x

الحاخام «دوفيد وايث»: إسرائيل ستنهار.. والتوراة تحرم على اليهود دخول الأرض المقدسة

السبت 28-05-2011 18:31 | كتب: نشوي الحوفي |
تصوير : حافظ دياب

صحيح أنه يمثل حركة «ناطورى كارتا» المناهضة للصهيونية، لكنه حاخام يرتدى ملابس رجال الدين اليهود الذين نراهم فى القنوات الإخبارية أمام حائط المبكى يقرأون فى التوراة. أمد يدى بالسلام فيرفض معتذراً لأنه لا يجوز لليهودى المتدين أن يصافح امرأة. أجلس بجواره على أريكة لنبدأ الحوار، فيقف منتفضاً مفضلاً أن يكون الجلوس على مقعدين منفصلين. اللقاء مع الحاخام دوفيد وايث تم فى حضور الإخوانى كمال الهلباوى صديق الحاخام. وفى منزل مصرى مقيم فى الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة هو محسن خالد، عم الداعية عمرو خالد.وبصرف النظر عن تلك الصحبة التى تتعجب من تلاقيها قبل أن تعرف الصلة بينهم، فإن حديث الحاخام دوفيد وايث يأخذك لآفاق بعيدة عن تلك التى اعتدنا عليها من رجال الدين اليهود لنكتشف أن هناك يهودا – رغم قلتهم يرفضون دولة إسرائيل، وينادون بإنهائها سلميا، مبررين ذلك بقولهم إن الصهيونية تعارض حكم الله.ويتحدث الحاخام عن الخلاص الذى ينتظره اليهود المتدينون فيصفه بأنه معجزة إلهية تعيد القدس لأصحابها من العرب والمسلمين ليعيشوا فيها بسلام آمنين. يحكى ويتحدث فتدرك أن فى الأفق أفكاراً علينا الاستماع لها. فإلى نص الحوار:

ماذا يعنى الشعار الذى تضعه على ملابسك ويدعو لإنهاء دولة إسرائيل؟

ـ يعنى المعنى الذى تفهمينه منه. فنحن نؤمن أن واجبنا تجاه الرب أن نعرف العالم ونعلمه أنه من الخطأ الشديد المساواة بين اليهودية والصهيونية، واعتبار أن الصراع بين العرب واليهود صراع دينى، غير صحيح. فالدين اليهودى يناقض الصهيوينة تماما لأن جوهر اليهودية أن نخدم الله ونتقبل أحكامه التى عرفها لنا فى التوراة. أما الصهيونية فتعنى الإيمان بالمادة وامتلاك الأرض وإخراج الله من الصورة لأنهم لا يحكمون بما أنزل، بل بمفهوم الفكرة التى قامت عليها الصهيونية التى يعتقدون فيها. فاليهودية عمرها آلاف السنين أما الصهيونية فبدأت من 100 عام فقط عبر يهود غير متدينين كرهوا الدين بوضوح من أمثال تيودور هيرتزل وبن جوريون وقالوا ذلك صراحة فى مذكراتهم. ورغم ذلك استعملوا الدين اليهودى فى فكرة إنشاء الدولة اليهودية وكان ذلك نوعاً من النفاق.

ولكن هناك حاخامات يهود يؤيدون الدولة الصهيونية وما تدعو له بل يجدون مبرراً لقتل الفلسطينيين. كيف تفسر ذلك؟

ـ نعم يحدث هذا منذ انطلاق فكرة الصهيونية وذلك لعدة أسباب منها أن هناك حاخامات صهاينة نعتبرهم غير متدينين أو مهرطقين، وهناك آخرون تم تضليلهم بمعتقدات كاذبة وشعارات تؤكد أن الأرض المقدسة ملك لنا وأن التقرب لله لن يكون إلا بالعودة لها وإقامة مملكة بنى إسرائيل عليها. نضيف لهذا الضغوط التى يمارسها الصهاينة على العالم أجمع وإرهابهم بتهمة معاداة السامية التى يلوحون بها لأى شخص يقترب منهم ويحاول نقد ما يقومون به. فكلما عاديت الصهيونية اتهموك بكراهية اليهودية واليهود. ويربون الشعب اليهودى على فكرة أن العرب يكرهونهم ولو أخذوا الأرض منهم فسوف يقتلونهم. وهذا خطأ كبير وجريمة يرتكبها الصهاينة باستمرار.

