الصين التى يزورها الرئيس تظل صاحبة تجربة فريدة فى ضبط عدد سكانها، وهى فريدة لأنها آمنت بشيئين وأخدت بهما بحزم إلى أن حققت الهدف الذى تريده.. أما الشىء الأول فهو أنها تجربة كانت طويلة النَفَس.. وأما الشىء الثانى فكان التدرج فى الذهاب إلى الهدف، وفى تحقيقه، وكان ذلك عن إدراك لطبائع البشر!.
وليس معنى هذا أننا مدعوون إلى الأخذ بما أخذوا به هناك حرفياً، فما ينفع عندهم يمكن أن يكون غير مناسب هنا، ولكن المعنى أن لديهم تجربة ناجحة فى التعامل مع مشكلة لدينا ندور حولها من سنين، ونشكو من عواقبها، ونتحسب لتداعياتها، ثم لا نفعل شيئاً.. وإذا فعلنا، فليس على قدر الخطورة الزاحفة التى تمثلها القضية على مستقبل هذا البلد!.
فى الصين بدأوا بسياسة الطفل الواحد، وظلت الدولة بامتداد عقود من الزمان، تُلزم كل أسرة بإنجاب طفل واحد، فإذا أرادت الأسرة عدداً أكبر من الأطفال، فهى حُرة، بشرط أن تعرف مسبقاً أن الدولة سوف ترعى الطفل الأول فقط، تعليماً وصحة بالذات.. وما عدا ذلك سوف يكون مسؤولية الأسرة نفسها.. وبالكامل!
وفى مرحلة تالية جرى السماح بطفلين، واستمر ذلك لأعوام ثلاثة أو أربعة، فلما تحقق الهدف من السياسة كلها على بعضها، أعلنت وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأخبار، قبل أسبوع، أن الحكومة فى بكين تفكر حالياً فى التوقف عن سياسة الطفلين، وإطلاق الإنجاب بلا سقف!.
وهكذا.. كان لديهم هدف واضح منذ اللحظة الأولى، وكانت السياسات الموضوعة تمشى إلى الهدف بثبات ويقين، وكانوا يعرفون ماذا يريدون، وكانوا يعرفون أن ما يريدونه لن يتحقق من تلقاء نفسه، ولن يرى النور دون خطط دقيقة لها بداية وتذهب إلى نهاية!.
وقد بلغ العدد عندنا مائة مليون، وربما يكون قد زاد، وهو مرشح لأن يتضاعف فى مدى زمنى منظور، وإذا كان السفير البريطانى جون كاسن قد وصف المائة مليون، فى مقالته المنشورة فى هذه الجريدة أمس الأول، بأنهم ثروة مصر الحقيقية، فهذا صحيح تماماً.. لولا أن عبارة السفير تمثل نصف جملة، وقد يكون هو قد وجد حرجاً فى إكمال الجملة.. أما نصفها الذى لم يذكره، فهو أن المائة مليون ثروة حقيقية لأى بلد، وليس لمصر وحدها، إذا ما كانوا يتلقون تعليماً جيداً، وخدمة صحية جيدة كذلك، وإذا كانت الدولة قادرة على توفير هاتين الخدمتين لكل مواطن من المائة مليون، وبمستوى ممتاز.. وما عدا ذلك، فإنهم ليسوا ثروة.. ليسوا بأى مقياس.. وعلى الدولة بالتالى أن تتصرف من موقع مسؤوليتها عن مستقبل كل مصرى!.