قال تحقيق نشرته وكالة أنباء «رويترز» إن الانفلات الأمني في الشارع المصري وارتفاع معدلات الجرائم نتيجة لغياب الشرطة أو اهتزاز ثقتها بعد ثورة 25 يناير يشكلان منعطفًا خطيرًا أمام الانتقال الديموقراطي وطموحات النهضة الاقتصادية للشعب بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وسردت «رويترز» قصة للاستدلال بإن مواطن يدعى بيتر متى يملك أرضًا على مشارف القاهرة عندما أراد الاطمئنان على سلامة محصوله عقب الثورة قابله خمسة من الدخلاء ومعهم بنادق، وقال واحد من المجموعة التي تعدت على أرضه وكانوا يصوبون بندقية إليه «ما الذي تفعله على أرضنا؟».
كان ذلك في مارس الماضي، وشأن بيتر شأن الكثير من المصريين فإنه كان يتمنى أن تكون هذه مشكلة مزعجة مؤقتة نتيجة للفراغ الأمني الذي تسبب فيه انسحاب الشرطة من الشوارع بعد أن فقدت السيطرة في جمعة الغضب 28 يناير.
وأوضحت «رويترز» أن الشرطة عادت إلى مواقعها لكن متى لم يتمكن بعد من استعادة أرضه. وعندما حصل على أمر بإخراج المتعدين على أرضه طلبت هذه المجموعة منه أن يدفع ستة ملايين جنيه وهدتت أسرته. وعندما تمكنت الشرطة من طرد هذه المجموعة عادت مرة أخرى في وقت لاحق.
وقال متى «نعاني بشدة من القوة التي أصبح يمارسها هؤلاء البلطجية على الأرض بينما نراقب نحن الوضع ولا حول لنا ولا قوة.. لكننا نشعر بقلق أكبر من الافتقار إلى الأمن القومي».
وربما يكون متى مثلا صارخا للانفلات الأمني. لكن هناك أحداثا أخرى مماثلة إذ تحدث مصريون لـ«رويترز» يعيشون على مشارف القاهرة عن مهاجمة عصابات مسلحة لهم. كما يفر سجناء من السجون وارتفع معدل الجرائم المسلحة في المدينة.
ونوّهت الوكالة إلى لجوء البعض لشراء الأسلحة سواء بطرق قانونية أو لا لحماية أنفسهم بل ان البعض يترحم على أيام الدولة البوليسية في عهد مبارك.
وفي الوقت الذي يسعى فيه المصريون جاهدين لإرساء الديمقراطية بعد الإطاحة بمبارك فإنهم يجدون صعوبة بالغة في إعادة النظام والثقة في اقتصاد يعاني من أزمة كبيرة بعد أن حزم السائحون حقائبهم وفر المستثمرون.
وقال أنجوس بلير من «بلتون فاينانشال»: «إنها قضية رئيسية نسمعها في كل مكان تقريبا أنه من الضروري أن يكون هناك أمن وسيادة للقانون. وهناك أقاويل عن زيادة الجريمة في مصر التي عرف عنها إن معدل الجريمة فيها منخفض على وجه الخصوص وما زال أقل من المعدل العالمي».
وتوضح الوكالة أنه من المعتاد حدوث سرقة سيارة أو سطو مسلح في مدينة كبيرة في أوروبا او أمريكا لكن بالنسبة للمصريين الذين اعتادوا على شوارع تندر فيها حوادث السرقة بالإكراه أو غيرها من الجرائم فإن ذلك يمثل صدمة حضارية.
وأضاف بلير لـ«رويترز» أن مشكلة الأمن تقلق على وجه الخصوص المستثمرين المحليين الذين يسمعون عن مثل تلك الحوادث في الأحاديث اليومية.
ومع انسحاب المستثمرين من مصر بأعداد كبيرة واقتراب الانتخابات اقترح المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى شؤون البلاد في الوقت الحالي اتخاذ إجراءات امنية أكثر صرامة وألقى بثقله وراء قوة الشرطة.
وانسحبت الشرطة من الشوارع يوم 28 يناير المعروف بـ«جمعة الغضب» بعد أن فشلت في تفريق ملايين المتظاهرين في القاهرة ومئات الآلاف محافظات ومدن أخرى لتفقد السيطرة على الأوضاع ويتولى الجيش المسؤولية الامنية. ورغم عودة الشرطة فإن معنويات أفراد الشرطة وقدرتهم على السيطرة على الوضع الأمني اهتزت.
وقال جمال عبد الجواد رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن معنويات الأفراد الذين يعملون في الشرطة متدنية ولم يتلقوا التدريب اللازم أو يحصلوا على الإطار القانوني الذي يتعين عليهم العمل بموجبه.
وفي محاولة من الحكومة المصرية لإعادة الثقة أصدرت أمرا يسمح باستخدام الشرطة للقوة لمساعدتها على القيام بواجبها في حفظ النظام وحماية المواطنين.
ويقر ضباط الشرطة بالتحدي الذي يواجههم.
وقال ضابط لـ«رويترز» طلب عدم نشر اسمه «هناك خوف عام بين أفراد الشرطة من استخدام القوة لكن بعد أن قالت الحكومة إنها ستنفذ القانون وتمكن الشرطة من مواجهة الجرائم فستكون قادرة على العودة للعمل وسيكون وجودها ملحوظا».
لكن البعض يعتقد أن إعادة المصداقية المنهارة للشرطة ستستغرق وقتا أطول. وتقول جماعات لحقوق الإنسان إنه لا يمكن العودة إلى الأساليب السابقة التي تعود لعهد مبارك عندما كان العاملون في الشرطة الذين يتلقون أجورا متدنية يتقاضون رشى وأتاوات ويلجأون للتعذيب للحصول على اعترافات وكانوا يقمعون المعارضة بوحشية.
ونقلت «رويترز» عن خطاب وجهه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى مجلس الوزراء «تنطلق المذكرة من اعتبار أن الضعف الحالي لأجهزة الأمن يرجع بالأساس إلى أسباب سياسية تتصل بفجوة الثقة المتواصلة لعدة عقود التي لم تتم معالجتها بين الشعب والشرطة... وأن علاج هذه الفجوة هو بالأساس سياسي ولا يمكن تسكينه بمجرد زيادة عدد أفراد الشرطة ومعداتهم».
ويقول محللون إنه كلما طالت فترة ضعف الأمن كلما صعب إحكامه لاحقا. والثقة ليست موجودة لدى الجميع في مدى سرعة السلطات في الوفاء بوعودها مما يشعل التجارة المشروعة وغير المشروعة في الأسلحة.
وقال رجل أعمال عمره 50 عاما طلب عدم نشر اسمه «خلال الثورة عندما تم اقتحام مخازن أسلحة الشرطة وصل الكثير من تلك القطع إلى السوق السوداء لأن الناس يسعون إلى تحقيق الربح في أوقات الاضطرابات».
وقال إنه عرض عليه بندقية يكون سعرها في العادة 15 الف جنيه مقابل 2000 جنيه فقط.
وقال المهندس أحمد صفي الدين «تحسن الوضع الأمني لكن لن نكون في أمان لوقت طويل. لا اعتقد أننا سنكون آمنين كما كان الحال».
وأخرج أفراد أسرته بندقية قديمة كانت الأتربة قد تراكمت عليها ونظفوها واشتروا طلقات جديدة عندما سمعوا أن هناك مسجونين هاربين. وأضاف صفي الدين «مع وجود هذا العدد من الأسلحة في الشوارع .. من الصعب جدا جمعها».
وتنظم وزارة الداخلية بإحكام مسألة حيازة السلاح لكن كثيرين يتجنبون الإجرءات الرسمية لترخيص الأسلحة.
وقال محمد فيصل (20 عاما) الذي يحمل مسدسا للحماية وساعد صديقا له في العثور على سلاح بشكل غير مشروع «هذا وقت السلاح الناري.. الجميع يعلم ذلك. إذا كنت تريد سلاحا حقا فلا يوجد وقت أنسب من الآن للحصول على واحد».
ومضى يقول «كانت رخيصة وموجودة في كل مكان. أصبح الوضع الآن أصعب قليلا لأن الشرطة عادت للشوارع وأصبح البيع والشراء أكثر صعوبة لكن هذه التجارة ما زالت رائجة».