لم تتجرأ قوى سياسية أو تكتلات حزبية على وضع «المجلس العسكري»، الحاكم في مصر، موضع خصومة في قضية تمس تاريخا مقدَّسا للقوات المسلحة بشيء من العار. ولكن فعلتها الفتاة الصعيدية سميرة إبراهيم، الجنوبية التي تنتمي لأب معتدل في دينه وأم لا تعرف القراءة ولا الكتابة، واتهمت في دعواها ضباطا بـ«إجبارها على الخضوع لاختبارات كشف العذرية».
سميرة، التي تميل في الألوان إلى «الوردي»، والمغرمة، مع ذلك، بـ«تشي جيفارا، وأغاني ثورة يوليو»، كانت وهي صغيرة تلعب دور محامٍ لأخيها الأصغر ضد من يؤذيه، ويبدو أن هذا التدريب المبكر علمها كيف تقاتل، ليس أمام الأطفال فقط ولكن أمام من يحكم مصر.
في أكتوبر الماضي، سافرت سميرة 9 ساعات من بلدتها في صعيد مصر إلى القاهرة للقاء محاميها في القضية، التي رفعتها ضد «المجلس العسكري» مطالبة إياه بـ«التحقيق مع المسؤول عن فقدها عذريتها من ضباط الجيش الذين أجبروها على كشف العذرية بعد أن تم القبض عليها في ميدان التحرير مع متظاهرات أخريات في أحداث فض اعتصام التحرير في مارس الماضي».
وفي فندق صغير بوسط القاهرة تقطن سميرة، التي اعتقلتها قوات الشرطة العسكرية يوم 9 مارس الماضي، ومعها 17 من المتظاهرات، وتم اقتيادهن جميعًا في عربة الترحيلات إلى السجن الحربي، حيث طلب منهن الانقسام إلى صفين: واحد للفتيات العذراوات، وآخر لمن فقدن عذريتهن.. بعدها «تم إجبارهن على الخضوع لكشف العذرية، وهو إجراء مؤلم للنفس قبل الجسد» بحسب قول سميرة، فيما اعتبرته منظمة العفو الدولية «نوعا من أنواع التعذيب».
سميرة إبراهيم، ذات الحجاب مثل معظم نساء مصر، تقول: «أجبروني على خلع ملابسي أمام عدد من ضباط وعساكر الجيش أثناء إجراء اختبار كشف العذرية، وأجرى الاختبار ضابط وليس طبيبًا». وبحسب تعبيرها: «حشر يديه داخلي لأكثر من 5 دقائق وأفقدني عذريتي.. كل مرة أفكر في الأمر أستعيد ذلك الألم الذي ينتهك الروح.. إنه اغتصاب بكل ما تعنيه الكلمة».
وقبل القبض عليها يوم 9 مارس الماضي، كانت سميرة مديرة لإحدى شركات التسويق، لكنها فقدت وظيفتها بعد حبسها 4 أيام في السجن العسكري ومازالت بلا وظيفة حتى الآن.
والد سميرة هو الناشط السياسي إبراهيم محمد محمود، الذي «أفرج عنه قبل الإطاحة بمبارك مباشرة»، والذي يقول عن ابنته إنها «طبعها من طبعي، مقتنعة بإننا صح ومش هنخاف»، لكنه في الوقت نفسه أبدى «تشككا» في النظام القضائي.
وتحكي سميرة: «عندما اعتقلوني، شدوني من شعري وسحبوني على الأرض حتى ظهرت بطني عارية، ومن وقتها أصبحت أرتدي رداءً للسباحة تحت ملابسي دائمًا حتى لا ينكشف أي جزء من جسدي إذا تكرر الموقف».
وأضافت: «كان فيه لواء من الجيش واقف في الميدان، وقال لهم بالحرف (هاتوها)، ووصفني بأنني (عاهرة) ماعرفشي ليه؟».
ولأن سميرة عرفت عن حقوقها بعض الشيء، فقد تأكدت أن ما حدث لها في الأربعة أيام احتجاز في السجن الحربي «غير قانوني»، لذلك عندما ذهبت أمام النيابة طلبت حضور محامٍ معها، ورد عليها وكيل النيابة قائلا: «عايزة محامي؟.. إنتي تستحقي القتل بالرصاص».
وتعتبر منى سيف، مؤسسة مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» أن قرار سميرة اللجوء للمحكمة لا يأتي إلا من فتاة قوية خلفها عائلة تدعمها، وأكدت أن سميرة هي الوحيدة التي لجأت للمحكمة لأن الضحايا الأخريات يخشين تنكيل السلطات بهن. لكن نساء أخريات قررن التحدث عن الأمر، منهن سلوى الحسيني، التي حكت تجربتها لمراسلين في مؤتمر صحفي لمجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» في منتصف مارس الماضي، لكنها قالت إنها لا تستطيع رفع قضية لأنها «لا تملك أوراق تحقيق الشخصية».
وتقول رشا عبد الرحمن، التي تعمل (خياطة)، 28 سنة، وهي ضحية أخرى لكشف العذرية، إنها معجبة بشجاعة سميرة: «مقاتلة حقيقية وتحب بلدها فعلا». رشا حررت محضرًا في الشرطة بواقعة كشف العذرية عليها، لكنها لم تستكمله بسبب «مشكلات نفسية»، بحسب قولها.
وتتذكر سميرة ورشا لحظات داخل سيارة الترحيلات أثناء نقلهما للسجن الحربي، حين بدأتا في ترديد هتافات سياسية من النوافذ الصغيرة في محاولة للوصول للناس في الشوارع.
تقول رشا: «كنا بنقوي بعض بكلمة الحرية لها ثمن».
أما مصادر القوات المسلحة، فتقول إن «تحقيقات تجرى في هذا الشأن لمعرفة ماذا حدث لسميرة وزميلاتها بعد القبض عليهن في 9 مارس.»
رسميًّا، تم اتهام سميرة بـ«الإساءة للسلطات، والمشاركة في تجمع غير مصرّح به وكسر حظر التجوّل»، وتم احتجازها 4 أيام والإفراج عنها بحكم بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ.
ورفض متحدث باسم «المجلس العسكري» التعليق على تفاصيل الواقعة، وطبقًا لمستندات بحوزة محامي سميرة، مقدمة إلى رئيس محكمة القضاء الإداري ونائب رئيس المحكمة العليا لمجلس الدولة، فإن سميرة «تعرّضت لأكثر أشكال الذل والتعذيب والقبح وانتهاك جسدها الذي تضمن الكشف على عذريتها على مرأى ومسمع من العاملين في السجن العسكري أثناء فترة احتجازها من 9 مارس 2011 إلى 11 مارس 2011».
وتطالب سميرة بأن يتم القبض على المسؤولين عن الواقعة ومعاقبتهم، كما قالت إنه «لم يتم إبلاغها رسميًّا بالتهم التي تم اعتقالها بسببها». وقد أقامت سميرة دعوى أخرى ضد «المجلس العسكري» بسبب «تحويلها للمحاكمة العسكرية رغم أنها مدنية، ورفض طلبها بمقابلة محامٍ»، ومن المنتظر أن يتم نظر قضية سميرة، الثلاثاء 27 ديسمبر، إلا أن محاميها «يتوقع التأجيل بسبب أولوية القضايا المتعلقة بالانتخابات البرلمانية».
من جانبهم، يعتقد ممثلو جمعيات حقوق الإنسان، الداعمون لسميرة، أن القضية «ليست قوية»، كما تقول إبيجان حسن، المحامية التي تعمل في مركز «النديم» الحقوقي، وهو أحد المراكز التي تمثل سميرة، مضيفة أنه «من المرجح أن تغلق المحكمة ملف القضية لقلة الأدلة».
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الناشطون الحقوقيون متأثرين بإصرار سميرة على استخدام القنوات المدنية كالقضاء في استعادة حقها، على الرغم من سمعتهم المعروفة بـ«الفساد». وتصف هبة مورايف، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في القاهرة، سميرة بأنها «تريد الاستمرار في محاربة النظام لأن ما حدث لها اعتداء جنسي ويستحق العدالة».
وبالنسبة لسميرة، القضية هي ألا يتم انتهاك فتاة أخرى في مصر، وقالت: «إذا استطاعت كل امرأة تم انتهاكها أن ترفع قضية على من فعلوا بها ذلك، فسيتوقف هذا الانتهاك بالتدريج، ولن يستطيع أحد بعدها أن يضغط على الناشطين السياسيين بتهديدهم باغتصاب أو اعتداء على زوجاتهم أو بناتهم».
وتصر سميرة على أنه «إذا فشلت قضيتها في مصر، فستأخذ القضية إلى المستوى الدولي وتذهب إلى الأمم المتحدة»، بحسب قولها.
وتعتقد مورايف، من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن كشوف العذرية «جزء من استراتيجية جديدة يستخدمها المجلس العسكري للتنكيل بالناشطين»، وتتفق معها إبيجان، معتبرة أن محاولة فض اعتصام 9 مارس كان يهدف «لكسر روح الثورة من خلال الاستهداف الممنهج للناشطين السياسيين». وتوضح إبيجان قائلة: «يتم زرع مخبرين بملابس مدنية في المظاهرات كجواسيس لمعرفة أبرز قادة ووجوه الثورة».
كانت أولى تجارب سميرة في السياسة «في عمر 16 سنة، وفصلت من الجامعة منذ 3 سنوات بسبب اشتراكها في مظاهرة لحركة (6 أبريل)»، بحسب قولها.
ويعتقد الكثيرون أن «شهر العسل» الثوري في مصر «قد انتهى»، وأنواع المشاكل التي يواجهها شباب مثل سميرة ليست إلا جزءًا من خيبة الأمل التي تبتلع مصر، بعد انقسام أحزاب المعارضة قبل الانتخابات البرلمانية وجور السلطات على الحقوق والمراكز الحقوقية، ومصادرة الملفات والتضييق على رموز المعارضة والتهديد بتقييد قوانين التمويل، إلا أن سميرة إبراهيم ترى أنه «حتى لو لم يتبق سوى ثائر واحد، ذكرا كان أم أنثى، يمكنه أن يبدأ الثورة من جديد».
كتبت هذه المقالة خصيصا «لبوابة المصري اليوم» كجزء من زمالة «جلوبال بوست» الصحفية التي جمعت ١٧ صحفيا مصريا وأمريكيا بدعم من «مبادرة أوبن هاندز»، وهي مؤسسة غير حزبية وغير هادفة للربح، مقرها نيويورك.