«اقتناء وتدريب الكلاب».. واحدة من الهوايات التى أخذت موقعاً متميزاً بين الشباب، وتحوَّلت من هواية إلى تجارة، حيث صار المهتمون بها على تواصل دائم، طول الوقت، لمعرفة الجديد فى عالم الكلاب.. وصارت لديهم تجمعات للتعارف والبيع والشراء فيما بينهم، ووصل الأمر لإقامة معارض خاصة بما يمتلكونه من كلاب.
الدكتورة نهى أحمد واحدة من آلاف الذين استهوتهم تربية الكلاب، حيث بدأ شغفها بتربية الحيوانات منذ نعومة أظافرها حتى التحقت بكلية طب الأسنان، ثم تخرجت فى الجامعة وأصبحت صاحبة واحدة من كبرى مزارع الكلاب والحيوانات، مع ممارسة مهنة الطب التى واظبت على تأدية مهامها بالتوازى مع تربية الكلاب.
بدأ ارتباط نهى بتربية الكلاب بعدما عرض عليها صديقها شادى محمد مشروعا لتأسيس مزرعة للحيوانات تحت اسم «مزرعة يونس»، وهى الفكرة التى وافقت عليها فورا، لأسباب تبررها: «بسبب حبى للحيوانات والكلاب، والارتباط النفسى بين الحيوانات وشخصى منذ طفولتى. أجد فيهم أصدقاء أوفياء دوماً».
تحكى «نهى» عن أنشطة المزرعة التى تتشارك فيها مع صديقها: «نحن نستورد كلابا من الخارج أو نقوم بعملية تزاوج لهم، ونوفر الإقامات للكلاب، بمعنى أن هناك شخصا مسافرا فترة خارج مصر فنحن نسمح له بترك الكلب الخاص به والإقامة داخل المزرعة».
يتواجد داخل المزرعة كذلك كل التسهيلات التى تتيحها من أجل تهيئة الكلاب للمعيشة، كشخص مخصص لعمل قصات شعر مختلفة للكلاب، فضلاً عن المواد الغذائية والمستلزمات الطبية اللازمة للكلاب حال تعرضهم لمرض- وفقاً لنهى التى توضح: «معظم الكلاب التى تباع داخل المزرعة بأسعار تجارية، وتوجد هنا فى المزرعة زبائن من فرنسا والكويت وليبيا والسعودية ودبى، وذلك لأن أسعارنا تجارية بعكس الخارج التى يكون أقل سعر كلب 1000 دولار، وهناك عدد من المشاهير حريصون دوماً على اقتناء أفضل أنواع الكلاب كرانيا علوانى، بطلة السباحة، وفاضل طلعت زين، ومحمد فودة، بطل العالم فى كمال الأجسام».
لا يقتصر العمل داخل المزرعة على تدريب الكلاب فقط، بل تمتد كذلك لتدريب أصحاب الكلاب على التعامل معهم، والطرق اللازم اتباعها فى كل الحالات النفسية للكلب، توضح: «بدأنا كذلك نبيع بعض أنواع الكلاب فقط لطلب المخصوص لغرض الحراسة، مثل (البت بول) على سبيل المثال، وذلك يكون حماية للإنسان أو ممتلكاته، وهناك البعض بالفعل يستخدمه فى البلطجة ونحن ضد ذلك، وبالفعل نختار الشخص الذى نبيعه هذا النوع من الكلاب، بمعنى أننا لو شعرنا أنه سيعامل الكلب بالإساءة أو الحبس أو يستخدمه فى البلطجة بالقطع نرفض بيعه والموضوع لدينا ليس فقط مجرد ربح مالى وتجارة».
البعض يقوم أيضا بقطع أذن الكلاب لكى يكون شكلها أفضل وذلك ممنوع لدينا فى المزرعة، كما أنه لا يوجد نظام إعادة الكلاب بعد بيعها، فقد يكون انتقل له فيروس من كلب آخر»، وعن أنواع تطعيمات الكلاب تقول: «هناك التطعيم الثنائى والخماسى والثمانى وسعرها من 150 جنيها إلى 350، وهناك أيضًا تدريبات لكيفية معرفة إذا ما كان الكلب سليمًا أم يعانى من مرض ما».
تعمل نهى فى تجارة الجيرمن والبت بول.. ولكن «الروت وايلر لا أفضله بسبب مناعته الضعيفة».
وعن أسعار الكلاب تقول: «أعلى كلب المينى بومرينيان.. ويصل سعره عندى لـ18 ألف جنيه، بدون أوراق، و«تشاو تشاو» نفس السعر، ويصل سعره فى الخارج لضِعف هذا الثمن، وتلك الأنواع من الكلاب غالية الثمن لأنها غير موجودة فى مصر، أما أرخصها فيصل لـ2300 مثل الجولدن، أما الجيرمن فيباع بسعر يتراوح بين 6 - 10 آلاف جنيه، وأقل من ذلك لا أعمل فيه، لأن «تقليبه غير جيد». تميل نهى لفكرة أخرى غير التخلص من الكلاب البلدى بتسميمها أو قتلها أو حتى شحنها للخارج، وهى طرحها من جديد للتبنى، سواء داخل مصر أو خارجها، وتوضح: «توجد شعوب كثيرة فى بعض الدول تتمنى أن تتبنى الكلاب لدينا وهناك أفكار كثيرة لتلك الإشكالية وعلى سبيل المثال أن يتم تجميعها فى مزرعة وتدريبها على الحراسة، كما يوجد الكثير من الكلاب أنقذت حياة أناس كثيرين».
وتابعت: «ليس من حق أى أحد أن ينهى حياة حيوان إلا فى حالات معينة، مثل أن يكون الكلب مسعورًا»، وذلك لا يفرق بين كلب بلدى أو جيرمان مستورد، وبالتأكيد الكلب المسعور مصيره الموت، ولن يعترض أحد على قتل كلب أصيب بالسعار لتعرضه للعض من كلب آخر مصاب بفيروس ولم يأخذ تطعيما ضد السعار، ولكن دون ذلك يجب أن يكون لدينا الرفق بالحيوانات فى الشوارع، مضيفة أن الكلاب بعد إطعامها والرفق بها مستحيل أن تؤذيك.
وتحولت تربية الكلاب لأشبه بمشاريع تجارية تُدر أرباحاً كبيرة لأصحابها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كما رصد مُحرر «المصرى اليوم»، فى أكثر من منطقة شعبية بالقاهرة، حيث تنتشر محلات مُخصصة لبيع الكلاب، فضلاً عن مزارع غير مُرخصة لتربية الكلاب على الأطراف الحدودية للمدن.
ووفقاً لأحد كبار تجار الكلاب بوسط القاهرة، فإن انتشار المزارع غير المرخصة للكلاب مرتبط بالربح الكبير الذى يعود من ورائه، موضحاً أن أغلب تلك المزارع تعتمد بصورة رئيسية على الكلاب المستوردة وهى ذات جودة منخفضة، وأدت إلى تدمير الكثير من سلالات الكلاب المصرية.
ويضيف أن هذه المزارع تهدف لخلط الأنواع وإنتاج سلالات جديدة بجودة ونوعية أقل من السلالات الأصلية، مشيراً إلى أن هذه المزارع تبيع هذه الأنواع الرديئة بأسعار منخفضة، والتى تُستخدم غالباً فى الإيذاء المباشر أحيانًا.
ومسألة إنشاء مزرعة غير مرخصة للكلاب تخالف القانون رقم 38 لسنة 1967 وكذلك قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 بشأن التلوث السمعى والصحة العامة، علاوة على مخالفة القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن إدارة منشأة دون ترخيص.
وحسب قائمة الأسعار المنشورة بأحد محلات منطقة بولاق، فسعر الكلب الصغير أو الجرو، الذى لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مثلاً، يباع بنحو 500 جنيه، ويتراوح سعر الكلب «البوليسى»، أحد أغلى فصائل الكلاب بين 8 إلى 16 ألف جنيه، بينما يُقدر سعر السلالات الأخرى، مثل «رود فايلر لنحو 6 آلاف جنيه.
نتيجة لانتشار الكلاب الضالة اقترحت النائبة مارجريت عازر، وكيلة لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان، تصديرها لبعض الدول فى الخارج التى تستهويها أكلها ككوريا الجنوبية، وقالت عازر، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»: «لا يوجد أى قانون تقدم بشكل عملى فى مجلس النواب عن ذلك الأمر، والأمر لا يعدو كونه مناقشة مع وسائل الإعلام فى كيفية حل ظاهرة انتشار الكلاب الضالة».
وأضافت: «لا توجد حتى أى مشاريع تقدمنا بها فى مجلس النواب لحل تلك الظاهرة، وذلك الاقتراح كان بناء على شكوى لعدد من مواطنين بأن الكلاب الضالة تهدد أولادهم فى الشارع، واقترحنا أن الحل الوحيد أن نجمع الكلاب فى هنجر كبير ونستخدمها فى الحراسة ونحسن من الأداء الخاص بها لا أكثر ولا أقل، حتى فوجئنا بنشر تصريحات مغلوطة أننا نشرع لتصدير الكلاب فى الخارج».
وتسمح القوانين المصرية بتربية وامتلاك الكلاب دون عقوبة إلا فى حال ارتكاب جريمة، كما يشترط القانون أن يكون التجول بالكلب وهو مكمم ويحمل رخصة فى رقبته وبطاقة تلقيح من مرض السعار.
الدكتور زاهر محمد زاهر، أحد هؤلاء الذين استهوتهم تجارة الكلاب، وهو أستاذ قانون جنائى، وصاحب مزرعة للكلاب بالساحل الشمالى، يُشير إلى أن الاتجاه نحو تأسيس مزرعة مرتبط بكونها هواية أكثر منها تجارة ومكسبا وخسارة.
ويضيف: «أكثر أنواع الكلاب التى يكون عليها إقبال هى أنواع جديدة دخلت مصر وأصبحت منتشرة إلى حد كبير مثل سانت برنارد، والهاسكى البول ماستيف»، مشيراً إلى أن هناك إشكالية تواجه هذه الأنواع الجديدة فى الكلاب تكون فى الجو والمناخ فى مصر لاختلاف درجات الحرارة هنا عن أماكن نشأتهم.
يشرح ذلك: «الأنواع الروسى نشأت فى مناخ مختلف، لذلك نسبة الفقد فيها تكون كبيرة إذا جاءت مصر، لعدم تكيفها مع درجة الحرارة، فضلاً عن الطريقة الخاطئة فى التربية من جانب أصحاب المزارع والمتخصصين».
فى الأعوام الأخيرة، لاحظ «زاهر» من واقع متابعة حركة البيع والشراء للكلاب فى السوق المصرية عودة الناس من جديد لشراء أنواع الكلاب القديمة كالوولف والجريمن شيبرد.
وعن أفضل أنواع كلاب للحراسة، يقول: «الجيرمن أفضلها، لأنه كلب ذكى ويقوم بالحراسة بأوامر، حتى الجولدن أثبت فاعلية فى ذلك بالرغم أنه معروف بأنه كلب مدلل، إلا أنه يمتلك أقوى حاسة شم بوليسية، وأصبح فى العالم كله يستخدم من الشرطة فى الكشف عن المخدرات»، ويتابع: «الهاكسى أسوأ أنواع الكلاب وذلك بسبب أنه غير وفى بجانب أن مهمته الأساسية هى جر عربات الجليد، بمعنى أنه ليس من الكلاب التى تُقتنى».
يتجه بعض أصحاب المزارع لتربية نوعيات محددة من الكلاب لارتفاع مكاسبها مقارنة بالفصائل الأخرى، وفقاً لزاهر، الذى يوضح أن هذه النوعيات هى «البت بول والرود؛ كونها نوعيات كلاب (مخلقة) وهى مطلوبة فقط بسبب شراستها ونسبة ذكائها محدودة ومعظمها تستخدم فقط فى البلطجة واستعراض القوة» وهناك أنواع كلاب أقوى منها من الأساس وأكثر شراسة ولكن لديها ذكاء.
ويرى زاهر أن الكلاب البلدى ضررها أكثر من نفعها ومؤذية وغير مُطَعَّمة، والكلب الذكى مستحيل أن يؤذى بنى آدم، مشيراً إلى أن لديه كلبا «وولف» يتمتع بشراسة كبيرة جداً، ومع ذلك لا يؤذى أحدًا، ويلعب مع الأطفال، والكلب الذكى هو الذى تستطيع أن تقوده أما غير ذلك ليس له أمان، والأنواع هى التى تحدد، والبلدى قد يكون مطيعا ولكن ليس لديه نسبة ذكاء عالية.
ويُكمل أنه مع أى خطوة للسيطرة على الكلاب البلدى المنتشرة فى الشوارع بأعداد كبيرة أو التى يلجأ لها مربون من أصحاب المزارع، لاعتبارات تتعلق بمخاطرها بعد ذلك، سواء فى حجم الأذى الذى تتسبب فيه أو الأمراض، كون أغلبها حاملا لها.
وفقاً لدينا ذو الفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان، فإن مصر تشهد ازدهارا للمتاجرة فى الكلاب بعيدة عن استخداماتها الأساسية كالحماية والدفاع عن النفس، موضحة أن تلك الاستخدامات غير المشروعة تتمثل فى استخدامها فى حلقات مصارعة بالمناطق الشعبية مقابل الحصول على مواد مخدرة، فضلاً عن حقنها بمواد طبية غير سليمة فى ظل غياب إشراف الجهات المعنية بهذا الأمر من أجل منحها شراسة أكثر.
وتضيف أن غياب الإشراف الحكومى على مزارع الكلاب غير المرخصة أدت إلى انتشار للكلاب المحلية وهى أقل عدوانية وأكثر تعايشا مع البيئة، وكذلك السلالات النادرة كـ«الأرمنت» و«المنعانى» وهى من أندر سلالات الكلاب وأغلاها ثمناً.
وجه آخر لتجارة الكلاب، يتمثل فى انتشار مدارس تدريب الكلاب، حتى وصل عدد أكاديميات التدريب إلى 6 مدارس خاصة داخل مصر، وعلى مدار العامين الأخيرين، انتشرت المدارس المخصصة لتدريب الكلاب، والتى تقدم جميع الخدمات التى تهتم بتدريب كل الأنواع على أداء المهام المختلفة كتدريبهم على الطاعة والشراسة للمستويات المبتدئة والمتقدمة حسب رغبة المتقدم.
وتنتشر هذه الأكاديميات داخل القاهرة والإسكندرية بأسعار تتراوح بين 6000 و10000 جنيه للكلب الواحد، حيث تتمثل مهام هذه الأكاديميات فى تدريب الكلاب على بعض التدريبات، وإطاعة أوامر صاحبه، فضلاً عن تهجين بعض هذه الكلاب بمواد تعمل على زيادة الميول العدوانية والهجومية.
وحسب الموقع الرسمى لدليل العيادة البيطرية، أن أبرز المدارس الست لتدريب الكلاب فى مصر: CAIRO DOG TRAINING K9 فى القاهرة، ومدرسة تدريب الكلاب بالإسكندرية DOG TRAINING IN ALEXANDRIA، بالإضافة لأكاديمية دوجز آند مور بحى مصر الجديدة، ومدرسة Africano Total Solution k9 فى 6 أكتوبر، وأيضاً مدرسة شوتز دوجز لتدريب الكلاب، وهو مركز متخصص فى استضافة الكلاب فى مصر.
وأسس ياسر إدريس، 44 عاماً، الحاصل على شهادة فى تدريب الكلاب، مدرسة لتدريب واستضافة الكلاب بالاشتراك مع اثنين من أصدقائه، كمشروع استثمارى ينطلقون منه من حبهم وتخصصهم فى تدريب الكلاب.
يقول ياسر: «مهمتنا فى المدرسة تتمثل فى تعليم أصحاب الكلاب كيفية التعامل مع كلبهم بحيث يتحول الأخير لصديق وفى له»، موضحاً أن من تقع عليه المسؤولية الأكبر هو صاحب الكلب؛ فهو الطرف الذى ينبغى أن يتفهم الكلب، وتوجيهه، حتى لا يتعرض لأى أذى مهما حصل من الكلب. تتبع أغلب المدارس التدريبية للكلاب فى مصر نظامًا تدريبيًا تحفيزيًا يركّز على مكافأة الكلب عند اتباعه التعليمات، وفقاً لياسر، الذى يضيف كذلك أن برنامج التدريب ليس واحداً بالنسبة لجميع الكلاب، فهو يتوقّف على طبيعة الكلب وحاجاته من جهة، وعلى متطلبات صاحبه من جهةٍ أخرى.
ويُكمل: «إذا كان الهدف من التدريب هو طاعة الكلب لصاحبه والمهارات التقليدية كالوقوف والجلوس فتصل فترة التدريب فى الغالب لنحو شهر فى الأغلب، أما إذا كان التدريب يشمل الحراسة والحماية فيصل لنحو سنة، وفى بعض الأوقات يصل لسنتين».
ويختتم: «الأهم من كل ذلك هو قدرة المدرب على التعرف على دوافع الكلب، وتفهم احتياجاته الأساسية لمعرفة الكيفية الواجبة لمكافأته، وأن الاحتياجات النفسية للكلب تختلف من كلب لآخر، وأن وضع نظام تدريبى ثابت مع كل كلب هو خطأ كبير قد يؤدى إلى نتائج عكسية».