25يوماً قضاها عبدالله محمود موسى على بوابة ميناء مصراتة آمالاً فى الانضمام إلى المحظوظين واللحاق بإحدى الجرافات، مراكب الصيد الصغيرة، أو البواخر التى ترسلها لجان الإغاثة العربية والعالمية لنقل العالقين من أهالى البلد والاجانب إلى مدينة بنغازى. موسى، الشاب الثلاثينى، الذى يحمل الجنسية الأمريكية، جاء قبل 6 أشهر متجهاً إلى أقاربه فى شارع طرابلس، وسط مدينة مصراتة، لرؤيتهم والاطمئنان عليهم، ليقضى بينهم 3 أشهر لم ينعم بدفئها فى الولايات المتحدة مسقط رأسه، ليستيقظ يوم 19 فبراير على صوت دبابات وراجمات دون معرفة سبب لهذا الحصار، ارتمى بين أحضان أعمامه تارة وجده تارة أخرى دون جدوى. تجمع موسى وعائلاته فى قاعة الاستقبال بمنزلهم، محوطين بعضهم البعض وشكلوا درعاً بشرية فى مواجهة أى هجوم على منزلهم، بحسب روايته، واتيحت لهم الفرصة بعد حصار دام شهرين للخروج من منزلهم بحثاً عن مكان آمن بعيد عن أعين كتائب القذافى وقناصته، لينتهى به المطاف إلى جبانة وسط الموتى، ليرقد موسى فى ضيافتهم 5 أيام دون طعام أو شراب حتى انتهى الضرب، وبعدها بدأ موسى فى رحلته للعودة إلى مسقط رأسه فى الولايات المتحدة الأمريكية. قال موسى: «علمت أن السفارة الأمريكية أرسلت باخرة لإجلاء رعاياها فى طرابلس، بعدما حرق الليبيون سفاراتها، وتابع: لكن كما يعلم الجميع كتائب القذافى تحاصر مصراتة من جميع الجهات وبالتالى فالسفر إلى طرابلس يعد أمراً مستحيلاً، ومن وقتها وأنا أتردد على الميناء أملاً فى استقلال جرافة أو باخرة». للمرة الاولى يشعر موسى أن جواز سفره الأمريكى لا قيمة له، خاصة بعد فشله فى الوصول إلى السفارة الأمريكية فى طرابلس، أملاً فى الاتصال بمكتب سفارته فى بنغازى أو فى مصر، ليقف الميناء وقلة السفن ومراكب الصيد نتيجة لتلغيم الميناء من قبل القذافى عقبة تحول دون عودته إلي الولايات المتحدة، وأضاف: «بعدما نحجت فى استقلال مركب صيد عاد المركب إلى الميناء نتيجة سوء الأحوال الجوية ولا أجد أمامى سوى الحفاظ على مكانى أمام بوابة الميناء». موسى، واحد من بين مئات الاسر والثوار والجرحى العالقين أمام بوابة الميناء فى انتظار من يقلهم إلى مدينة بنغازى، فبحسب المعلومات التى رددها أمن الميناء، فإن السفن ومراكب الصيد امتنعت خلال الأيام العشرة الأخيرة من التوافد على الميناء خوفا من الألغام التى زرعتها كتائب القذافى فى الميناء، بينما أرجع البعض قلة توافد السفن ومراكب الصيد إلى سوء الأحوال الجوية.
على عبيد محمد، جلس على مقربة من البوابة، مستنداً على عكازه، مقاوماً آلام قدميه وجنبه الايمن ويده اليسرى، بعد الشظايا التى رشقت جسده النحيل، أثناء انضمامه إلى ثوار مصراتة ودفاعه عن المدينة المحاصرة.
عبيد جاء من مدينة بنغازى للانضمام إلى ثوار مصراتة وتقديم الدعم لهم، وبعد انتهاء مهمته ومساعدة الثوار فى دحر كتائب القذافى خارج حدود المدينة، وعلى بعد 40 كيلومتراً، قررالعودة إلى مدينته للاطمئنان على أسرته ولاستكمال علاجه، لكنه يرى أن دخول المدينة ليس كخروجها، وأوضح: «الوصول إلى المدينة أمر سهل فكل مافعلناه أنا وأصدقائى الاربعة هو استقلال جرافة إلى المدينة وهناك وجدنا الثوار فى انتظارنا، أما وقت الرحيل والعودة فيجب عليك الاعتماد على نفسك».
جلوسه بمفرده وبيده تقريره الطبى فى انتظار السماح له بركوب الباخرة، التى أرسلتها اللجنة الطبية الدولية «iom» لنقل الأفارقة والمصابين، دفعنا إلى السؤال عن أصدقائه الأربعة القادمين معه للانضمام إلى الثوار، كما أبلغنا فى بداية حديثه ليرد علينا: «جميع أصدقائى استشهدوا فى شارع طرابلس بعد ضربنا بقذيفة هاون ليلقى الأربعة حتفهم، بينما تلقيت شظايا القذيفة فى جنبى الأيمن وقدمى ويدى اليسرى».
صرخات ودعوات أطلقتها إحدى الفتيات فى مواجهة المسؤولين فى الميناء، متهمة إياهم باستخدامهم أسلوب «الوساطة» فى تسجيل أسماء العائلات المتجهة إلى بنغازى عبر الجرافات والمراكب، مرددة: «حرام عليكم رميتنا غادى أنا وأولادى إن شاء الله تترد فى أخواتكم ونسائكم»، ولملمت أشياءها وجذبت طفليها ووالدتها وغادرت الميناء. الاشتباكات بين المسؤولين عن الميناء والعالقين أمام البوابة لم تنته على مدار اليوم، فالأمن يرفض إدخال العالقين إلى الميناء كما يرفض إعطاءهم أى معلومات عن الجرافات أو السفن القادمة، وهو ما دفع أحد الشباب إلى تسلق بوابة الميناء الحديدية والدخول ليقع بين أيادى أفراد الأمن مختفياً عن أنظار العالقين.
«المصرى اليوم» نجحت فى دخول الميناء والوصول إلى باخرة اللجنة الدولية الطبية، ورصدت معاناة البعض فى الالتحاق بالباخرة، المخصصة لنقل الأفارقة والمصابين وفى الوقت ذاته فهى غير مسموح لها بنقل الليبيين وهو ما أغضب بعض العائلات الليبية وخاصة العجائز منهم والمرضى.
وبعد الضجة التى أثارها الليبيون وعدهم القائمون على الباخرة بأخذهم بعد تسكين الأفارقة والمصابين، ليفاجأ الجميع أن السفينة تستعد للإبحار تاركة خلفها العشرات ممن وعدتهم بالركوب بعد دحرهم بالقوة من أمام الحواجز الحديدية، وسط تمسك وإصرار منهم على الركوب، ورفض ودحر من قبل السفينة
.