x

لطفية النادي «أم الفيزياء النووية والليزر»: إنشاء مفاعل الضبعة سهل..لكن الأهم تأمين الوقود (حوار)

الثلاثاء 25-09-2018 22:27 | كتب: محمد البحراوي |
المصري اليوم تحاور«الدكتور لطفية النادى»، عالمة الفيزياء النووية والليزر المصري اليوم تحاور«الدكتور لطفية النادى»، عالمة الفيزياء النووية والليزر تصوير : طارق وجيه

قالت الدكتور لطفية النادى، عالمة الفيزياء النووية والليزر، والمعروفة بـ«أم الفيزياء النووية المصرية»، إن الروس سيتولون إنشاء المفاعل النووى فى الضبعة، لكن لابد أن نكون مستعدين بالكوادر العلمية التى تستطيع التعامل مع أعمدة الوقود وإنتاجها ومعالجة هذه الأعمدة بعد احتراقها، مشيرة إلى أنه من السهل شراء مفاعل نووى ولكن الأصعب هو تأمين الوقود لهذا المفاعل، مشددة على أنه لابد من وجود كوادر مصرية يخصبون اليورانيوم وآخرين يصنعون وقودا من اليورانيوم المخصب، وفرقة ثالثة ليعالجوا أعمدة الوقود. وأوضحت «عالمة الفيزياء النووية» فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أنها تتخوف من منع روسيا تخصيب أعمدة الوقود فى مصر، لأنه لو حدث خلاف بيننا وبينهم يوماً ما سيتوقف المفاعل عن العمل، بالإضافة إلى الأموال الضخمة المطلوبة لتوريد الوقود لو ارتفع سعره فى أى وقت .. وإلى نص الحوار..

المصري اليوم تحاور«الدكتور لطفية النادى»، عالمة الفيزياء النووية والليزر

■ فى البداية ما تقييمك لإنشاء المشروع النووى بالضبعة؟

- سيعطينا الروس المفاعل، لكن لابد أن نكون مستعدين بكوادر علمية تستطيع التعامل مع أعمدة الوقود وإنتاجها ومعالجتها بعد الاحتراق. من السهل شراء مفاعل، ولكن الأهم هو تأمين الوقود. أعمدة الوقود من الألومنيوم، وبها يورانيوم مُخصَّب بيورانيوم 235، وهو يعطى تفاعلاً، ويتحول إلى بلوتونيوم، وتخرج منه نيوترونات تسخن مياه المفاعل، حيث تعمل توربينات المفاعل.. الفكرة هى أنه بدلاً من التسخين بالغاز نسخنها بالقوة النووية. لابد من كوادر تخصب اليورانيوم، وآخرين يصنعون وقوداً من اليورانيوم المُخصَّب، وآخرين يعالجون أعمدة الوقود، وأتخوف من منع روسيا تخصيب أعمدة الوقود فى مصر لأنه لو حدث خلاف بيننا وبينهم يوماً ما فسيتوقف المفاعل عن العمل، وربما لن نمتلك المال الكافى لشراء الوقود، لو ارتفع سعره فى أى وقت، لذا لابد أن تكون لدينا مناجم يورانيوم غير مُخصَّب فى مصر. اليورانيوم عندما يتحول إلى بلوتونيوم فلا فائدة منه سوى شراء أعمدة جديدة. لأنه يحتاج إلى مفاعل حرارى لكى يتم فصله فيه ونحن لا نملك مفاعلات حرارية لذا سيقومون باستردارد الأعمدة القديمة وفصل البلوتونيوم وبيعه بأسعار عالية، لذا فلو لم نمتلك هذه المتطلبات فمن الأفضل عدم إنشاء المفاعل.

■ لماذا ننشئ هذا المفاعل فى وقت تتجه فيه كثير من دول العالم نحو الطاقة الشمسية وتوقف المفاعلات؟

- لم تعد الطاقة الشمسية أو المفاعلات المصدر الأول للطاقة فى العالم، العالم تقدم كثيراً، وأصبحت هناك «طاقة الانصهار» Fusion Power، لأن كفاءتها أكبر من الطاقة الشمسية، ومصر تتميز أيضاً بقوة سطوع الشمس، الشمس مثلاً تحصل منها على مائة وحدة لتنتج 27 وحدة من الطاقة، وهى ما تسمى «كفاءة التحويل»، بينما الطاقة النووية كفاءة تحويلها 56- 60%، وهى نسبة متميزة، لكن بها مخاطرة فى عوامل الأمان، فعندما كنت أعمل فى مفاعل الطاقة الذرية فى أنشاص، ضم الفريق عاملاً مكلفاً بوضع النيتروجين السائل فى الطلمبات، وكان ينام بجوار الطلمبات دون معرفتنا، ونحن نغلق الباب ونشغل الطلمبات، حتى أُصيب بالسرطان ومات، لذلك طاقة الانصهار أفضل شىء، وهى تقوم على دمج نواة صغيرة مع نواة أخرى حتى تنصهرا سوياً وتعطيانا طاقة كبيرة تساوى 500% بسبب قوة المجالين المغناطيسى والكهربائى، وهذه العملية تتم عبر تقنيات وتطبيقات الليزر. معظم الدول تعمل بطاقة الانصهار، حتى إسرائيل نفسها، وحاولت إدخال هذا العلم إلى مصر، لكن أكاديمية البحث العلمى لا تهتم، وعلى مصر أن تبدأ العمل فوراً فى هذا المجال.

■ هل ترين أن إسرائيل تهدد حلم المشروع النووى المصرى؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور لطفية النادى»، عالمة الفيزياء النووية والليزر

- إسرائيل لديها معهد «وايزمان»، وهو أكبر وأهم من المعاهد العلمية فى الولايات المتحدة، حيث يعملون على توليد الطاقة من الانصهار، ولا أرى أى خطورة من إسرائيل على مصر فى المجال النووى.

■ كيف كانت فترات ما بعد الحروب الكبيرة مثل الحرب العالمية الثانية نقطة انطلاق لصعود دول غربية، بينما كانت الحروب فى الشرق الأوسط بداية لمرحلة الضعف؟

- العقلية المصرية ممتازة، لكن تشتيتها فى أمور جانبية هو ما أدى إلى ضعفنا. الدول الغربية جادة فى عملها وانطلاقتها، هى تهتم بحالها، لكن المصريين يتحدثون ويهتمون بكل شىء، بينما لا يهتمون بالإبداع فى مجالاتهم، وهو تشتيت للمجهود، ولو استمررنا على هذا المنوال فلن نتقدم.

■ لماذا اخترت دراسة العلوم، وفى القلب منها المجال النووى؟

- مجموعى فى الثانوية العامة كان مرتفعا مما يكفل دخولى كلية الطب التى كان يفضلها لى أبى، لكنى عبرت له عن رغبتى فى دراسة الطاقة الذرية والتفاعلات النووية، ووقتها لم يكن هناك قبول للسيدات فى كلية الهندسة فى عام 1952، فالتحقت بكلية العلوم التى كان يعمل بهيئة التدريس بها الدكتور محمد النادى، العالم الكبير فى الفيزياء النووية، ولم يكن قريبى، ودرست وتخرجت بدرجة امتياز وكانت الوظائف كثيرة للغاية، وعبدالناصر كان يشجع مراكز بحثية جديدة مثل المركز القومى للبحوث ولجنة الطاقة الذرية التى تحولت إلى هيئة الطاقة الذرية فيما بعد، وتم قبولى للعمل كمعيدة بالجامعة، ثم اخترت أن أعمل فى هيئة الطاقة الذرية فى الفترة من 1956 إلى 1969، ثم عدت للجامعة.

■ كيف كانت مسيرتك العملية خلال 13 عاما فى الطاقة الذرية؟

- كان عبدالناصر رئيساً للجنة الطاقة الذرية، ووضع هدفا بإنشاء مفاعل بحثى لنتدرب به على تصميم المفاعلات الكبيرة وكيفية الحصول على الطاقة، وكانت هناك اتفاقية بين هيئتى الطاقة الذرية الروسية والمصرية، أتاحت أن نتدرب هناك لمدة عام وندخل اختبارا فى تعاون مع جامعة «خاركوف» فى روسيا، وبعدها يعود معنا ثلاثة أساتذة، أحدهم أستاذ فى المفاعلات النووية، وآخر فى التفاعلات نفسها، وثالث مساعد فنى على مستوى كبير، وعقب ذلك وفى عام 1957 سافرت إلى جامعة موسكو، وكنا نتدرب فى المفاعل النووى لهيئة الطاقة النووية هناك ومعنا مترجم لأننا لا نفهم اللغة الروسية، حيث كنا 12 عالما من مصر، ولم يكن هناك قبلنا فى مصر من تعمق فى الطاقة النووية، فأنا أول مصرية تعمل فى التفاعلات النووية التجريبية، وسافرت مرافقا لزوجى وحصلت على الماجستير فى جامعة برمنجهام فى التفاعلات النووية، وعدت عام 1960 حيث بدأت دراسة الدكتوراة مع الأساتذة الروس فى مصر، وعبدالناصر كان يزورنا مرة كل عام، وكان منبهراً بنا لأننا كنا شبابا صغارا ونفهم جيدا فى هذا المجال المهم، وكان يزورنا فى أنشاص، وبدأ الاهتمام يقل بالطاقة الذرية، ومات عبدالناصر وتولى رئاسة الهيئة الدكتور صلاح هدايت، وقل استيراد قطع الغيار، وبدأت الدولة ترفع يدها تدريجياً عن هذا المجال.

■ ماذا كانت أهدافكم من هذا المفاعل؟

- كانت الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية هى هدفنا، ولم يكن فى بالنا أى شىء آخر، وكان هناك إعداد جيد بخطة عن كيفية التعامل مع المفاعل والتحكم فيه وعدم حدوث تسريبات أو أعطال، وصممنا المعامل الحارة وبها أعمدة وقود المفاعل بعد استهلاكها، حيث يتحول اليورانيوم إلى بلوتونيوم، ونفتح هذه الأعمدة بعد احتراقها ونستخرج منها البلوتونيوم الذى يباع بسعر باهظ فى أماكن أخرى، أو نصنع منه أعمدة الوقود الخاصة بنا بدلاً من الاعتماد عليها من الخارج، حيث كان من الممكن ألا يعطونا، وهنا نصبح مستقلين.

■ هل لـ«نكسة يونيو» دور فى إحباط حلم المشروع النووى المصرى؟

- يبدو أن هناك ضغوطاً مورست على عبدالناصر من أمريكا، رغم وقوف روسيا بجانبنا وقتها فى بناء السد العالى وفى قرار تأميم قناة السويس، لكن عبدالناصر كان مجبراً على الذهاب نحو أمريكا لنقص الأموال، وفى عام 1979 أسست مبنى الفيزياء بمشروع مشترك مع أكاديمية البحث العلمى، والألمان أعطوا الدكتور محمد النادى، رئيس قسم الطبيعة وقتها، جهازاً ضخماً لليزر، وكان متردداً فى قبول الهدية، لأننا لم يكن لنا علاقة بالليزر، فعرض «النادى» عليَ تأسيس علم الليزر فى مصر بهذا الجهاز، وطلبت منه التفكير فى قبول الأمر أو رفضه، ثم وافقت وحولت مجالى من الفيزياء النووية إلى علوم الليزر.

■ ما طبيعة معرفتك بالدكتور أحمد زويل، وكيف استفدتم منه فى علم الليزر بالجامعة؟

- أعرف الدكتور زويل- رحمه الله- معرفة شخصية منذ زمن طويل، والتقيت به لأول مرة فى مصر عندما ألقى أول محاضرة عام 1989 فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحكيت له عن مشروع إنشاء معهد الليزر، وحدثته عن صعوبة الإجراء، فقال لى: «نفسك طويل»، ودعوته لمحاضرات هنا وجاء بالفعل، ووقّعنا اتفاقيات معه، ولم يرفض لنا طلباً لأنه كان يعرف أننا على الطريق الصحيح، وكان رئيساً شرفياً لمؤتمر افتتاح معهد الليزر، ودعا لنا العديد من كبار العلماء فى العالم دون أن يكلفنا مليماً واحداً لجلب هؤلاء العلماء، وكان «زويل» وقتها نجماً ساطعاً فى المجال العلمى.

■ كيف يمكن الاستفادة من أبحاث الدكتور زويل وما توصل إليه فى خدمة مصر؟

- الأساتذة فى كليات العلوم والباحثون يستفيدون بشكل كبير، ويكفى أن «زويل» له إنجاز كبير بعد نوبل، حيث إننا نصور العينات الكيميائية والبيولوجية وغيرها بطريقة مسطحة، لكنه أحدث تغييراً فى الـ«إلكتروميكروسكوب»، بحيث يستطيع تصوير الطول والعرض والارتفاع والزمن فى اللحظة نفسها، يعنى أنه من الممكن تصوير خلية ويعرف تصرف هذه الخلية فى الاتجاهات الثلاثة وفى الزمن نفسه.

■ ما انطباعك عن الرئيس جمال عبدالناصر بعد لقائك به أكثر من مرة أثناء العمل بهيئة الطاقة الذرية؟

- التقيت به 4 مرات، وكان مهتماً للغاية بالطاقة الذرية فى مصر قبل حرب اليمن، وكان يزورنا باستمرار ويستمع لمشاكلنا ويطّلع على إنجازاتنا، وكان لديه كثير من الطموحات الإيجابية نحو إنشاء برنامج نووى مصرى كبير للاستخدامات السلمية، وكان يرغب فى إحداث نهضة علمية تجعل مصر دولة مستقلة بعلمائها بحيث تستطيع التطور والإنتاج دون الاعتماد على الغير.

■ ما الفرق بين ميزانية البحث العلمى فى مصر وفى الدول الأخرى التى قمت بزيارتها؟

- فى مصر مَن أراد إجراء بحث ويحتاج شراء المواد والأجهزة، فلابد أن تكون لديه قدرة مالية كبيرة، لأن البحث العلمى فى مصر ليس له تمويل كافٍ، وعند الإعلان عن مشروعات بحثية، فتتقدم بمشروعك، يجيبونك: «إننا سنفحص ونرد عليك»، ويستغرق هذا الفحص سنوات حتى يصبح الموضوع قد قُتل بحثاً فى دول أخرى، فهناك بطء شديد فى التعامل مع صرف ميزانيات الأبحاث، وعندما تسأل عن نتيجة بحثك فى مصر تجد أنه مازال فى الدرج ولم يُعرض على لجنة الفحص، لذلك أسجل براءات اختراعاتى فى الخارج حالياً، فهذا الخطأ يعطل البحث العلمى فى مصر، فلابد أن يحصل كل مَن يقدم مشروعاً بحثياً على المال، وبعد عام تتم محاسبته، ولو لم ينفذ المشروع فعليه أن يعيد الأموال مرة أخرى. طريقة التعامل مع شباب الباحثين والأساتذة لن تقدم البحث العلمى فى مصر، كما أنه من الممكن ألا يفهم بعض أعضاء هذه اللجنة فكرة البحث، وبالتالى لا يوافقون، لكن بهذا الشكل لن نتقدم ولن ننتج أى بحث علمى، فى كثير من الأحيان أدفع من جيبى للطلاب الباحثين العاملين معى لكى ينتجوا أبحاثهم.

■ كيف يمكن تحويل توصيات ونتائج البحث العلمى إلى تطبيقات على أرض الواقع وربطها بالصناعة والتكنولوجيا؟

- كثيرون يفعلون هذا فى مصر، خصوصاً فى مجالات مثل الكيمياء، حيث تُستخدم نتائج الأبحاث فى إنتاج أدوية جديدة، ويُستخدم فيها النانوتكنولوجى والليزر وجزيئات الذهب، والمتخصصون فى البيولوجيا يعملون على الخلية، وكذلك أقسام النباتات تخرج بأبحاث متميزة عن أنواع معينة من النباتات تناسب الطبيعة الجغرافية المصرية، ولكن كثيراً من نتائج هذه الأبحاث لا يتم تنفيذه، لأن السلطة التنفيذية الممثلة فى الحكومة وأجهزتها لا تهتم، ومصر حالها يُحزن بالمقارنة بكثير من دول المنطقة العربية، فلا توجد مساحات خضراء فى المدن. الرئيس السادات كان يهتم بالمساحات الخضراء، ولابد للدولة أن تعطى الأرض لخريجى كليات الزراعة لزراعتها، ففى السعودية يزرعون أشجار «النيم» التى تقتل الحشرات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية