رغم انتهاء فعاليات مهرجان «كان» السينمائى الدولى قبل ثلاثة أيام، لا تزال أصداء جوائز الدورة الرابعة والستين من المهرجان- الأشهر بالنسبة للسينما العالمية وفى أوروبا- تتصدر اهتمامات وسائل الإعلام الفنية وتشغل الوسط السينمائى فى العالم، ولا حديث إلا عن عودة السينما الأمريكية للسيطرة على المهرجان، بعد سنوات من الغياب عن الفوز بتلك الجائزة المهمة، هذه السيطرة التى تجلت بداية من فوز المخرج الأمريكى «تيرانس ماليك» بالسعفة الذهبية، وصولاً إلى اختيار مواطنته «كريستين دانست» كأفضل ممثلة، وهى الجائزة التى حملت كثيراً من الشبهات حولها.
بداية تفوق «ماليك» على عدد من كبار المخرجين ممن شاركوا فى دورة هذا العام، ومنهم الإسبانى «بيدرو ألمودوفار»، الذى نافس بفيلم «الجلد الذى أعيش فيه» بطولة «أنطونيو بانديراس»، ومعروف عن «ألمودوفار» مشاركاته وتواجده المستمرين فى المهرجان طوال الدورات السابقة، كما حصل على جائزة الإخراج عام 1999 عن فيلم «كل شىء عن أمى»، وجائزة السيناريو عن فيلم «فولفر» 2006، أيضا المخرجان البلجيكيان «جان لوك وبيير داردين» اللذان نافسا بفيلم «الصبى ذو الدراجة»، والفرنسى «ميشيل هازانفيكوس» عن فيلم «الفنان».
ويعد «شجرة الحياة» هو خامس فيلم للمخرج «تيرانس ماليك» طوال 40 عاما من مشواره الفنى، وأول عودة من المخرج للمشاركة فى «كان» منذ أن حصل على جائزة الإخراج عن فيلمه «أيام فى الجنة» عام 1979، وكان من المقرر مشاركة الفيلم فى دورة المهرجان العام الماضى، إلا أن عدم اكتمال نسخة الفيلم حال دون رغبة إدارة المهرجان فى عرضه فى الدورة الـ63، وتدور أحداث الفيلم حول منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، ويلعب بطولته «براد بت». وفى حين اعتبر معظم النقاد المتابعين للمهرجان فوز «ماليك» بالجائزة مستحقا، نظرا للمستوى الجيد للفيلم، وانتقد آخرون فوز «كريستين دانست» بجائزة أفضل ممثلة عن «ميلانخوليا» مجاملة من لجنة التحكيم التى رأسها الممثل والمنتج الأمريكى «روبرت دى نيرو»، كما ضمت فى عضويتها كلاً من الممثلين الأمريكيين «أوما ثورمان» و«جود لو»، وهو الذى دفع بالشبهات نحو الجائزة، خاصة أن كثيراً من النقاد رأوا أن «دانست» لم تكن الأفضل بين ممثلات أفلام المسابقة الرسمية لهذه الدورة، وكانت المؤشرات حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان الجوائز تشير إلى احتمال فوز الممثلة «بيرنيس بيجو» عن فيلم «الفنان» بالجائزة، إضافة إلى التوقعات بعدم منح أى جائزة لفيلم «ميلانخوليا» بعد التصريحات المثيرة للجدل التى جاءت على لسان مخرجه الدنماركى «لارس فون ترير» حول تعاطفه مع قائد النازية «أدولف هتلر» خلال مؤتمر صحفى للفيلم، الأربعاء قبل الماضى، والتى أثارت لغطاً كبيراً واحتجاجات من الجالية اليهودية الأمريكية فى فرنسا واتهامات لـ«ترير» بمعاداة السامية، ودفعت إدارة المهرجان لطرده واعتباره «شخصاً غير مرغوب فيه»، رغم اعتذار المخرج عما قاله وتأكيده أنه كان على سبيل المزاح!، وعدم حضوره حفل ختام المهرجان أو تسلمه أى جائزة فى حال فوز فيلمه بها، والذى استمر فى المنافسة رغم طرد «ترير»، إلا أن بعض المحللين رأوا فوز «كريستين دانست» بطلة فيلم «ترير» بجائزة أفضل ممثلة، رغم أنها لم تكن الأفضل بين منافساتها هذه الدورة، لمجرد إثبات حسن النوايا من قبل إدارة المهرجان، وعدم وجود أى سيطرة يهودية أو أهواء سياسية على سياسات المهرجان وأنها لا تعاقب أسرة الفيلم، بل عاقبت مخرجه فقط، لأنه حول المهرجان إلى ساحة أو منتدى، لمناقشة مثل هذه الموضوعات (اليهودية والنازية) وهو التبرير الذى ساقته الإدارة فى بيانها الصادر الأسبوع الماضى عقب رفضها استمرار «ترير» فى المشاركة فى الفعاليات، رغم العلاقة الطيبة التى طالما ربطت بين إدارة المهرجان و«ترير»، الحاصل على السعفة الذهبية عام 2000 عن فيلمه «راقصة فى الظلام».