x

«المصري اليوم« في «دبلن».. المدينة الأكثر تضررًا من «بريكست»

أيرلندا في انتظار توابع «الطلاق البريطاني الأوروبي»
الأربعاء 07-11-2018 17:07 | كتب: مي هشام |
مخاوف فى أيرلندا من السيناريوهات المتوقعة بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى مخاوف فى أيرلندا من السيناريوهات المتوقعة بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى تصوير : آخرون

فى الثالث والعشرين من يوليو 2016 صوّت 52% من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبّى أو ما عُرف بـ «بريكست»، التصويت الذى لم يكُن مفهومًا عالميًا بشكل واسع إلا لمن تابعوا جذوره من البداية ودور جماعات الضغط والوعود الانتخابية فى الوصول إليه. بطبيعة الحال كون المملكة المتحدة أحد أهم مراكز الثقل فى اقتصاد الاتحاد الأورُوبّى، قفز «بريكست» على مدار العامين الماضيين لقائمة اهتمامات شعوب الدول الأعضاء فى الاتحاد، ليسيطر على انطباعاتهم إما الترقب الحذر لما قد يسفر عنه من ظلال سلبية على اقتصادياتهم اليومية، أو التعجُب من التصويت الإنجليزى لصالح الخروج من جنة الاتحاد الأوروبى والسوق الأوروبية، فيما يُعد الشعب الأيرلندى الأكثر اهتمامًا بين دول الاتحاد الأوروبى، حيث يرشح المراقبون الاقتصاد الأيرلندى أن يكون الأكثر تأثرًا بويلات الخروج من الاتحاد الأوروبى، رغم حقيقة أن أيرلندا ستبقى فى الاتحاد، حتى أكثر من المملكة المتحدة نفسها.

يلعب تاريخ أيرلندا وموقعها الجغرافى الدور الأكبر فى المأزق الواقعة فيه، حيث تتشارك جمهورية أيرلندا مع أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة الجزيرة الأيرلندية التى عم السلام فيها أخيرًا عام 1998 بعد نزاع دموى دام منذ الستينيات على خلفية «اتفاق الجمعة العظيمة». فى أيرلندا، يكاد يكون بريكست وتوابعه الحديث الرئيسى على كل مائدة، وفى المواصلات العامة، وحتى المقاصد السياحية، ففى حين قد لا يلاحظ المسافر من دبلن بجمهورية أيرلندا إلى بلفاست بأيرلندا الشمالية بالسيارة يجد أنه عبر الحدود، سوى أن لافتات المسافات فى أيرلندا تقدّر بالكيلومترات، بينما تقدّر فى المملكة المتحدة- أيرلندا الشمالية- بالأميال، يمثل هاجس «الحدود الصعبة»، الهلع الأيرلندى الأساسى من مسألة بريكست.

سوّت الجمعة العظيمة أيضًا العديد من بنود العلاقة داخل الجزيرة الأيرلندية، وأثمرت عن تبادل تجارى كثيف بين أيرلندا والمملكة المتحدة، يقدره تقرير أعدته وزارة الخارجية والتجارة الأيرلندية مؤخرًا بـ1،2 مليار يورو أسبوعيًا، وتترقب الحكومة الأيرلندية فقدان القسم الأكبر منه، إذا انتهت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة، والمعروفة بمفاوضات المادة 50، إلى لا شىء بانتهاء العامين المقررين لها فى مارس المُقبل، وخروج المملكة المتحدة بلا اتفاق مع الاتحاد الأوروبى ومن الاتحاد الجمركى بدوره، مهددة الاقتصاد الأيرلندى بتوابع مريرة كتوابع الأزمة المالية العالمية فى 2008، التى أودت بالنهضة الاقتصادية التى بدأتها أيرلندا فى التسعينيات، معتمدةً فى جوهرها على الشركات متعددة الجنسيات التى تعمل فى أيرلندا.

يؤرخ البروفيسور كيران كين، الباحث فى معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية الأيرلندى، أثناء حديثه لـ «المصرى اليوم»، لهذه الحقبة التى أطلق على الاقتصاد الأيرلندى فيها «النمر السلتى»، فى تشبيه لاقتصاد النمور الآسيوية، قائلا: «خلال هذه الحقبة، شهدت أيرلندا تطورًا سريعًا إلى اقتصاد متقدم، والذى كان من توابعه التحول من البطالة إلى طلب مرتفع على التوظيف، ومن الهجرة إلى استقبال العمالة من الخارج»، وكنتيجة لتواصل اعتماد الاقتصاد الأيرلندى على الشركات متعددة الجنسيات فى هذه المرحلة، وحتى بعد الأزمة المالية العالمية وإلى الآن، استحدثت مراكز الإحصاء قياسًا موازيًا للناتج المحلى الإجمالى عُرف بـ«الدخل القومى الإجمالى»، منذ عام 2015، لاستبعاد نشاط الشركات متعددة الجنسيات من المعادلة الاقتصادية.

فى قلب العاصمة دبلن، تعمل مؤسستان هما: إنتربرايز أيرلندا، وبورد بيا، على دعم الاقتصاد الأيرلندى للتعافى من آثار بريكست، والاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم المستثمرين المحليين، مقابل الشركات متعددة الجنسيات، التى تمنح الاقتصاد الأيرلندى ألقه الأوروبى ومعدل نموه السنوى الاستثنائى والأكثر نشاطًا فى منطقة اليورو.

تأسست هيئة إنتربرايز أيرلندا فى عام 1998، لهدف أساسى، وهو دعم الشركات الأيرلندية الصغيرة على التصدير والعمل بالخارج، والانفتاح على العالم، الهدف الذى أصبح أكثر إلحاحًا مؤخرًا بدنو موعِد خروج المملكة المتُحدة من الاتحاد الأوروبى، الحليفة الاقتصادية الكبرى لأيرلندا داخل الاتحاد، وفق بيتر جاكسون، كبير استشاريى إنتربرايز فى أفريقيا والشرق الأوسط، الذى يشرح آلية عمل إنتربرايز قائلاً: «لدينا 32 مكتبًا حول العالم لإنتربرايز، تعمل إما خارج السفارات، أو من داخلها، نوفر للمستثمر الأيرلندى الصغير المشورة عبر 170 استشاريًا متخصصًا، لاختراق الأسواق العالمية، كما نضع أموالاً فى هذه المشروعات لإنجاحها».

وعن مدى نجاح هذه الاستراتيجية فى دعم صغار المستثمرين الأيرلنديين، يقول جاكسون إن الصادرات الأيرلندية فى عام 2017 دُعمت بفضل إنتربرايز أيرلندا بمقدار 22،71 مليار يورو، مؤكدًا أن سياسة الانفتاح تلك شملت قطاعات غير مسبوقة فى الفترة الأخيرة، منها: الصناعات الغذائية والصناعات الدوائية، والمعاملات المصرفية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، أكثر القطاعات التى تشهد تعاونًا مع الجانب المصرى، ويستشهد فيها بالشراكة بين جامعة فاروس وجامعة دبلن مؤخرًا، فضلاً عن قطاع الصناعات الدوائية، حيث يرى أنهما يؤهلان بشكل جيد لاستئناف العلاقات مع مصر، بعد قطيعة دامت لسنوات على خلفية حظر الاستيراد بسبب انتشار وباء جنون البقر فى التسعينيات.

«دار التفكير».. بهاتين الكلمتين تستقبلك القاعة الأولى بمقر بورد بيا، أو وكالة دعم الفلاحة والصناعات الغذائية فى أيرلندا، فى داخل هذا القاعة تقابل أول ما تقابل المكتبة التى تشتمل على غالبية المراجع المتعلقة بالنظم الزراعية والرعى والتسويق، وكل ما قد يحتاج إليه المزارع من معرفة لإنجاح مشروعه، وفيما تتسم المكتبة بهدوء نسبى، يسيطر مزيد من الحماس والجلبة على القاعات المجاورة، وفى مقدمتها معمل صياغة العلامات التجارية وتصميم الأغلفة للمنتجات الغذائية الذى تشرح كلوديا صاوميل، مسؤولة أفريقيا ببورد بيا، آلية العمل فيه ودورية استخدامه قائلة: «كل يوم هنا لدينا إشغال فى هذه القاعات ببورد بيا، فى هذه القاعة يأتى صاحب المنتج وفى رأسه بعض الأفكار بخصوص تسويق منتجه، ويخرج ومعه علامة تجارية لمنتجه عن طريق التواصل مع شركائه ومع استشاريى بورد بيا المتخصصين، كإحدى خدمات الوكالة المجانية».

وفق كلوديا، أسست بورد بيا عام 1994، ككيان تابع لوزارة الزراعة الأيرلندية، لمساعدة صناعات الغذاء والمشروبات الصغيرة على تحسين منتجاتهم لترويجها عالميًا ومحليًا، ومنذ ذلك الحين افتتحت بورد بيا 14 مكتب إقليمى لمساعدة الشركات على التصدير، وتدبُر أمورهم فى الأسواق العالمية، مؤكدةً أن هذا الأمر سيساعدهم على اجتياز بريكست بشكل جيد «فى البداية كان الاعتماد الأكبر على التصدير للمملكة المتحدة وأوروبا، الآن لدينا أسواق كبيرة فى الصين خصوصًا، والولايات المتحدة، تليها أفريقيا، التى تُعد مصر إحدى أولويات الاستهداف والتعاون فيها».

الجهد البحثى هو واحد من الأدوار التى تُمارسها بورد بيا لدعم الزراعة والصناعات الغذائية فى أيرلندا، وتأهيلها للتصدير، ومن ذلك مشروع «أوريجين جرين»، أو الأصل الأخضر، والذى يتم تطبيقه فى أيرلندا منذ 6 سنوات، ويقول مارتن وافلر، مسؤول المشروع، أنه رغم امتلاك أيرلندا لكثير من إمكانيات الاستدامة إلا أننا وجدنا أننا بحاجة يكون لدينا مشروع يضمن لنا الاستدامة بشكل إحصائى، ويتكون من الحكومة وشركات الغذاء والمزارعين أنفسهم.

«يعمل أوريجين جرين على بحث 3 مستويات: المزرعة، والمصنع، ومكان العرض، بهدف إصدار نظام إحصائى للمستهلك عن المزارع الأكثر تطبيقًا لمعايير الاستدامة وفى مقدمتها رفاهية الماشية والحفاظ على البيئة وسلامة الغذاء»، يقول وافلر، فيما يؤكد أن المبادرة ببساطة مبادرة للحفاظ على الموارد، فيما تساعد المزارع والشركات على سمعة جيدة لدى المستهلكين، وأيرلندا عمومًا على التوسع عالميًا فى التصدير، ولذلك وبالرغم من أن المبادرة مسار تطوعى للمزارع والشركات، إلا أن 5 آلاف شركة أيرلندية تعمل مع المبادرة منها شركات كبيرة، وشركات صغيرة جدًا، جميعها تسعى لبناء مصداقية علمية مبنية على الإحصاء.

من ناحية أخرى، يشرح ديفيد باتلر، مدير مشروع «الأنظمة الغذائية المستدامة فى أيرلندا»، استراتيجية أخرى لهذه الوكالات الحكومية: إنتربرايز أيرلندا، وبورد بيا، فى فتح أسواق جديدة حول العالم وتحقيق المزيد من الانفتاح خارج أوروبا، فيقول «عام 1950 بدأت أيرلندا تحويل بوصلتها الاستثمارية، واكتشفنا أننا للأسف فوتنا الثورة الصناعية وأردنا تداركها، عن طريق التصدير أولا، والعثور على استثمارات من الخارج مباشرة كوسيلة لجلب التكنولوجيا التى فوتناها».

«بحلول 2014، وجدنا أنه ما زال هناك شىء ناقص، فهناك بعض الدول التى أردنا أن نفتح معها خطا عاما للتعاون، ففيما نصنّف كأولى الدول فى سلامة الغذاء فى العالم، أسسنا جهة صغيرة لتوصيل الدعم والمساعدة الفنية للعالم».. يستطرد باتلر، فيما يمثّل لنوعية الاستشارات تلك والتى تكون أحيانًا على مستوى حكومى مع شركات كبرى، أو حكومى حكومى كما هو الحال مع مصر، حيث يتواصل ممثلو المشروع مع وزارة الزراعة المصرية لتطوير إنتاجية الأبقار والإبقاء على خصوبتها فى نفس الوقت، عن طريق الهندسة الوراثية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية