«لا تعيينات حالية فى الجهاز الإدارى للدولة».. تصريح للدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، ضمن تصريحات أخرى تكشف عن تمسك الحكومة بخفض عدد موظفى الدولة من 5.7 مليون حالياً إلى 2.5 مليون للوصول بنسبة عدد الموظفين الحكوميين إلى موظف واحد لكل 40 مواطناً.
ورغم تضخم عدد موظفى الدولة، فإن هناك قطاعات مهمة للغاية تعانى من العجز، ولا يوجد فى خطة تطوير «موظفى الدولة» ما يكشف عن قصور فى كيفية علاج هذا الخلال الذى يضر بقطاعات مهمة مثل التعليم والصحة، وكذلك الطب البيطرى، وهو ما دفع خبراء إلى المطالبة بعودة نظام التكليف، الذى كان يتم من خلاله تعيين الخريجين فوراً فى هذه القطاعات، ورغم هذا العجز، فإن خريجى هذه التخصصات يعانون من البطالة، كما تعانى هذه القطاعات من تدهور فى الأداء.
فى عام 1999، قررت حكومة الدكتور عاطف عبيد إلغاء التكليف لخريجى كليات التربية، وتجاهلت حق الطلاب الذين التحقوا بالفعل بالكليات فى التعيين، خصوصاً أن «الوظيفة المضمونة» كان دافعهم الوحيد لدراسة علوم التربية.
ومنذ صدور القرار، استمرت كليات التربية فى تخريج الطلاب سنوياً، حتى وصل عددهم لـ332 ألفا و579 وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن الفترة من 2005 حتى 2016، ولم يجد هؤلاء الخريجون سوى العمل بالمدارس الخاصة، فى ظروف قاسية لتدريس مواد بعيدة عن تخصصاتهم، والحصول على أجرٍ متدنٍ، وعدم التأمين عليهم وكأنهم عمالة موسمية.
أحمد كريم، مدرس بإحدى المدارس الخاصة، قال: «زملائى المعينون بالحكومة يضمنون زيادة رواتبهم سنوياً، كما أن أحدثهم فى التعيين سيحصل على الأقل على 1200 جنيه وفقاً للحد الأدنى للأجور، فيما لا يتجاوز راتبى 600 جنيه».
لا تنعكس نتائج إلغاء التكليف على المدرسين أو العملية التعليمية فى المدارس الخاصة فحسب، بل تؤثر أيضاً على أوضاع العملية التعليمية بالمدارس الحكومية، حيث أشارت إحدى المعلمات بمدرسة حكومية، رفضت ذكر اسمها، إلى أن عدد التلاميذ فى الفصل يصل لـ120 طالبا بسبب نقص أعداد المدرسين، وليس لقلة الفصول وحدها.
الدكتور صلاح الدين خضر، عميد كلية التربية بجامعة 6 أكتوبر، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة حلوان، قال: «نحن كعمداء كليات التربية طالبنا أكثر من مرة بعودة تكليف المعلمين، لأن المدرس هو أساس العملية التعليمية، خصوصاً أن تعيين أعداد جديدة لن يشكل عبئًا على الموازنة العامة للدولة؛ وهناك أعداد كبيرة تخرج من الخدمة لوصولها سن المعاش، مضيفًا أن إلغاء التكليف فتح الباب للاستعانة بغير المتخصصين فى تدريس بعض المواد، كما أن مسابقات التعيين لم تسد العجز، ما دفع بعض الإدارات التعليمية للبحث عن متطوعين من حديثى التخرج لسد هذا العجز».
أما الأطباء البيطريون، فتم إلغاء التكليف الخاص بهم فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، والذى كان يصدر بقرار سنوى من مجلس الوزراء بناءً على طلب وزارة الزراعة، الأمر الذى دفع 29 ألفا و424 طالبا من خريجى كليات الطب البيطرى إلى العمل فى معامل التحاليل والدعاية لشركات أدوية، أو العمل فى شركات تصنيع وتجارة الأعلاف، أو فتح عيادات خاصة.
وتعانى الوحدات البيطرية من عجز واضح فى الأطباء، ما أثر بالسلب على كفاءة منظومة الطب البيطرى وطبيعة العمل فى الوحدات، ما يهدد الثروة الحيوانية لعدم وجود متابعين أكفاء.
مها رمضان، طبيبة بيطرية، قالت: «تم تعيينى لأننى كنت من العشرة الأوائل بالكلية، وأقوم بفحص المواشى التى يشك أصحابها فى إصابتها بأحد الأمراض، وأشارك فى حملات المرور على المنازل لفحص الحيوانات والطيور حال وجود عدوى أو انتشار مرض ما».
الدكتور محمود جودة، المدير الأسبق لمديرية الطب البيطرى بالفيوم، قال إن شيوخ المهنة هم الذين يديرون منظومة الطب البيطرى حالياً لأن شباب الأطباء يعملون فى مجالات أخرى، ما أدى لإصابة المنظومة بالشيخوخة وعدم تواصل الأجيال وضعف الأداء، مع قصور حملات التفتيش البيطرى وانتشار اللحوم الفاسدة، بسبب العجز الكبير جدا بين أطباء المجازر. وأضاف «جودة» أن أجر انتقال بعض الأطباء للماشية المريضة يصل لـ300 جنيه، وكثير من الفلاحين لا يملكون دفع هذه القيمة، ما قد يؤدى لتدهور حالة الحيوانات.
أما الدكتور يوسف ممدوح، رئيس الإدارة المركزية للحجر البيطرى الأسبق، فأكد أن أعداد الأطباء البيطريين قليلة مقارنة بالطلب عليهم فى السوق، مطالبًا بإعادة الهيكلة والتوزيع، لوجود تكدس فى الأعداد العاملة بالقطاع البيطرى، لضخ عناصر تفيد القطاع وتعمل على تطوير مشروعاته بعيداً عن العمل الإدارى الذى يشغله معظمهم حالياً.
وكشفت الدكتورة نبيلة البطراوى، عضو مجلس نقابة البيطريين، أن عدد المفتشين على محال الجزارة وبيع اللحوم فى القاهرة الكبرى يبلغ 6 بيطريين فقط. وأوضحت أن رفع التكليف عن البيطريين فقط يشكل خرقاً للمنظومة الصحية، بسبب تراجع معدلات الكشف على اللحوم وتحصين الحيوانات، ما يؤدى لتكرار حالات التسمم فى الفنادق، حيث تخالف المنشآت معايير سلامة الغذاء، مضيفة أن غياب البيطريين أدى إلى ضعف تحصين الماشية، خصوصاً أن 80% من الثروة الحيوانية موزعة على فلاحين صغار لا يملك الواحد منهم أكثر من 3 رؤوس ماشية، إذ إن الوحدات الطبية الموجودة بالقرى والنجوع متهالكة أو غير موجودة أصلاً، ومؤكدةً أن القطاع البيطرى بحاجة لتعيين 4 آلاف طبيب كحد أدنى، وفوراً لسد العجز.
وأكدت الدكتورة سامية جبر، الأستاذ بمعهد التخطيط القومى، أنه لو لم تلجأ الدولة لإلغاء التكليف منذ نحو 20 عاماً لما عانت قطاعات مهمة فى الدولة من هذه السلبيات، لأن الجهاز الإدارى أصيب بالشيخوخة لعدم ضخ دماء جديدة.
وطالب الدكتور سمير عبدالوهاب، مدير مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، بدراسة القطاعات المكتظة بالعاملين، والتى تحتاج إلى ضخ مزيد من الموظفين إليها لإعادة تخطيط سوق العمل، لأن بقاء الأحوال فى هذا الاتجاه سيؤدى لتدهور قطاعات مهمة.