جريمة قتل خاشقجي، كما دعاه إلى العمل على «حل سياسي في اليمن».
وعقب محادثة ماكرون وبن سلمان انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو لهذه المحادثة مدّته دقيقة ونيّف. ونشرت وسائل إعلام عديدة هذا الشريط الذي لم تتّضح في الحال الجهة التي صوّرته ونشرته على تويتر، لكنّ بدر العساكر مدير المكتب الخاص لبن سلمان أعاد نشر الفيديو على حسابه على تويتر.
وفي شريط الفيديو يظهر الرئيس الفرنسي وهو يتحدّث بالإنجليزية مع ولي العهد السعودي الذي بدا بالمقابل أكثر ارتياحاً وبادر للضحك لبضع لحظات ما أن رأى الكاميرا تصوّر المحادثة.
وبسبب الضجيج تعذّر سماع كل ما دار في المحادثة بين ماكرون وبن سلمان لكن يمكن بوضوح سماع الأمير السعودي يقول للرئيس الفرنسي «لا تقلق» فيجيبه الأخير «أنا أقلق فعلاً. أنا قلق» وبعدها يقول «أنت لا تستمع إلى أبداً» فيجيبه بن سلمان «كلا، بالطبع أنا استمع».
من جهتها قالت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي ردا على سؤال لشبكة سكاي نيوز، إنها تنوي الإلتقاء بالأمير محمد بن سلمان ومطالبته بأن يكون التحقيق بشأن خاشقجي «نزيها وشفافا».
وقدمت منظمة هيومان رايتس ووتش شكوى الاثنين الماضي ضد ولي العهد السعودي أمام القضاء الأرجنتيني.
وقبل قمة مجموعة العشرين قام الأمير محمد بجولة شملت اربع دول عربية.
وإذا كان قد لقي ترحيبا جيدا في دولة الإمارات وفي البحرين وفي مصر، فإنه ووجه بتظاهرات في تونس شارك فيها المئات.
أما الشخصية الأخرى التي كانت محط أنظار العالم في اليوم الأول من قمة بوينوس آيرس فكان بالطبع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي زاد في الساعات الأخيرة حدّة التوتر بين بلاده وكل من روسيا والصين.
فترامب الذي ألغى الخميس في اللحظة الأخيرة اجتماعاً كان مقرّراً على هامش القمة بينه وبين نظيره الروسي، وذلك بسبب الأزمة الناشبة بين موسكو وكييف، زاد الضغوط على يكين الجمعة باجتماعه مع رئيسي وزراء الهند ناريندرا مودي واليابان شينزو آبي في قمة ثلاثية غير مسبوقة.
وترامب الذي سيتناول العشاء مساء السبت مع نظيره الصيني شي جينبينغ على وقع الحرب التجارية الدائرة بين بلديهما اختار تشديد الضغوط على بكين وطموحاتها المتزايدة في بحر الصين من خلال بيان أصدرته القمة الثلاثية وطالبت فيه بأن تكون منطقة المحيطين «الهادئ والهندي منطقة حرة ومفتوحة».
بالمقابل وعد الرئيس الصيني قادة آخرين التقاهم على هامش القمة بـ«مواصلة الإصلاحات» من أجل فتح السوق الصينية وتعزيز حماية الملكية الفكرية، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» الرسمية.
لكن شي لم يتوان عن مطالبة قادة هذه الدول بـ«الدفاع عن النظام التجاري المتعدد الأطراف».
ويلتقي ترامب وشي قبيل انتهاء قمة بوينوس آيرس التي تعقد بعد مرور عشر سنوات على ولادة هذا المنتدى العالمي في واشنطن. ففي نوفمبر 2008 تعهد قادة الدول العشرين توحيد جهودهم لمواجهة الأزمة المالية العالمية.
الانقسامات الحالية بين قادة دول المجموعة أرخت ظلالاً من الشك على احتمالات صدور بيان ختامي عن القمة.
وخلت مسودة للبيان الختامي اطّلعت عليها وكالة فرانس برس من أي انتقاد للحمائية وهو شرط أساسي لموافقة الأميركيين على صدور البيان.
وتنصّ المسودة أيضاً على وجوب «مواجهة تحديات التغير المناخي» مع الأخذ في الاعتبار في الوقت نفسه «الظروف الوطنية المختلفة».
وبعدما تأخّرت لمدة 12 ساعة عن الوصول إلى بوينوس آيرس بسبب عطل فني طرأ على طائرتها، وصلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى العاصمة الأرجنتينية الجمعة والتحقت بنظرائها الذين ستتناول العشاء وإياهم بعد حضور فعالية فنية.
ويتعيّن على الأوروبيين أن يتوصّلوا إلى موقف مشترك بشأن أوكرانيا، وهو موضوع ساخن آخر في قمة مجموعة العشرين. وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إنّه «متأكّد» من أنه سيتم في ديسمبر تجديد عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
بالمقابل انتقد الرئيس الروسي «الممارسة الشريرة باللجوء إلى العقوبات الأحادية غير القانونية والإجراءات الحمائية».