منذ متى بدأت فكرة معاداة الصهيونية من قبل رجال دين يهود؟

ـ بعد سنوات قليلة من ظهور الحركة الصهيونية وفى 1925 وقع عدد من الحاخامات المؤمنين فى المجر على خطاب أكدوا فيه التزامهم بمناهضة الصهيونية رغم كل الدعاية التى كانت تقوم بها، مؤكدين أن الحركة قامت على معارضة الدين اليهودى رغم تظاهر مؤسسيها بحبهم للأرض المقدسة وتقديسهم لفرصة إقامتهم بها. ولذا عادت الحركة الصهيونية اليهود الأرثوذكس المناهضين لهم الذين خرجوا فى مظاهرات ضد إقامة دولة إسرائيل. وطاردوهم فى المظاهرات التى شاركوا بها على اعتبار أنهم عدو سيدمر دولة إسرائيل من الداخل. وقد أرسل الحاخام الأكبر لليهود الأشكيناز فى فلسطين خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة فى العام 1949 يعلمه فيه أن عدد اليهود الأرثوذكس فى القدس 60 ألفاً، ويخبره بأنه لو تم ضم القدس للدولة اليهودية سيصبح هؤلاء بالتبعية مواطنين فى دولة إسرائيل، وطالبه بأن تكون القدس منطقة دولية تحت حماية الأمم المتحدة وأن تتمتع باستقلال كامل وأن يكون المقيمون فيها مواطنين طلقاء تحت حماية الأمم المتحدة وأن يُمنحوا جوزات سفر منها لا من دولة إسرائيل. ولكن هذا لم يحدث.

لماذا عادت اليهودية الأرثوذكسية دولة إسرائيل؟

ـ لأن الصهيونية لا تحكم بما أنزل الله فى التوراة، والله يقول إن من يخالف تعاليم التوراة سيتعرض لغضبه، واغتصاب الأرض من أهلها وقتلهم وطردهم من منازلهم يغضب الله ونحن نعارض هذا، ونعارض الهجرة إلى فلسطين. ودعينى أوضح شيئا هو أننا كيهود عشنا منذ قديم الأزل فى بلاد العالم الإسلامى بأمن وأمان ومع شعوب أحسنت معاملتنا. وفى 1921 كتب الحاخام «إبراهام مردخاى» وكان يعيش فى بولندا قائلا إنه عندما ذهب لزيارة الأرض المقدسة، وسار فى شوارع القدس حيث كان العرب يمتطون جمالهم، كان الجميع يوسع له الطريق باحترام كرجل دين وتمنى أن يُعامل اليهود بنصف هذا الاحترام فى الدول التى يعيشون بها. ولذا فالعداء بين العرب واليهود من صنيعة الصهيونية التى وصفت العرب بأنهم أعداء اليهود ويجب القضاء عليهم وهو شىء خطير.

ينظر العرب لليهود نظرة واحدة. هل يعيق هذا أداءك لرسالتك التى تدعو لها؟

ـ منذ قيام دولة إسرائيل لا يفرق الغالبية العظمى من البشر بين اليهود ودولة إسرائيل. رغم الفارق الحقيقى بينهما لأن كلمة يهودى تطلق على كل من يطبق قواعد الدين اليهودى، أى التوراة وشعائرها المقدسة. وقد عشنا كشعب فى الأرض المباركة حينما كنا نطيع الله ولكن عندما عصيناه أخذ الله منا الأرض، وعشنا كشعب بعد الشتات لأن أمتنا تتوحد من خلال تمسكها بالتوراة. ومنذ ذلك الوقت مُنعت منا الأرض بقرار توراتى شديد المعنى، وحُرمت علينا إقامة مملكة بالأرض المقدسة أو أى مكان آخر، وكان علينا أن نكون موالين للممالك التى نعيش تحت سلطانها. وتقديس اليهود للأرض المقدسة لم يكن بهدف إقامة دولة سياسية بها، ولكن بهدف إقامة الشعائر الدينية والتمتع بقدسيتها. وحتى يومنا هذا نرفض أخذ أى مخصصات من الدولة الصهيونية ومؤسساتها. حتى أننا لا نتحدث العبرية التى أوجدتها الدولة الصهيونية لأنها ليست اللغة التى كتبت بها التوراة. لقد سرق الصهاينة الهوية اليهودية ويحققون من وراء ذلك مكاسب لدولتهم، وكلما كره العرب اليهود واليهودية بسببهم، كلما ساند العالم الصهيونية.

وما رأيكم فى ممارسات الدولة الصهيونية فى المسجد الأقصى ومحيطه؟

ـ حسب التوراة يُمنع علينا منعاً باتاً دخول أرض المسجد الأقصى ولا يوجد للشعب اليهودى أى حق أو ملكية على هذا المكان المقدس لأنه ملك للشعوب الإسلامية كلها وننتظر اليوم الكبير الذى يعود فيه الحق لأصحابه مثلما كان بأيام سابقة. وهذا لا يسرى على اليهود فقط ولكن على الدولة الصهيونية التى ليس لها أى حق فى الأرض المقدسة مهما ادعوا غير ذلك. فهم لا يمثلون الشعب اليهودى وليس لهم الحق بالتحدث باسمهم. ورغبتنا هى أن نعيش فى سلام مع جيراننا العرب والفلسطينيين كما كنا قبل الانقلاب الصهيونى. لقد تقبلنا كيهود مؤمنين منذ نحو 2000 عام عقاب الله لنا، وتعهدنا أمام الله أن نكون صالحين فى كل البلاد التى نعيش فيها وألا نقوم بشىء من شأنه إنهاء حالة الطرد أو العزل التى عاقبنا بها الله. والصهيونية تستقطب اليهود من شتى بقاع الأرض على عكس إرادة الله ويسمون أنفسهم بداية الخلاص، ولكن معنى الخلاص الحقيقى بالنسبة لليهود المتدينين حدوث معجزة إلهية ليؤمن البشر كافة بالله، لا بطرد الناس من أرضهم.

أين ولدت وكيف نشأت كحاخام يهودى يعادى الصهيونية؟

ـ أبى كان أحد حاخامات دولة المجر وكان يعادى الصهيونية بشكل علنى، واضطر للهرب من هتلر للولايات المتحدة وهناك تزوج بأمى وأنجبانى وألحقنى بمدرسة دينية كان الجميع يعتقد فيها أن الصهيوينة ظاهرة لا دينية وأن من ينضم إليها يبتعد عن طريق الرب وخدمته. فالصهاينة يفعلون ما يشاءون من المعاصى ويحاولون أن يظهروا فى صورة الأبطال.

هل زرت فلسطين من قبل؟

ـ نعم ذهبت مع مجموعة من الحاخامات المعادين للصهيونية إلى غزة ودخلناها من معبر رفح المصرى ولم نشأ دخولها عبر دولة إسرائيل. وقد رحب بنا الفلسطينيون وقالوا لنا إنهم ليسوا ضد اليهودية ولكنهم يريدون حريتهم وهذا حقهم. الصهاينة يصورون الصراع العربى معهم كصراع دينى حتى يتقبله العالم ويكتسبوا مصداقية ويصفون أعداءهم بأنهم أعداء السامية ويصورونهم بأنهم نازيون. ولذا تتلخص مهمة حركتنا أن نبرهن على خطأ النظرية الصهيونية وأن الفلسطينين ضحايا وليسوا مجرمين. ولذا لم نذهب للقدس أنا وزملائى حتى لا نعطى الصهاينة نوعا من الاعتراف. الفلسطينيون هناك يعانون ويموتون كل يوم . لا توجد عائلة واحدة غير متضررة ولكن العالم يتجاهلهم لأنهم لا يعترفون بدولة إسرائيل الصهيونية. ولذا ننقل صوت الفلسطينيين للعالم لنفضح ما تفعله الصهيونية كما حدث عندما فضح العالم الحكم العنصرى فى جنوب أفريقيا.

عودة لشعار «إنهاء دولة إسرائيل سلمياً». كيف يمكن حدوث ذلك؟

ـ نحن نعتقد أن الله يحكم العالم ونؤمن أن دولة إسرائيل ستنهار لأنه ليس لها أى أساس قانونى وفق التوراة، مثلما انهار الاتحاد السوفييتى. ولكننا لا نعرف كم من المعاناة سيتعرض لها العالم وكم من الدماء ستراق حتى نهاية تلك الدولة. ولكن علينا أن نفعل ما نستطيع وأن نوضح للعالم كيف أن المسلمين والمسيحيين فى غزة يعانون. نحن لا نريد تلك الدولة ولا نساندها وندعو الله أن ينهيها دون معاناة إضافية.

