باريس- محمد زيان
منذ إعلان الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، مشروع «الإسلام الفرنسى»، «إسلام دى فرانس»، طرحت العديد من علامات الاستفهام حول المشروع الذى ينوى تطبيقه، وما المقصود به، ولماذا الآن؟ وهل يصنع ماكرون إسلاماً على الطريقة الفرنسية؟، ماذا عن المساجد ووضعها فى فرنسا؟، ودور الإخوان فى المشروع، أو دورهم فى محاربته؟ وهل يقصد رئيس فرنسا أن يسلم المسلمين فى بلاده لجماعة بعينها تتولى شؤونهم وشؤون أتباع الإسلام بعد تزايد العمليات الإرهابية وسقوط أكثر من 200 قتيل وأكثر 500 جريح وانتشار فتاوى القتل والدم والكراهية، واتهام المساجد بتفريخ الإرهابيين؟، ولماذا تثار علامات استفهام حول هذا المشروع تقول إن المقصود به ضرب الإسلام فى فرنسا، وخلق مرجعية موازية للأزهر للإفتاء فى شؤون المسلمين؟.
مهندس مشروع «الإسلام الفرنسى» هو التونسى حكيم قروى، الذى عينه ماكرون مستشاراً دينياً له، ويعمل فى معهد «مونتانجى» لدراسات الإسلام، ويوصف بأنه «عراب الإخوان فى فرنسا»، حيث يقدمهم للسلطات على أنهم كتلة تصويتية هامة يجب التعامل والتنسيق معها فى انتخابات الرئاسة الفرنسية، وهو ما حدث مع ماكرون والرئيس الفرنسى السابق فرانسوا هولاند.
البداية:
أعلنها الرئيس الفرنسى الأسبق، نيكولاس ساركوزى، فى ٢٠٠٦، حين قال Je ne vais pas l’Islam en france، mais je voudrait l’islam de france، أى: «لا أريد الإسلام فى فرنسا، وإنما الذى أريده (إسلاما فرنسيا)»، وهى الكلمة التى انتشر بعدها مصطلح «إسلام دى فرانس» بقوة وتناقلته الجالية المسلمة والجمعيات الدينية، ورغم أن ساركوزى هو الذى أطلق المشروع، إلا أنه قوبل بهجوم شديد، على عكس ماكرون الذى لم تواجهه حملات نقد.
وبعد رحيل ساركوزى كانت هناك دراسة طورها هولاند، لكنها لم تأخذ نصيبها، ولَم ير المشروع النور، وهذا ما أرجعه مراقبون للتقارب بين اليسار والجماعات والجمعيات الإسلامية فى فرنسا، وفتح المجال لهم لتأسيس المزيد منها مقابل أن تساق قطعانها فى الانتخابات لدعم مرشح اليسار بتعليمات من قادة هذه الجمعيات فيما يشبه الصفقات، فتجمد المشروع فى عهد هولاند.
ويعتمد ماكرون على مستشاره لشؤون الإسلام، حكيم القروى، الصوت الأكثر سماعاً لديه ومهندس مشروع «الإسلام الفرنسى»، فقام بتصميم وإخراج المشروع للنور.
مارين لوبن، مرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة، زعيمة اليمين المتطرف، أكدت لـ«المصرى اليوم» أن المشكلة ليست فى الإسلام، بل فى الإسلام السياسى، وقالت إن القيادة الفرنسية السياسية والفكرية والإعلامية خلال الـ٣٠ سنة الماضية فعلت كل شىء لتعطى اجتماع تمثيل الجالية الإسلامية للإخوان والأصولية، بهدف نشر إسلام مدنى، يسمح لهم بالسيطرة على الضواحى، وحدث اتفاق سرى بين القيادة الفرنسية بتمويل قطرى، فمنحوهم احتكار الجالية الإسلامية.
وأوضحت أن قطر مولت المشروعات الثقافية والاقتصادية لتعزيز سيطرة الدولة على مواطنى تلك الأحياء، وبالتالى إحكام سيطرة ماكرون الذى يريد سيطرة الإسلاميين بشكل رسمى على الضواحى، فسلمها للأصوليين «تسليم أهالى».
- الإخوان.. قطر وتركيا:
وقال الشيخ حسن شلجومى، رئيس «منتدى أئمة فرنسا»، إن كل رئيس فرنسى يصل الحكم يتكلم عن هذا المشروع، ماكرون جاء وطرحوا عليه موضوع الإسلام والإرهاب والراديكالية، وقالوا له ماذا ستفعل مع الهيمنة والتدخل الخارجى القطرى- التركى والجزائرى المغربى؟، وتخوف الفرنسيين من الإسلام وتشكيل الأئمة.
ويذهب شلجومى إلى أن الإسلام الفرنسى مصطلح فقط يقصد به تنظيم الإسلام ومساجده، وأوضاع من ينتمون إليه وشيوخهم فى الجمهورية الفرنسية، وقال: «الحكومة الفرنسية تعرف المسلمين منذ الثمانينيّات، والدولة العلمانية الفرنسية لا تتدخل ولا تساعد فى كل ما هو شأن دينى مثل بناء المساجد، فليس لها الحق، وهى التى خلقت هذه المشكلة»، وفى أواخر التسعينيات دخلت قطر ودعمت منظمات كثيرة، مثل اتحاد منظمات مسلمى فرنسا، وهى كبرى المنظمات الراديكالية هنا، وتعرف بـ«Uoif»، ويتبعها ٢٠٠ مسجد، كما دخلت السعودية وانتشر الشباب السلفى، وبدت الحاجة للدراسة والعلم بعد تزايد الهجمات الأخيرة، وسقوط 250 قتيلا ومئات الجرحى، وسفر حوالى ٢٠٠٠ شاب وفتاة للقتال فى سوريا.
ويشير شلجومى إلى أنه منذ عهد ساركوزى كان المجلس الإسلامى لمسلمى فرنسا تتداول على رئاسته المغرب وتركيا والجزائر لمدة عامين لكل منها، موضحا أن الإخوان أكثر تنظيماً لأنهم جماعة سياسية سرية وموجودون منذ ٢٦ سنة ويغرون السياسيين الفرنسيين بعددهم وتقربهم من بعض رؤساء البلديات ونواب مجلس الشيوخ، ويقيمون مؤتمرهم السنوى فى لوبورجيه.
وكشف أن ما اقترحه ماكرون أنه من أولويات الحكومة تنظيم الإسلام وعلى المسلمين أن ينظموا أنفسهم ويحلوا المشاكل بين الاختلافات، وبسبب وجود الإخوان تخوف كثير من السياسيين من «الإخوان» التى تدعو للحقد والكراهية، وتؤثر بشكل صدامى على الشباب، مثل طارق رمضان وهانى رمضان، حفيدى مؤسس الإخوان حسن البنا.
وأوضح شلجومى: «التقيت بمكتب ماكرون ومكتب وزير الداخلية، وتحدثوا عن كيفية الإعداد لهذا المشروع»، وقلت إن هناك ثلاث نقاط، هى: لابد أن تكون سيادة الدولة فى مقدمتها، ووقف التدخل القطرى والتركى ومن شمال أفريقيا فى شؤون مسلمى فرنسا، سواء بالمال أو غيره، ثانياً: على الحكومة أن تضمن استقلالية الإسلام بتكوين مرجعية فقهية، ليس عن طريق الإخوان، ولكن مثل الأزهر، بأئمة ومشايخ لكى يجد المسلم الفرنسى، كأقلية فى بلد علمانى، حاجته والإجابة على كل أسئلته الفقهية، والتعبد ليس عن طريق مواقع، بل عن طريق مركز للإفتاء، وهذا ما نثمن عليه دور الأزهر الذى يساعد المواطن الفرنسى على أن يندمج دون انحراف ولا تطرف، ثالثاً: لابد من مشروع تكوين الأئمة بوجود هيئة وجامعة خاصة بهم، تتحدث للذين يدخلون السجون وإعداد كوادر دينية بعيدة عن التدخل التركى والقطرى.
وعن تمويل المشروع الذى اقترحه شلجومى، أوضح أن الدعم المالى يكون من «اللحم الحلال»، موضحا أن هناك ٩ مليار يورو سنويا تؤخذ ضريبة عليها، مع تأسيس جمعية أو هيئة خاصة تحت إشراف الدولة لدفع رواتب الأئمة والإنفاق على المساجد، وإقامة جمعيات لمحاربة الإخوان والتطرف ومحاربة الكراهية، موضحا أن الهيمنة التركية على الإسلام فى فرنسا تتمثل فى وجود تركى رئيساً للمجلس الإسلامى.
موضحا أن الإخوان أول من أفتوا بتسفير الشباب إلى سوريا، وقال إن ماكرون سيتحدث عن المشروع لأنه متخوف من الراديكالية، ويوجد ١٩ ألف شخص تحت المراقبة، و٢٣٠٠ موقع إخوانى راديكالى خطير، و٤٦ ألف تغريدة على «تويتر» يوميا، مؤكدا أن قطر لن تترك الميدان، وأنها تلعب مع تركيا بورقة الإخوان مع اتحاد منظمات مسلمى فرنسا الإخوانية، التى يترأسها عمر لصفر.
غياب الأزهر والسفارة:
بدوره، أكد صالح فرهود، رئيس رابطة الجالية المصرية، أن الإسلام انتشر فى فرنسا بسرعة، والدولة تعتز بالمسلمين، ولولا هذا ما فتحت 2500 مسجد، ولكن بعض المتشددين يحثون الشباب على الجهاد وشن هجمات إرهابية، وأشار إلى أن فرنسا تنادى بإسلام معتدل يتوافق مع نهج الأزهر الشريف، ويحث على الوحدة والشراكة العامة.
وعن مشروع «الإمام الأكبر»، المطروح ضمن مشروع «الإسلام الفرنسى»، أشار فرهود إلى غياب دور الأزهر، والسفارة المصرية فى فرنسا، فى وقت تسعى فيه الجمهورية لإنشاء مدرسة لتخريج الأئمة، مؤكداً أنه طلب أن يكون للأزهر فرع لتكوين الأئمة وتقدم بالطلب للسفارة، ولَم يتحرك أحدا، رغم وجود مسجد للمصريين، وأرد أن يكون له إمام يتبع الأزهر، وقال إن الجميع يحترم كلمة الأزهر ويقدر العمامة الأزهرية، وإن مصر هى التى تستطيع أن تقوم بتكوين الأئمة.
وأشار الشيخ حسين درويش، إمام مدينة بردو الفرنسية، إلى أنه عقد اجتماعات مع هيئة الرئيس ماكرون السياسية، لإعداد المشروع، وقال: «قدمنا تصورنا عن مشروع الإسلام الفرنسى»، وعقدنا اجتماعات مع مستشارى ماكرون، وحذر من أن خطورة هذا المشروع تكمن فيمن يعملون عليه، وهو خلق ما يسمى بمنصب «الإمام الأكبر» فى فرنسا، وهو اقتراح إخوانى وتعتبر خطوة فى غاية الخطورة لضرب مرجعية الأزهر، موضحا أنه تم ترشيح المغربى طارق أوبرو، الرجل الثانى فى الإخوان بفرنسا، فى منصب الإمام الأكبر، مؤكداً أن هذا الطرح رفضه عدد من الأئمة رفضاً تاماً، وقال إن إشراف الإخوان على وضع الإسلام فى فرنسا لن يقدم حال المسلمين، وعندما ذهب ساركوزى إلى الإمام الأكبر الراحل، الشيخ محمد سيد طنطاوى، قال له الإمام الراحل: «إن الدولة الفرنسية من حقها أن تطمئن إلى الإسلام وتحمى نفسها وتضبط الأمور بما يتناسب مع الاستقرار والأمن فى بلادها».
وكشف درويش عن أن وظيفة الإمام المقترحة يدعمها آلان جوبيه، عمدة باريس، وبحكم قرب جوبيه من ماكرون اقترح اسم الشيخ المغربى طارق أوبرو المقرب جدا من الإخوان، مؤكدا أنه سيتم إعداد مشروع الإسلام الفرنسى بعد إنشاء الصندوق المالى الإسلامى برأسمال 100 مليون يورو، تحصل من الضريبة على اللحوم الحلال، ويشرف على دفع رواتب الأئمة والمساجد لغلق الطريق على التمويل الأجنبى.
وأضاف أن مسجد باريس الكبير، الذى تشرف عليه الجزائر، عقد اجتماعا رفض فيه مشروع ماكرون، وقال: اقترحنا تجميع العقلاء من المسلمين وألا تسلم الأمور للإخوان، وأكد أن المساجد مفتوحة والحريات موجودة، لكن المشكلة فى الكراهية ضدنا فى فرنسا، وهو ما يجعل الفرنسيين ينظرون إلينا نظرة سلبية، ولابد من نقاش فكرى حقيقى حول إمكانية إصلاح الفتاوى وتكييف الفتاوى الشرعية والسلوك الإسلامى مع الثقافة الغربية، وقال «إن المستفيد من تطبيق هذا المشروع هو الإخوان فقط، ومن حق فرنسا أن تحمى نفسها، لأن الإسلام به أناس يمثلون تهديداً، والفرنسيون يخافون على قيمهم وأولادهم وثقافتهم، فى حين أن أولادنا مهمشون فى الأحياء، ومعدل البطالة فى الأحياء التى يقطنها عرب ومسلمون يبلغ ثلاثة أضعاف غيرها، وقطر وتركيا مستفيدتان، والإمام المطروح من الإخوان يدعم تدخل الدولتين فى شؤون المسلمين، وقال إنه يوجد فى فرنسا ٦٥٠٠ مسجد رسمى، و3500 مسجد وقاعة صلاة، و٦٠٠٠ إمام.