أكّدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، الثلاثاء، أنّ المفاوضين الأوروبيين والبريطانيين يواصلون العمل من دون توقّف من أجل التوصّل لاتّفاق الخروج من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، لكنّها شدّدت على أنّ الاتّفاق «لن يكون بأى ثمن».
ونقل مكتب ماى عن رئيسة الوزراء قولها خلال استقبالها مسؤولى القطاع المالى في لندن إنّ «مفاوضات خروجنا من الاتّحاد الأوروبى أصبحت في مراحلها الأخيرة»، وأضافت: «نحن نعمل بجهد كبير من أجل تحقيق تقدّم في المسائل التي لا تزال عالقة في اتّفاق الخروج»، مؤكّدة أنّ هذه المفاوضات على قدر كبير من الصعوبة، وتابعت أنّ «الطرفين يريدان التوصّل لاتفاق، لكن ما نتفاوض عليه صعب للغاية، أنا لا أنكر ذلك»، مضيفة: «لن أساوم على ما صوّت من أجله الشعب في الاستفتاء، لن يحصل اتّفاق بأى ثمن».
ومنذ أيام تبذل بريطانيا جهوداً كبيرة من أجل التوصّل لاتفاق ينظّم خروجها من الاتحاد الأوروبى على أمل أن يتمكّن قادة التكتل من المصادقة على هذا الاتّفاق خلال القمة الأوروبية في نوفمبر الجارى، وحال فشل التوصل إلى اتفاق ينتظر الطرفان عقد قمة في منتصف ديسمبر المقبل، بما يقلّص المهلة الزمنية المتاحة لرئيسة الوزراء البريطانية من أجل تمرير الاتفاق في مجلس العموم المنقسم، قبل دخول بريكست حيّز التنفيذ في 29 مارس 2019.
لكنّ المفاوضات لا تزال عالقة عند كيفية إبقاء الحدود مفتوحة بين أيرلندا الشمالية، المقاطعة التابعة للمملكة المتحدة، وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبى، ويحتجّ المشكّكون بالوحدة الأوروبية في حزب المحافظين الذي تقوده ماى على طريقة إدارتها لملف «بريكست»، ويعربون عن خشيتهم من أن تضطرّ بسبب ضيق الوقت إلى تقديم تنازلات في المفاوضات.
وقالت ماى: «لا تدور محادثات بريكست حول شخصى أو ثروتى الشخصية، إنها تتناول المصلحة الوطنية وهذا يعنى اتّخاذ ما اعتبره قرارات صحيحة وليس قرارات سهلة»، وشدّدت على أنّ «الغالبية الساحقة من الشعب البريطانى تريدنا أن نمضى قدماً في تنفيذ بريكست وأنا مصمّمة على أن أحقّق لهم ذلك»، وإذ أشارت إلى الوعود التي قُطعت في استفتاء 2016 قالت ماى إنّ أي اتفاق يجب أن يضمن «استعادة بريطانيا سلطتها على قوانينها وحدودها وأموالها»، وأضافت أنّ بريكست يجب أن يسمح لبريطانيا بعقد اتفاقات تجارية مستقلّة، وحماية الوظائف وأمن بريطانيا ووحدة المملكة المتّحدة المؤلّفة من أربعة أقاليم هي إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية.
وأطلق الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بشأن «بريكست»، موجة جديدة من المعارضة الداخلية لخطط رئيسة الوزراء البريطانية، وتعقدت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق بسبب الحاجة إلى إرضاء المتشددين في حزب المحافظين بزعامة ماى وحلفائها في أيرلندا الشمالية المتحفزين لأى مؤشر على أي تسوية، ووقع نائب من حزب المحافظين يدعم بريكست وعضو من الحزب الديمقراطى الاتحادى رسالة مشتركة، طالبا فيها عدم تقديم أي تنازلات عن وضع أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة.
واشتدت المعارضة لبريكست بعد استقالة وزير الدولة لشؤون النقل المؤيد لأوروبا، جو جونسون، الذي دعا إلى إجراء استفتاء ثان، وقال إن الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه مع بروكسل يعد «خطأ فادحا»، وانضم جونسون إلى العديد من المحافظين الذين يرغبون في البقاء في الاتحاد الأوروبى في دعوة زملائهم النواب إلى التصويت ضد الخطة.
وبدوره، أطلق وزير المساعدات، بينى موردونت، غير المؤيد للاتحاد الأوروبى الذي لديه تحفظات إزاء اتفاق بريكست، تحذيرا بقوله إن الوزراء «سيتحققون» من الاتفاق بشأن بريكست، وتعنى الانقسامات في صفوف المحافظين أنه من المرجح أن تعتمد ماى على أصوات حزب العمال المعارض لتمرير الاتفاق رغم تهديدات الحزب برفض بريكست، ودعت ماى النواب إلى «التصرف بما يخدم المصلحة الوطنية»، ويمكن للتصويت ضد الاتفاق أن يؤدى إلى أزمة سياسية تجبر ماى على الخروج من الحكومة وربما إجراء انتخابات عامة جديدة، ويأمل آخرون في أن يؤدى اجراء استفتاء جديد على بريكست إلى عكس العملية بأكملها، أو أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق مخاطرة بحدوث فوضى قانونية واقتصادية.
وبدعم من 10 نواب من الحزب الديمقراطى الوحدوى في أيرلندا الشمالية، يحظى المحافظون بغالبية ضئيلة في مجلس العموم المؤلف من 650 مقعدا، إلا أن النواب المحافظين المناهضين للاتحاد الأوروبى يقودهم جاكوب ريس- موج ووزير الخارجية السابق، بوريس جونسون، هم أكثر من ينتقد نهج ماى، ويدعم نحو 50 نائبا مجموعة «ستاند آب فور بريكست» التي تعارض خطة ماى بالإبقاء على علاقات اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبى في المستقبل. وتشير التوقعات إلى أن من 30 إلى 40 نائبا متشدداً يمكن أن يصوتوا ضد اتفاق بريكست، ويعتقدون أن بريطانيا ستكون بحال أفضل إن خرجت من الاتحاد الأوروبى بدون اتفاق. ويقول حزب العمال أن خطة الطلاق من أوروبا لا تلبى التوقعات، ويلمح إلى أنه سيرفضها، ويتطلع إلى إجراء انتخابات محتملة يمكن أن يفوز من خلالها بالسلطة.
وكان ميشال بارنييه، كبير مفاوضى الاتحاد الأوروبى حول بريكست، أكد الإثنين، في بروكسل أنه «لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق حول بريكست رغم جهود مكثفة»، وقال مجلس الاتحاد الأوروبى في بيان إن «بعض المسائل الأساسية لا تزال موضع نقاش وفى طليعتها تسوية تحول دون قيام حدود فعلية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية» ويتوقع الأوروبيون مقترحا جديدا واضحا من لندن.