حركة «ناطورى كارتا».. يهودية ضد الصهيونية وإسرائيل

يمثل الحاخام دوفيد وايث الصوت المتحدث باسم حركة «ناطورى كارتا» اليهودية الأرثوذكسية التى تأسست عام 1935 كحركة معادية للصهيونية ووجود دولة إسرائيل، الترجمة الحرفية لاسم الحركة يعنى «حراس المدينة» وتؤمن الحركة بأنه لا حق لليهود فى إقامة مملكة خاصة بهم حتى مجىء المسيح الذى يمثل الخلاص بالنسبة لهم.

وتتبنى الحركة الكثير من المواقف التى جعلتها عدواً لدولة إسرائيل، ومن بينها انتقاد الهجومين الأمريكى والإسرائيلى على تصريحات الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد فى عام 2005، والتى قال فيها: «إن دولة إسرائيل يجب أن تمحى من التاريخ»، كما زاروا إيران فى عام 2006 مبدين دعمهم للفكرة وعدم انزعاجهم منها.

يوجد المقر الرئيسى للحركة فى «بروكلين» بولاية نيويورك الأمريكية، كما توجد لهم تجمعات رئيسية أخرى فى العديد من الدول، وأصدروا العديد من البيانات التى تصف دولة إسرائيل بالعنصرية والدموية وشعارهم الذى يسيرون به دوماً هو «إنهاء دولة إسرائيل إن شاء الله سلمياً».

قصة اللقاء الثلاثى مع الحاخام اليهودى والهلباوى وعم «عمرو خالد»

فجأة، ودون مقدمات أو تحضير، وجّه محسن خالد، عم الداعية عمرو خالد، دعوة لـ«المصرى اليوم» للقاء الحاخام اليهودى الأمريكى «دوفيد وايث» فى منزله بحى مصر الجديدة. وأخبرنا بأن الرجل يعادى الصهيونية ويعمل على إسقاط دولة إسرائيل وجاء لمصر فى زيارة قصيرة جداً للقاء صديق له.

ذهبنا فى الموعد المحدد لنجد فى انتظارنا الحاخام ومساعده، ومحسن والدكتور كمال الهلباوى، المتحدث الإخوانى السابق باسم الجماعة فى أوروبا، الذى عاد لمصر مؤخراً من لندن.

كان علينا أن نعرف قصة هذا التجمع الذى يذكرنا بفيلم «حسن ومرقص وكوهين» لنكتشف أن رابطاً إنسانيا يجمع بين الثلاثة. حيث تربط علاقة صداقة بين «محسن» و«الهلباوى» والحاخام اليهودى.

كان «محسن» عرف الحاخام ومساعده عبر صداقته بـ«الهلباوى» والتقاه كثيرا فى الولايات المتحدة بحكم إقامته منذ سنوات طويلة هناك. أما الهلباوى فكانت له قصة أخرى مع الحاخام حكاها لنا قائلاً: «عرفت دوفيد منذ سنوات فى لندن على أبواب الاستاد الرئيسى هناك، وكان الداعية الشيخ يوسف القرضاوى هناك لإعلان إنشاء الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، وتمت دعوة البعض لحضور التجمع، وكنت مدعوا لإلقاء محاضرة وعلى الباب وجدت الأمن يمنع دوفيد ومن معه من الدخول بدعوى أنه من المعادين للسامية ولدولة إسرائيل والمؤيدين لفلسطين. وأضاف: «استوقفتنى الكلمة ودون تفكير أصررت على دخوله قبلى. لكن الأمن كان رافضاً، فأخبرتهم بأنه لو لم يدخل معى فلن أدخل وسأخبر العالم بأنهم معادون لحرية الرأى والتعبير. وكان أن دخل معى دوفيد وصرنا من يومها صدييقين».

وقال «الهلباوى» إن ما يجمعهم فى صداقتهم تلك هو الإنسانية وفطرة الله التى فطر الناس عليها. وأن هدفهم التأكيد على وجود أفكار أخرى تستحق المناقشة والطرح من قبل عقلاء يهود يؤمنون بالله حق الإيمان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية