x

«وللعشوائيات صندوق انتخابات».. لقطات خاصة من طوابير التصويت

الأربعاء 14-12-2011 17:57 | كتب: حنان شمردل, ياسمين رمضان |
تصوير : محمود خالد

 

الصوت فى المنيب بـ«أربعة»: شيماء تكتب.. وأمنية تشيل الكرسى.. وإسراء تسند.. والجدة «تصوت»

بما أنها الهدف، التفت الصغيرات الثلاث «شيماء وأمنية وإسراء» حول جدتهن، يقنعنها بأهمية أن يذهبن معها إلى اللجنة الانتخابية. شيماء «ابنة العشر سنوات» أقنعتها: يا جدتى إنتى مش بتعرفى تقرئى ولا تكتبى، مين اللى هقولك إزاى تنتخبى؟! اقتنعت الجدة وقالت لها: «ماشى يا شيماء انتى معايا.. فصرخت أمنية «8 سنوات»: وأنا يا جدتى ليا دور: مين هيشيل لك الكرسى اللى هتقعدى عليه، ولا عايزة تقفى فى الطابور بالساعة زى ما شفنا فى التليفزيون؟! فاقتنعت الجدة، وقالت: وانتى كمان معايا يا أمنية، هنا بكت إسراء «6 سنوات»: يعنى جت على يا جدتى، ما أنا لازم أسندك وانتى ماشية بدل ما تتكعبلى فى مطب من مطبات المنطقة «المنيب».

ابتسمت زينب حسن وبيتت على البنات: ناموا بدرى عشان عندنا رحلة من النجمة، لكن البنات لم يستجبن ليجتمعن فى جلسة مغلقة، لبحث اختيار الجدة، وقررن أن يرشدنها إلى المرشح الأنسب.

جمعت البنات دعاية المرشحين التى توزع عليهن قبل أسبوع فى المنطقة، وقررن أن يخترن حسب البرنامج، وعندما نظرن فى الورق ولم يفهمن شيئاً، قررن اللجوء إلى الجيران فى المنطقة، وبناء على توجهاتهم، اخترن.

البنات حافظن على سرية صوت الجدة، ورفضن الإفصاح عن اختيارهن، وإن أشرن إليه ضاحكات على طريقة اللمبى: ناس ساكنة فى المنيب وسط العشوائيات هيختاروا مين والنبى.. وانصرفن ضاحكات مع الجدة فى طريقهن إلى اللجنة.

أطفال أطفيح بـ100 راجل: صوانى فول وفطير لزوم الوقفة فى الطوابير

ليست لهم أصوات، لكن هذا لم يمنعهم من أن يكون لهم دور اختاره بإرادتهم، إذ قرروا أن يشاركوا فى الانتخابات التى ستصنع مستقبلهم، بعضهم بتنظيم اللجان بالتعاون مع اللجان الشعبية، وآخرون بتوفير أغذية تلائم ظروف الوقفة فى الطابور.

الاستعداد للمرحلة الثانية من الانتخابات بدأ مبكراً على الأقل بالنسبة لهم، فقد قرروا تكوين ما سموه «ائتلاف أطفال أطفيح»، انتهوا من دروسهم مبكراً، وفرَّغوا أنفسهم يومى الانتخابات للمشاركة فى التنظيم، وتعلم أولى خطوات الديمقراطية بمنطق واحد اتبعه أغلبهم، مفاده: «كلها سنتين تلاتة ويبقى لىّ صوت، لازم أستعد له من دلوقتى».

أحمد سيد وشقيقه كانا من بين هؤلاء، شرحا مهمتهما: «اتجمعنا بعد صلاة الفجر، وبدأنا نرص الترابيزات وأجهزة الكمبيوتر اللى هتساعد الناخبين فى معرفة الأرقام واللجان، كل ده مع اللجان الشعبية، ومع فتح اللجنة، وقفنا جنب البنات عشان نحميهم من المعاكسات، أصل الناخبين مش كلهم من أبناء المنطقة».

صديقه أحمد أيمن لم يتصور أن يكون هذا العدد من الناخبين متواجداً فى الساعات الأولى من الصباح، لكنه فرح أن تعبه وأصدقائه جه بفايدة، وقال: «يارب الناس تكون نازلة عشان عايزة تصوت مش عشان خايفة من الغرامة». عمل هؤلاء التطوعى لم يمنع عمل أطفال آخرين، تواجدوا بين الصفوف، بناءً على تعليمات من «المعلم» وجه أحدهم بصينية عليها ساندويتشات فول وطعمية إلى الطابور، ووجه آخر بصينية عليها فطير بالسكر، وبين الصفوف انتشر الأطفال، كل بصينيته يحاول أن يبيع محتواها ليعود بغيرها، لكن المشهد كان رهيباً حسب تأكيد «محمد أحمد» ابن السنوات العشر الذى فرغ من حمولته بعد ساعة من اللف بها وعاد إلى معلمه ليحصل على الدور الثانى، الفرحة التى علت وجه محمد بررها: «والله مش عشان الفلوس، لأ أنا حاسس إنى باعمل حاجة مختلفة وبساعد فى الانتخابات، وطالما الناس فرحانة أبقى أنا كمان فرحان».

مريم من «كفر طهرمس»  إلى الصندوق: «لسه عندى أمل»

من قلب العشوائيات خرجت تلملم ما تبقى لها من عزم وصحة للوصول إلى مدرسة «حمزة بن عبدالمطلب» فى كفر طهرمس، وهناك وجدت عالماً آخر غير الذى تعرفه، وجدت أشخاصاً يتسابقون على حصد أصوات الناس فعرفت أنهم مندوبو مرشحين، ووجدت ناخبين لهم مطالب وأحلام وأمان، فتذكرت مطالبها التى طالما انتظرت تحقيقها منذ عشرات السنين.. ولم تتحقق. فى حارة صغيرة فى كفر طهرمس نشأت مريم ميخائيل (85 عاماً) وعاشت عمرها كله لا تعرف شيئاً عن السياسة ولا الانتخابات، تعرف فقط منزلها الآيل للسقوط وشقتها المكونة من غرفتين صغيرتين التى لا تخرج منها إلا للذهاب إلى الطبيب، ربما يكون ذلك المكان هو الدافع الأساسى لخروجها على كرسى متحرك بحثاً عن لجنتها الانتخابية، فالأمل فى تغيير المكان ظل قائماً رغم بلوغها العقد التاسع من العمر، أما السبب الثانى فكان خوفها من أن ينقطع المعاش الذى تحصل عليه بعد وفاة زوجها وقدره 425 جنيها فى حال عدم مشاركتها فى الانتخابات. بعد ثلاث سنوات انقطاعاً عن العالم الخارجى قررت مريم أن تخرج من حدود المكان الذى لا تعرف غيره للمشاركة فى الانتخابات، رغم أنها لا تعرف أسماء المرشحين ولا برامجهم، فوقفت حائرة بين الناس تطلب المساعدة: «أنا مش عارفة انتخب مين هوا مين أحسن، أنا سمعت إن فيه انتخابات وحاولت بنتى تقنعنى إنى أنزل بس أنا رفضت، وبعدها بكام يوم جت قالتلى إن الحكومة طلعت قرار إن هيمنعوا عنى المعاش اللى يدوب مكفينى فقلت آجى أحسن».

صندوق جزيرة الدهب محمى بـ«عسكرى.. وأنتريه مدهب»

رغم عيوبه كان أبرز شىء فى المنطقة، فوسط البيوت نصف المتهدمة، والمكان الذى قد يفتقر إلى الآدمية فى جزيرة الدهب، استقر الأنتريه المدهب الذى وضعه رجال الشرطة المكلفون بتأمين اللجان لاستراحة كبار السن عليه ورحمتهم من طابور التسجيل والاستفسار، ربما يُصلح الأنتريه ما أفسدته أحداث 28 يناير و19 فبراير فى العلاقة بين الشرطة والشعب.

عندما لاحظ عسكرى الشرطة خطواتها البطيئة، واتكاءها على طفل صغير، سارع إليها ليعرض خدماته: «هاتى إيديك يا حاجة إنتى جاية تنتخبى هنا؟».. ردت السيدة وأنفاسها تتسارع: «أيوه يا ابنى».. فأمسك بيديها وأوصلها إلى الكنبة، وقال: «استريحى لحد ما ييجى دورك».

على الأنتريه المكون من كنبة وكرسى انتطرت فتحية عبدالجواد دورها فى لجنة المدرسة النموذجية الحديثة.. لم تشعر بملل الانتظار، فالراحة على الأنتريه المدهب «لها طعم تانى» حسب تأكيدها: «معنديش فى بيتى كنبة زى دى أقعد عليها، ربنا يكرمهم اللى حطوها».. وعندما عرفت أنهم الشرطة ضحكت: «أيوه كده هو ده الشغل ولا بلاش، كده الواحد يقولها وقلبه مطمن، الشرطة فى خدمة الشعب».

لم تمنع الشرطة الشباب والأطفال من الاستراحة على الأنتريه المدهب، إذا ما خلا الطابور من كبار السن والمعاقين، ولأن الكنبة ليست ملكاً للشرطة فإن الحفاظ عليها كان جزءاً من واجبهم، حيث أكد أحد أفراد الشرطة - رفض ذكر اسمه أو التصوير - أنهم وجدوها داخل اللجنة، فقرروا إخراجها للمواطنين، فهم أولى بالراحة خاصة مع ازدحام الطابور.

تصبيرة الطابور: حوار مع ساندوتش فول وكوباية شاى

دون مبرر واضح، بيتت الأمم وبناتها الثلاث النية للتوجه مبكراً إلى لجنتهن الانتخابية فى مدرسة شجرة الدر الإعدادية فى المنيب، بحثاً عن لقب «أول المصوتين» فى اللجنة، لكن حلمهن باء بالفشل، فرغم توجه الأم وبناتها إلى اللجنة من السادسة صباحاً، فإن الطابور امتد أمامهن لأمتار طويلة، ما دفعهن إلى سؤال استنكارى: إيه دول!، بايتين هنا ولاَّ إيه؟!.

المصادفة وحدها جعلت تصويت الأم والبنات فى مدرسة واحدة، لذا كان الأمر أشبه بالرحلة، وقفت الأم فى المقدمة وخلفها البنات فى طابور «التصويت»، وكلما مر الوقت زاد ألم الانتظار، وزاد معه الرغبة فى التصويت، خاصة مع تزايد أعداد الوافدين، وتوقف الطابور تقريباً أو سيره بسرعة السلحفاة - حسب وصف الأم.

نظرة سريعة على الطابور ألقتها أم محمد، قبل أن تتخذ قرارها: الوقفة هتطول، يالاّ يا بنات أنا هافضل فى الطابور عشان الدور ما يضعش، وانتو روحوا هاتوا الفطار.. وبآلية وضعتها الأم تفرقت البنات الثلاث، إحداهن إلى الفرن لإحضار العيش، والثانية إلى مطعم الفول والطعمية، والثالثة إلى القهوة لإحضار صينية الشاى، وفى هذه الأثناء كانت الأم قد فتحت نقاشاً داخل الطابور حول المرشحين وتوجهاتهم، شاركها فيه عدد لا بأس به من زملائها فى الطابور، خاصة النساء.

إلى أن جاء الفطار والشاى، هنا صاحت أم محمد فى صديقات الطابور: يالاَّ يا جماعة، لقمة هنية تكفى مية، وأهى حاجة تصبرنا وتصلب طولنا على الوقفة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية