x

حكايات من حياة بليغ حمدي: إجهاض وردة.. واتهام تسهيل الدعارة.. ومكالمة حسني مبارك (2-2)

الثلاثاء 18-09-2018 15:24 | كتب: مادونا عماد |
تصوير : آخرون

ينطلق الجزء الثاني من حياة بليغ حمدي، بقصص أكثر انغماسًا في حياته العاطفية، وفقًا لرواية «بليغ»، فذلك الرجل الذي يحمل بين ضلوعه حب الفن «هل يستطيع أن يجمع بين حبيبتين بحياته؟»، أم يختار في كل مرة الحرية والموسيقى والخلاء.

نبدأها بعلاقة فريدة وتحمل جوانب من التشويق، وهي قصة لقاء جمع بين وردة وبليغ، فبينما يستمر المُلحن في نجاحاته نجده يطلق لحن أغنية «تخونوه» عام 1957 لعبد الحليم حافظ بعد أن كان يعدّها بليغ لتغنيها ليلى مراد، تلك الأغنية التي تقوده إلى ما لم يكن المُلحّن يتوقعه.

وتتسبب تلك الأغنية مع الراحل «حافظ» في لقائه عقب سنوات بالفنانة وردة الجزائرية، والتي سافرت إلى مصر للبحث عن بليغ بهدف الزواج منه، حبًا في «تخونوه»، وهو ما قالته له في أول لقاء جمعهما.

وبالفعل تتطورعلاقتهما ويمر الوقت ويسألها عن رأيها ببعض أغانيه كما يحدثها عن رغبته في أن تصبح من نجوم الفن.

وبعد أن يسجل لها أغنية «أحبك فوق ما تتصور»، يخرجان مرّات، سرعان ما يتحدثان عن الزواج ويتجه المُلّحن إلى منزلها، ليقابل أسرتها التي جاءت معها من الجزائر والدتها وإخواتها، وتعترض أسرتها المحافِظة زواجها من رجل يعمل بالوسط الفني.

وبعد أن يرن الجرس يخرج حميدو شقيقها، مواجهًا إياه بعبارة «لا تعد إلى هنا ثانية، أختي لن تبقى بمصر ولن تتزوج من الوسط الفني» ويغادر المُلحّن بخيبة أمل مغادرًا شقتها في جاردن سيتي، وهو الموقف الذي وصفه الناقد «الشناوي» بـ«الغريب» ويستكمل كلمته بسؤال استنكاري «كيف تعمل في الوسط الفني وترفض أسرتها زواجها من الوسط؟!».

تظل علاقتهما مستمرة وحبهما لم ينتهي وبداخله الأمل والاستعداد للزواج منها، وكانت لقاءاتهما بعيدًا عن أعين أسرتها إلا أن شقيقها مسعود، كان يعلم لكن بقى صامتًا دون إخبار الأسرة، أما تجمعاتهما كانت بين الملحنين وأبناء الوسط الفني في الحفلات وغيرها، حتى أنه غنى لها أغنيته لأم كلثوم «أنساك» بعد شهور من إطلاقها.

لكنه في نهاية كل حفل يرفض إيصالها للمنزل من أجل أسرتها ويرسل من يوصلها لكنها تخشى الدخول متأخرة من باب المنزل فتتسلل إلى شرفتها في الدور الأول وتنام في هدوء، وفقًا لكلمات فيصل طلال كاتب «بليغ».

وأدركت أسرتها تعلّقها ببيلغ فيقررون الابتعاد خشية على ابنتهم، ويسافرون بها إلى الجزائر أواخر 1962، وتتزوج من ضابط جزائري.

ويعود لينشغل بألحانه، حتى يتجاوز حزنه على زواجها، وتغني في نفس العام أم كلثوم بـ5 ديسمبر أغنيته «كل ليلة وكل يوم، أسهر لبكره في انتظارك يا حبيبي» كما أخذ يشغل عقله بمسرحية «مهر العروسة» مع صديقه مؤلف العمل عبد الرحمن الخميسي، ويذكر أن ألحانه بهذه المسرحية من أفضل ما لحّن.

زواج بليغ للمرة الأولى

سافر بعدها إلى المعمورة ليتفرغ للتلحين، وفجأة بإحدى الليالي يتصل «بالخميسي» قائلًا: «سأتزوج الليلة» ليرد عليه «من التي ستتزوجها؟» ويجيبه «آمال وينادونها أمنية طحيمر» ويستمر الحوار بعبارة «اللي قابلتها في المعمورة؟، يا جدع حرام عليك البنت غلبانة سيبها في حالها» وبالفعل يتزوجها بسرعة بحضور خالتها التي كانت ترفض زواجهما وتشعر بأنها لن تدم، إلا أن الفتاة العشرينية يبدو أنها مولعة بالفنان أما هو فلا أحد يعلم هل أحبها أم تزوجها في فترة حاول نسيان حبه لوردة، وبعد شهرين انفصلا وعادا ثم تطلقا.

وتمر السنوات ويتعرّف على سامية جمال وتكثر الروايات حول علاقتهما بين رغبته في الزواج منها وهروبه من الزواج بعد فشله في زيجته السابقة ويقابل إش إش أيضُا ابنة الموسيقار محمد عبد الوهاب وتكثر الروايات بين التقدم لطبها ورفض والدها أو ابتعاده عنها بعدما ينعقد لسانه في منزل والدها ومعه شقيقه مرسي، خوفًا من طلب الزواج منها من والدها، وتكثر شائعات وأخبار زواجه من فنانات.

لا ينقطع عن فنه خلال تلك الفترات ويسافر إلى بيروت وأوروبا ولندن بصحبة عبد الحليم وعمر الشريف، وشارك بأغاني النكسة 1967 وكان لبليغ بصمته الفنية. ربما أراد القدر أن يجمع وردة وبليغ بعد سنوات من جديد فتدعوا وردة الفنانين إلى حفل بالجزائر ومن بينهم بليغ ولبلبة والإعلامي وجدي الحكيم، ويعزف أغنية "العيون السود" ويراسلها في صمت معبرًا عن اشتياقه «كل غنوة على الفرح كانت، على الجرح كانت وعلى الصبر كانت وعلى الحب كانت، كتبتها وقلتها كانت عشانك»، هذه الأغنية التي كان يستعد لتسجيلها مع نجاة الصغيرة قبل السفر ونسى وغناها، ويتبادل بعض الحضور من الفنانين النظرات والابتسامات، ويحاول الشاعر محمد حمزة تهدئة الموقف، فوردة سيدة متزوجة ويقول لها: «بليغ يعبّر عن رغبتنا جميعا في عودتك لجمهورك».

وعادوا فناني الحفل لمصر، وبعد أقل من شهر عادت وردة في السادس من أغسطس 1972، بطفليها وداد ورياض وينتظرها بليغ في المطار، وقدّمت من بعدها حفل العودة وغنت أغنية «العيون السود» وتمر الشهور بين انشغالات بليغ حتى تزوجا.

ورغم حبه لها إلا أن رغبته في الحرية والسفر والموسيقى يعوقه عن الالتزام بطقوس الزواج وعاداته، يوقظها ليلًا ليسمعها أبيات وألحان ثم يسافر ويختفي دون إخبارها عن مكانه ويفاجئها برغبته في أن يكون أبًا ويفارقها من جديد وينسى بين السفر والموسيقى ويكرر رغبته في الحصول على طفل، وتعبّر عن إنزعاجها بعبارة «الوضع لا يمكن أن يستمر هكذا» فيعدها بالتغيير لكن يصعب تنفيذ وعوده فيطلب أن يحصلا على إجازة زوجية حتى يخفف عنها ضيقها.

يبدو أنها أدركت صعوبة التعلّق ببليغ أو نجاح زواجهما، وأجهضت وردة مرتين دون معرفة السبب وراءه، لم يعودا الاثنين لبعضهما وسجلت حلقتين معه في برنامجه «جديد في جديد» 1978، وغنا معًا أغاني فارقة في حياتهم العاطفية وهي «تخونوه» سبب لقاءهما و«العيون السود» سبب عودتهما، وانفصلا بعد فترة من البرنامج وكان يُعرض له حينها فيلم «آه يا ليل يا زمن» بطولة وردة ورشدي أباظة ومسلسل «أوراق الورد» بطولة وردة وعدد من الفنانين، ويترك بليغ المنزل وتفشل الوسطات في مصلاحتهما حتى أنها لم تكن تجيب على مكالماته.

وفي حالة قابلته ترد بهدوء «كنت مشغولة في بروفات في أغنية (في يوم وليلة) مع الأستاذ محمد عبد الوهاب» وحاولت تجنّب ألحانه لأثبات قدرتها على استكمال فنها دونه، وتغني ألحان عبد الوهاب ويتردد على حفلاتها بليغ بباقة الورود أملًا في استرجاعها.

ويطوف بليغ البلاد بإلحانه ويعود بأحد الأيام، وتدريجيًا تبدأ الحفلات وألحانه في الانكماش، وفي 1982 يغني ألحانه لأم كلثوم ويصنع تداخلًا بين المقاطع ويغني «أهو دا اللي مش ممكن أبدًا» ليباغت جمهوره بغنائه «أنساك»، وكان بليغ يلحّن حينها لكل من يطرق بابه، فأصبح يقضي أوقاته في المنزل بين السهرات والاحتفالات التي تنتهى فجرًا، إلى أن يحدث ما لم يتوقعه المُلحن بحياته.

انتحار فنانة مغربية من شرفة منزله

إلى أن يقع حادث انتحار فنانة مغربية في منزله، سميرة مليان، وتنقلب حياته شيئًا فشيئًا، ويصبح المشهد أكثر ظلامًا، حيث أنه كان يترك منزله حتى يدخله من يشاء ويرحّب بقدوم القريب والغريب، وكانت «مليان»، من بين ضيوفه وبينما ينتهي الاحتفال ويدخل إلى غرفة نومه يسمع صراخ وتكون الفنانة انتحرت من شرفة منزله ويرحل الجميع وتصيبه لعنة انتحارها في منزل. تخيل بليغ أن القضية لن تتطوّر بتلك الطريقة حتى أنه تواصل مع وردة حينها مقدمًا لحنًا جديدًا «من بين ألوف» وتغنيه ورده.

خلال تلك الفترة كان بليغ متهمًا بالشروع في الدعارة، في ديسمبر 1984، حسب كلمات «الشناوي»، والذي لفت إلى أن «التهمة كانت موجعة لبليغ»، وقبل أن يصدر الحكم ويشعر بأن لا مجال للخروج من المأزق يسافر في اليوم الثاني من حفل وردة وغنائها «من بين ألوف» إلى باريس.

وبعد يوم من سفره، يصدر الحكم من محكمة الاستئناف بالحبس سنة مع الشغل في قضية تسهيل الدعارة، وقضى بليغ عدة سنوات في باريس حتى أراد المُلحّن العودة إلى مصر وتدّخل الرئيس الأسبق حسني مُبارك في حصوله على البراءة، وأوضح «المشهد» قائلًا: «جاء بليغ إلى مصر ومن المفترض أن تترقب الشرطة وصوله ليوضع في السجن حتى النطق بالحكم في اليوم التالي، لكن بليغ لم يدخل إلى السجن وكان حرًا ليأتي بذاته في اليوم التالي إلى المحكمة، ويحصل على البراءة.

وتأتي مرحلة المرض وهي النهاية في حياة المُلّحن الذي تربّي على ألحانه أجيال، ويصاب بمرض في الكبد ويسافر إلى باريس للعلاج، لكنه لا يزال يفكر بمحبوبته وردة فيختتم حياته وذكرياته معها بأغنية الوداع ويسمعها الأغنية بعد أن يهاتفها دون أن يخبرها بمرضه إلا أنها علّمت عن طريق الصدفة من أحد أصدقائه، ويقدّم إليها أغنية «بودعك» ورغم قسوة كلمات الأغنية، إلا أنها لبّت طلبه، وأختتم كلاهما قصة الحب بعبارات «بودعك وبودع الدنيا معك.. جرحتني قتلتني وغفرت لك قسوتك» ويختتمان «حبي الكبير حيحرسك في سكتك الله معك»، ويرحل عن عالمنا في 12 سبتمبر 1993 عن عُمر 62 عامًا.

مشوار بليغ الفنّي وعلاقاته بالمغنيين

كان بليغ وطيد الصلة بفنانين عصره الكبار والصغار، واكتشف فنانين من بينهم الفنان محمد الحلو وعلي الحجار وقدّم الألحان للفنانة سميرة سعيد في بداية مشوارها، وآمن بعفاف راضي، الذي نعتها الموسيقيين بالصوت الأوبرالي إلا أنه لحّن لها الكثير ومنحها الشهرة والفرصة الجديدة.

رغم صلته بالصاعدين لم ينفصل عن الكبار وظل يذكر صديقه عبد الحليم الذي قدّم إليه باقه من الأغاني منها «سواح» و«التوبة» و«عدّى النهار» وكذلك أم كلثوم قدّم لها «بعيد عنك» و«فات الميعاد» وغيرهم.

وانسجم مع الفنانة شادية فنيًا وشارك في نجاح مسرحيتها ريا وسكينة ونشأت بينهما علاقة صداقة، حتى أنه سبب غناء سهير البابلي بعد إيمانه بجمال صوتها، حسب كلماتها في برنامج «ممنوع من العرض»، تقديم الماكير محمد عشوب.

عرف ببراعته الفنية بين الفنانين وبعلاقته الطيبة، شارك فنانين آخرين، مثل الفنان محمد رشدي والفنانة صباح والفنانة نجاة الصغيرة حتى أن ترك بصمته مع الشيخ سيد النقشبندي وعملا معًا بطلب من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، أخرج أغاني لا تزال حيه تحمل اسمه لأجيال مثل «مولاي إني ببابك» حتى أن بليغ كان ذكيًا وقرر ألا يقيده بلحن حتى يطلق صوته ويتماشى باللحن مع صوته.

يذكر أن كاتب رواية «بليغ» هو فيصل طلال، هو روائي مصري من درس الطب والآداب قسم فلسفة، من مواليد 1985، حصل على معلوماته من المقربين من بليغ وأقاربه كما حصل على رسائل متبادلة بين المُلحّن والروائي نجيب محفوظ وعدد من الفنانين وضمها إلى صفحات روايته، يدمج في روايته بين قصص من حياته الشخصية وحياة المُلحّن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية