x

«المصرى اليوم» فى قلب بيشاور.. المدينة التى تدفع ثمن اغتيال «بن لادن»

الثلاثاء 24-05-2011 18:58 | كتب: علي زلط |
تصوير : رويترز


الموت فى بيشاور دون ثمن. يصبح الناس ويمسون على صوت انفجار، يهرعون لمكان الحادث ليجدوا أن الضحايا باكستانيون، وليسوا أمريكيين، فمنذ أعلنت طالبان حربها على حكومة إسلام آباد لوقوفها مع الأمريكيين فى مواجهة القاعدة، والمقار الحكومية ومراكز الشرطة وعناصرها صارت أهدافاً للحركة، وراح ضحية هذه الحرب 4 آلاف منتسب للجيش والشرطة الباكستانية، ولايزال نزيف الخسائر يتصاعد.


تاريخ ارتباط التنظيمات الجهادية العربية بمدينة بيشاور الحدودية يعود إلى ثمانينيات القرن الماضى، يقول جمال إسماعيل، الصحفى الفلسطينى المقيم فى باكستان، إن البداية كانت مع نفير ما كان يسمى بالمجاهدين العرب إلى جوار إخوانهم الأفغان فى حربهم ضد الغزو الروسى لأفغانستان، أسس الشيخ عبدالله عزام فى بيشاور عام 1986 مكتب خدمات المجاهدين، وبالتوازى معه أسس بن لادن بيت الأنصار، وكان قاعدة لاستقبال العرب قبل إرسالهم إلى ساحات القتال فى ولايات ننجرهار وكونار وجارديز الأفغانية المجاورة.


ويضيف إسماعيل، الخبير فى شؤون تنظيم القاعدة، والذى قابل بن لادن مرتين فى لقاءات صحفية، أن بيشاور ظلت مأوى للعرب حتى بعد سقوط حكومة نجيب الله الموالية لموسكو، ومع سيطرة طالبان على كابول وأغلب أفغانستان عام 2000 وإعلانها التحالف مع أسامة بن لادن، بدأ العرب يغادرونها عبر معبر طورخم الحدودى إلى أفغانستان، حيث أسس بن لادن معسكرات لتنظيم القاعدة فى جلال آباد وغيرها من المناطق الأفغانية.


وطبقا للمراقبين، تمثل بيشاور ساحة القتال الرئيسية بين طالبان والقاعدة من جهة والحكومة الباكستانية من جهة أخرى، ومنذ مصرع أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة فى أبيت آباد، والتفجيرات تجتاح بيشاور والمدن التابعة لها مثل نوشهرة فى أول ردود فعل تتبناها طالبان باكستان للرد على مقتل حليفهم، وفى عملية انتحارية واحدة فى نوشهرة سقط 80 جندياً باكستانياً قتيلاً و120 جريحاً بينهم انتحاريان.


«المصرى اليوم» زارت بيشاور بعد مقتل أسامة بن لادن، كان القلق يتوزع بين أحيائها المزدحمة وأسواقها المكتظة بالبشر، وتنتشر الحواجز التابعة للجيش فى كل مكان، أمام قلعة «بالا حصار» المعلم الرئيسى فى المدينة، تدب حركة المواصلات التى تربط بين أطراف المدينة، ركوب وسائل النقل العامة مخاطرة غير مأمونة الجانب، وغالبا ما استخدمت وسيطاً فى نقل متفجرات من هنا أو هناك.


بجوار شارع «أرباب رود» كان مئات العرب يمارسون حياتهم بشكل طبيعى قبل عشرين عاما، وتنوعت نشاطاتهم بين الدور الإغاثى والطبى الذى تقوم به المؤسسات الخليجية لصالح المهاجرين الأفغان الذين يشكلون غالبية سكان بيشاور، وبين التنظيمات الجهادية التى تتدرب على القتال وتتخذ من بيشاور ساحة لاستضافة أنصارهم قبل الدخول إلى أفغانستان.


غير بعيد يقع مسجد «سبع الليل» الذى شهد اغتيال عبدالله عزام أول الأفغان العرب، والذى خلت الساحة لـ«بن لادن» بعد مصرعه، يقول رحيم الله يوسف زى، الصحفى الباكستانى المتخصص فى شؤون الجماعات المسلحة، إن عزام اغتيل فى وقت كان الخلاف بينه وأسامة بن لادن يتصاعد حول دور العرب فى أفغانستان، كان الشيخ الفلسطينى يرى أن هذا الدور ينحصر فى المشاركة فى جلاء الروس عن هذا البلد المستعمر، فى حين مال بن لادن إلى فكر منظر جماعة الجهاد أيمن الظواهرى، وتبنى نقل العمل العسكرى للبلاد العربية ومحاربة ما سماه «الشيطان الأصغر» المتمثل فى الحكومات العربية الموالية لأمريكا، ثم تحول إلى محاربة «الشيطان الأكبر»، وضرب سفارات الولايات المتحدة فى تنزانيا وكينيا، وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتضع بن لادن على رأس قائمة المطلوبين حول العالم.


ظلت بيشاور خلال السنوات الماضية مكاناً مناسباً للتخفى، وقد خبر المسلحون العرب دروبها ويحسنون التحدث بلغتها المحلية «البشتو»، وقبل كل ذلك، يكتسبون تعاطفاً شعبياً واسعاً فى المناطق القبلية المجاورة لها حيث تنشط عناصر طالبان باكستان وأفغانستان.


ووفقا لـ«افتخار حسين» وزير الإعلام فى الحكومة المحلية لإقليم «خيبر بختونخواه»، فقد نجح الجيش والاستخبارات الباكستانية فى القبض على 100 من أهم عناصر القاعدة وطالبان باكستان، وصارت بيشاور تحت السيطرة الحكومية الكاملة، لكن إقليم القبائل لايزال مناطق عمليات عسكرية بين الجيش الباكستانى وعناصر طالبان والقاعدة.


يحكى الرجل الذى يقع مكتبه وسط مجمع حكومى بالغ التحصين كيف تأثر هذا الإقليم اقتصادياً واجتماعياً، وفقد الكثير من رموزه السياسية والقبلية فى عمليات تفجيرية شبه يومية، ويتوقع المزيد منها بعد مقتل بن لادن، ومثل كل المسؤولين الباكستانيين، يصر حسين على عدم مشاركة باكستان فى العملية التى أدت لمصرع زعيم القاعدة، لكنه يرى فيها نصراً على الإرهاب من وجهة نظره التى ترى أعمال القاعدة سبباً فى مشكلات لا حصر لها لباكستان، وأضاف الرجل فى حديثه لـ«المصرى اليوم»: «ندفع ثمن الإرهاب من دمائنا كل يوم، ولن نسمح لهذه التنظيمات بمصادرة حقنا وحق أطفالنا فى الحياة».


تركنا مكتب الرجل فى المجمع البرلمانى والوزارى فى بيشاور الذى يشبه فى تحصينه المنطقة الخضراء فى العاصمة العراقية بغداد، وتوجهنا لأحد المطاعم الشهيرة فى المدينة لتناول الغداء، ملامح القلق الأمنى تبدو هنا أيضاً، بوابات إلكترونية وتفتيش شخصى إجبارى لكل رواد المطعم، وينتشر أفراد الأمن التابعون لشركات خاصة عند كل زوايا المجمع التجارى الذى يقع فيه المطعم.


دقائق وتحركنا لمقابلة صحفية فى منطقة صدر بازار، قابلنا الجنرال محمد شاه، الذى تقاعد بعد خدمة طويلة فى صفوف حرس الحدود لمنطقة القبائل، يتفهم الرجل طبيعة سكان المنطقة وثقافتهم القبلية، ويرى أن هذا المجتمع يوفر أرضاً خصبة لاحتضان القاعدة، كما يشكك فى أن يمثل القضاء على بن لادن تهديداً حقيقياً على التنظيم الذى يجاهر أمريكا بالعداء. يبدى شاه خوفه من أن تدفع باكستان وحدها ثمن الحرب على القاعدة، ويتوقع المزيد من الهجمات هنا من طالبان لإحداث رد فعل مباشر وسريع على عملية بن لادن.


وبمجرد أن توجهنا لمقابلة رحيم الله يوسف زى، الصحفى الخبير فى شؤون التنظيم، دوى انفجار ضخم، توجهنا للمكان لنكتشف حالة الأمن المخترق فى مدينة بيشاور، قنبلة مزروعة فى سيارة أدت لمصرع راكبها فور محاولة تشغيل السيارة، كان الضحية صحفيا محليا ينتمى لمنطقة القبائل، لم تعلن جهة مسؤوليتها عن الحادث، لكن الصحفيين طبقا لعبد الله جان، مدير قناة جيو الفضائية فى بيشاور، عرضة للاغتيال بسبب ما يكتبونه حول القاعدة وطالبان.


غادرنا المكان على عجل بعد رفض الحكومة الباكستانية زيارتنا مناطق حول بيشاور تنشط فيها عناصر طالبان والقاعدة، تحولت منطقة وزيرستان الشمالية والجنوبية إلى بؤرة اهتمام دولية لا تنافسها فيه إلا مدينة كويتا الباكستانية عاصمة إقليم بلوشستان، تعتبر هذه المناطق ساحات حرب تحتاج إلى ترتيبات أمنية لزيارتها من الصحافة الأجنبية، لكن تظل أسماء مثل ميران شاه ووادى سوات ومينجورة أسماء بارزة فى عالم طالبان، ومما يضاعف الضغط الدولى على باكستان هو اعتقاد كثير من المراقبين أن عناصر من تنظيمات مسلحة عربية وأوزبكية وشيشانية تنشط فى هذه المنطقة التى يصعب فيها تحديد الخط الحدودى الفاصل بين أفغانستان وباكستان.


لكن مسؤولا أمنياً بارزاً قال إن عملية بن لادن والضربات الجوية الأمريكية بالطائرات دون طيار فى إقليم القبائل تحرج حكومة بلاده، وقال الرجل- الذى تحفظ على نشر اسمه- إن سقوط مدنيين بصفة يومية بسبب هذه الضربات يُصعب مهمة الجيش الباكستانى فى هذه المناطق، ويفقده تعاطف الشعب الذى لا يجد تفسيراً لقتل المدنيين وانتهاك المجال الجوى الباكستانى من قبل الأمريكان، وتكاد شهادة هذا المصدر الأمنى تتطابق مع تقرير نشرته الجارديان حول اتفاقية تمت بين الرئيس الباكستانى السابق والولايات المتحدة وحلفائها تسمح بدخول الطائرات الأمريكية دون طيار إلى عمق 60 كيلومتراً على الشريط الحدودى مع أفغانستان لاصطياد من تصفهم قوات التحالف بالإرهابيين، وأثارت هذه التقارير أزمة سياسية فى باكستان.


قبل أن نغادر مدينة بيشاور عقب الانفجار، كانت الإجراءات الأمنية أكثر تعقيداً، وتم إغلاق شوارع رئيسية وانتشرت الدبابات والعربات المصفحة فى كل مكان، وبصعوبة بالغة وصلنا إلى طريق العودة للعاصمة الباكستانية إسلام آباد، التى تجد حكومتها نفسها بين شقى الرحى، فلا الشعب موافق على مضيها قدما فى التحالف مع أمريكا التى تمطر منطقة القبائل بالصواريخ الموجهة، ولا الأمريكان راضون عن أدائها فى الحرب على ما يسمى الإرهاب، والخوف يتصاعد مما تخبئه الأيام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية