أكد ناشطون حقوقيون السبت أن أفراداً من الجيش السورى انتشروا فى بلدة «تلكلخ» القريبة من مدينة حمص وسط سوريا، فى خطوة جديدة تهدف إلى قمع المظاهرات المناهضة للحكومة التى بدأت فى 15مارس الماضى، وذلك بعد يوم واحد من تقرير بثته قناة «المنار» اللبنانية، التابعة لحزب الله، ونقلت فيه عن مصادر سورية قولها إن شخصاً يدعى ناصر مرعى أعلن «إمارة إسلامية» فى تلكلخ، وعين لها وزيرين للدفاع والمالية، وأنشأ إذاعة تنطق باسمه، لافتة إلى أن «السلطات السورية تعمل على تفكيك هذه الإمارة»، فى الوقت الذى بلغت فيه محصلة قتلى المظاهرات التى خرجت الجمعة الماضى، تحت اسم «جمعة حرائر سوريا» للمطالبة بإنهاء الحكم الاستبدادى فى مختلف المدن السورية، إلى 8 أشخاص، رغم أوامر صدرت بعدم إطلاق النار على المتظاهرين.
وبعدما ذكر مسؤولون أن قوات ودبابات يجرى سحبها من مدينتى «بانياس» الساحلية و«درعا» الجنوبية، قال شاهد السبت، إن 3 أشخاص قتلوا وأصيب آخرون بجروح برصاص قوات الأمن فى تلكلخ - ذات الغالبية السنية والتى شهدت مظاهرات حاشدة ضد الرئيس السورى بشار الأسد الجمعة الماضى. وأضاف شهود أنه أقيمت حواجز أمنية أمس عند مداخل البلدة، وسمعت أصوات إطلاق نار كثيفة طبقاً لروايات النشطاء، ونشرت قوات الأمن فى القرى المحيطة أيضاً، بعد يوم واحد من قول وزير الإعلام السورى عدنان محمود إن الحكومة ستبدأ «حواراً وطنياً» خلال الأيام المقبلة، بينما اعتبر ناشطون بارزون أن الحوار لن يكون جاداً إلا إذا أفرجت الحكومة عن آلاف السجناء السياسيين وسمحت بحرية التعبير والتجمع.
وعلى الرغم من أن إراقة الدماء وعدد القتلى بعد صلاة الجمعة كانت أقل من المرات السابقة، قال ناشط حقوقى إن قوات الأمن فتحت النار على مظاهرة ليلية فى بلدة «الميادين» شرقى البلاد، مما أسفر عن إصابة 4 أشخاص. وأضاف أن قمعاً أمنياً زادت حدته فى الأيام الأخيرة فى منطقة قبلية قرب الحدود مع العراق يخرج منها معظم إنتاج سوريا من النفط، فيما قال دبلوماسى غربى: «هناك علامات على أن الأسد ربما غير الأساليب كرد فعل على الضغط الدولى.. عمليات إطلاق النار أقل، ولكن حقيقة خروج الناس للاحتجاج مع انتشار أمنى كثيف أمر ملحوظ»، وذلك رداً على ما قالته بثينة شعبان مستشارة الرئيس السورى الأسبوع الماضى بأن الاحتجاجات «شارفت على نهايتها».
وفى تلك الأثناء، أشارت مجلة «تايم» الأمريكية إلى ما وصفته باتباع السلطات السورية «سياسة تجويع المناطق الثائرة» - وعلى رأسها «درعا»- كإحدى الخطط والتكتيكات لإجهاض الثورة الشعبية. ونسبت «تايم» إلى سوريين قدموا أمس الأول إلى الأردن من نقطة «جابر» الحدودية بين البلدين قولهم إنهم لجأوا إلى الأردن لشراء الأغذية والاحتياجات الأخرى، وإنهم ينوون العودة إلى بلادهم قبل وقت صلاة الجمعة حيث تنطلق المظاهرات الاحتجاجية. وقال أحد القادمين إلى الأردن إن السوريين فى البلدات المحاصرة كانوا يقتسمون ما لديهم من الأغذية فيما بينهم، حيث قطعت الحكومة الكهرباء والماء. وأوضح «أبوإبراهيم» - الذى يخشى من نشر اسمه كاملاً - أن السلطات سعت لإخضاع أهالى درعا بكل الطرق، ومن بينها الحصار والتجويع، وأن القوات الأمنية انتشرت فى كل الأرجاء، موضحاً أن بلدته الواقعة فى إحدى ضواحى درعا باتت «قرية للنساء والأطفال» بعد أن أمعنت السلطات السورية فى الرجال والشباب ذبحاً واعتقالاً وتنكيلاً، موضحاً: «إنهم يريدون عزلنا، نحن السُّنة».
وفى غضون ذلك، اعتبر مصطفى إبراهيم، السكرتير الأسبق للحزب الديمقراطى الكردى السورى (البارتى)، فى تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، أن نظام الأسد لا يملك القدرة على إجراء التغييرات والإصلاحات المطلوبة، ورأى أن «الوضع الحالى يسير نحو تكرار السيناريو الليبى، وهذا ما حذرنا منه».
خارجياً، طالب أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكى أمس الأول الرئيس باراك أوباما بدعوة نظيره السورى إلى التنحى، مؤكدين أن الأخير «فقد شرعيته». وقال السيناتوران الجمهوريان جون ماكين وماركو روبيو وزميلهما المستقل جو ليبرمان، الذين أعدوا نص قرار يدين الأسد ويدعو خصوصا إلى فرض عقوبات جديدة على دمشق بما فيها عقوبات على الأسد شخصياً، فى بيان مشترك: «نحض الرئيس، مع حلفائنا حول العالم، على الانضمام إلى نداء المتظاهرين فى سائر أنحاء سوريا اليوم بأن الأسد فقد شرعيته فى الحكم وآن له ولنظامه أن يرحلا».
وفى الوقت ذاته، أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر عن «سخط» بلاده لاستمرار القمع الدموى فى سوريا، وأضاف: «نواصل البحث عن سبل الضغط على النظام السورى»، إلا أن إدارة أوباما لم تصل بعد إلى مرحلة الدعوة إلى تغيير النظام فى سوريا.
وبينما قال وزير الخارجية الفرنسى ألان جوبيه إن الأسد مسؤول عن قمع أدى إلى مئات القتلى خلال الاحتجاجات، اعتبر وزير الخارجية الإيطالى فرانكو فراتينى أن هناك فرقاً بين الرئيس السورى والزعيم الليبى معمر القذافى، معتبراً أن الأسد «وعد على الأقل بإجراء إصلاحات واضطلع بدور دبلوماسى مهم، فى حين أن الثانى لم يفعل ذلك»، وأضاف أن «التعميم سيكون خطأ فادحاً».
وفى تلك الأثناء، هددت روسيا أمس الأول، بمنع صدور تقرير لمجلس الأمن الدولى حول العقوبات على إيران، معتبرة أن هذه الوثيقة التى تتهم طهران بتسليم أسلحة إلى سوريا «غير متماسكة وغير معدة جيداً».
وعلى صعيد متصل، كشفت صحيفة «الأخبار» اللبنانية أن مديرية الاستخبارات فى الجيش اللبنانى أوقفت منذ عدة أيام 4 أشخاص للاشتباه بتهريب السلاح إلى سوريا، موضحة أن 2من هؤلاء يحملان الجنسية السورية، ويحمل الآخران الجنسية اللبنانية، مشيرة إلى أن مديرية الاستخبارات باشرت التحقيقات معهم، «حيث اعترفوا بتهريبهم السلاح لمصلحة معارض سورى»، وأضافت أن المتهمين أحيلوا إلى المحكمة العسكرية تمهيدا لاستجوابهم.