«هُناك من يعتقد أن الرجال المصابين بمس الكرة الشيطاني، يطلقون الزبد من بين أسنانهم، ويجب الاعتراف بأنهم يصورون بهذا الشكل، فإن العنف الذي يحدث في كرة القدم لا يأتي في أغلب الحالات من كرة القدم نفسها، تمامًا مثلما يدركون أن الدموع لا تأتي من المناديل».. إحدى مقولات الأديب والصحاقي الأوروغواياني، إدواردو غاليانو.
مساء الجمعة، استعَد علي الجيوشي، 39 سنة، سائق تاكسي، لمُشاهدة مبارة الأهلي والترجي التونسي، التي أُقيمت بإستاد رادس في إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا، أنهى عملُه وتركَ أسرته الصغيرة المُحبة لكرة القدم، والنادي الأهلي، ارتدى التيشرت الأحمر وذهب ليُشاهد المباراة ضمنْ أجواء حماسيّة، داخل أحد مقاهي حي بشتيل، القريب من الجيزة.
كانت الأجواء موتّرة وحماسية، إذ قالت الأخبار المتداولة حينها إن بعثة الأهلي تعرَضت لهجوم من جانب جماهير الترجي، والتي ألقت الحجارة على حافلة المارد الأحمر، خلال دخولها ملعب رادس ما تسبّب في جرح قطعي في رأس هشام محمد، لاعب الفريق الذى سافر لدعم زملاؤه بعد خروجه من القائمة للإصابة استلزم خياطة بـ8 غُرز .
«إنني أحب الأهداف إلى حدّ الوجع»، مقولة قديمة لأحد مشجعي كرة القدم، وكان يطبّقها «علي»، ففي كل دقيقة، كان يُتمتم دعوات كي يفوز فريقه الأفضل، طوال 93 دقيقة، وبمرور الوقت، بدأ العرق الغزير يغمُر وجهه، مع أول جول حققه فريق الترجي التونسي في الدقيقة 45، توالت بعد ذلك الأهداف، وفقد المُشجع الأهلاوي أمله في الفوز.
عقب هزيمة الأهلي، تركَ «علي» المقهى وعاد إلى البيت حزينًا، وفور العودة، سألهُ والده: «مالك يا علي؟»، حسبما تقول ياسمين، ابنة عمه، وتُضيف أن «علي» قال لوالده إنه أُصيب بالحزن عقب خسارة فريق الأهلي، ساندُه والده حينها، مشجع الأهلي القديم أيضًا، تجاوب معه «علي» ثم أخبُره: «حاسس إني سقعان. هنام شوية، يمكن أقوم كويس».
«يوم ما أبطّل أشجع، هكون ميت أكيد».. ذهب «علي» إلى غرفته، كي يستريح قليلاً بعد هزيمة الأهلي، لكنه لم يستيقظ، حاولت زوجته أن توقظه، لكن بلا فائدة، «مراته سمعته بيكُح، جسمه اتنقض، وقع من السرير، جابوا الإسعاف، لكن السر الإلهي طلع»، يقول محمد، أحد أقاربه، ثم يضيف: «علي مكنش بيعاني من أمراض، كان بيحب الأهلي بجنون (على الحلوة والمُرة معاه)».
«تعدّدت الأسباب والموت واحد»، جملةٌ يقولها أقارب «علي» لمن يسأل عن سبب وفاة الشاب الثلاثيني، لكن الجميع يعرف أن الحُزن التهمه بسبب خسارة الأهلي، حتى توّفى، إذ تشرح «ياسمين»، أن عائلة الفقيد تُحب الأهلي، لدرجة الموت، الأمر الذي قد يعتبرهُ البعض «أمور تافهة»، إذ تعرّض والده للإصابة ببوادر جلطة من قبل، بسبب حزنه على خسارة الأهلي ذات مرة.
وتُضيف «ياسمين» بنبرة حزينة: «كل بني آدم ليه حاجات بيحبّها، وبتاخُد جزء من روحه، مينفعش أزايد على مشجع كرة. مفيش بني آدم هيختار يموت بسبب الكرة».
في كتابه، «الكرة بين الشمس والظلّ»، يقول إدواردو غاليانو:
النادي هو الهوية الشخصيّة الوحيدة التي يؤمن بها المشجع، في أحيان كثيرة، يجسّد القميص والنشيد والراية تقاليد حميمة جدًا، يجرى التعبير عنها في ملاعب كرة القدم، لكنها تأتي من أعماق تاريخ الجماعة البشرية، فنادي برشلونة مثلاً بالنسبة إلى الكتالنيين ھو «أكثر من ٍ ناد»: إنه رمز لنضال طويل من أجل تأكيد الھوية الوطنية فـي مواجھة المركزية المدريدية.
«تدور الكرة، والعالم يدور، يُعتقد بأن الشمس هي كرة مشتعلة، تعمل خلال النهار وتتقافز في الليل هُناك في السماء، بينما القمر يعمل، مع أن للعلم شكوكه في هذا الشأن، لكن الأمر المؤكد بالمقابل، أن العالم يدور حول الكرة التي تدور».