x

سميرة عبدالعزيز: محفوظ عبدالرحمن الكتابة عنده وطن.. إما أن يعيش محرراً أو يموت (حوار)

الخميس 30-08-2018 01:59 | كتب: سوسن الدويك |
سميرة عبدالعزيز أثناء حوارها لـ«المصرى اليوم» سميرة عبدالعزيز أثناء حوارها لـ«المصرى اليوم» تصوير : فاضل داوود

«دراماتورجى».. من طراز رفيع، إنه مثل الملك «ميدياس»، الذى كان يلمس كل شىء فيتحول إلى ذهب وكل من يقترب من «محفوظ عبدالرحمن»، لابد أن يكتشف جوهره الكامن.. له عينان ذكيتان ترى الحدث فى أغواره، ليكشف بخبرته كل الغمامات التى تحيطه ويغوص بمهارة فى أعماقه ليخرج لنا بلؤلؤة معنى جديد مدهش. «الفعل المضارع».. هو الأكثر دقة فى وصفه.. فهو لن يكون ماضيا، لأنه موجود بإبداعه، ولن نكتب «كان»، لأنه بعث بأنامله فينا روح الخلود.

رفيقة عمره، حبيبته، زوجته الفنانة الكبيرة سميرة عبدالعزيز، تحس أنه يعيش معها، ولم يفارقها قط ولم يمر يوم إلا وهى تقرأ له الصحف، وتقول له دائماً «شفت كاتبين إيه النهاردة؟».. لتفيق على قسوة الواقع. رغم أنها ظلت ولسنوات طويلة عبر برنامجها الإذاعى الشهير «قال الفيلسوف».. تحاوره بصوتها الهادئ الجذاب، لكن المشهد الحالى يبدو «درامتيكياً»، فالفنانة القديرة تحكى لنا اليوم عن محفوظ عبدالرحمن الفيلسوف الذى غادرنا إلى مثواه الأخير منذ عام. الحوار.. كان صعباً لأنه «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».. ويكبر الحزن فتصغر الكلمات.

■ محفوظ عبدالرحمن.. فى عينيك.. من يكون؟

- محفوظ عبدالرحمن.. فارس عاش بقلب شاعر، ومحارب نبيل فى زمن يضم الكثير من الأوغاد.

- هو حبيبى، وزوجى، ورفيق عمرى، وسندى دائماً الذى يدعمنى بروحه، وإبداعه يحيطنى ويحمينى.

■ أشهر كلماته التى تأثرت بها؟

- شرطى الأساسى للكتابة.. هو الاستمتاع بما أكتب.

■ كيف تزوجته؟

- تزوجته دون مأذون.

■ كيف.. معقول؟

- آه والله.. تزوجنا أثناء تصوير مسلسل «الكتابة على لحم يحترق» فى تونس عام ١٩٨٣، ويومها أصر أن تتزوج وطلب من المخرج عباس الأرناؤوط «كويتى» أن يحضر لنا مأذون وظل يردد «هاتوا لنا مأذون»، ولكن لأن تونس الزواج فيها يتم «مدنياً»، فلم نجد مأذونا فى المدينة التى كنا نصور بها وهى «سوسة» وكان ينبغى علينا الذهاب للعاصمة تونس، لإتمام الزواج بالسفارة المصرية، أو ننتظر حتى نعود للقاهرة ولكن أمام إصرار «محفوظ»، أحضر الأستاذ عباس الأرناؤوط شيخا أردنيا وأتم مراسم الزواج بشكل شرعى، وحينما عدنا للقاهرة وثقنا عقد الزواج وكان فى منزل الراحل سعدالدين وهبة والفنانة سميحة أيوب.

■ وهل كان الزواج «خبط.. لزق» كده مرة واحدة؟

- لا.. طبعاً، كنا من قبل ذلك بعام كامل ونحن نصور، مسلسل «ليلة سقوط غرناطة» فى عجمان، وبعدما حضر التصوير معنا، وتحدثنا كثيراً، وجدته يقول لى «بقول لك إيه متتجوزينى»!! ولكننى قلت له أنا عايزة أتفرغ للفن، ولى تجربة سابقة فى الزواج فقال لى: أنا قبلك لى تجربة سابقة، لكن «إحنا بزواجنا هنعمل فن مع بعض».. وظلت المسائل معلقة سنة كاملة كنا نتحدث مع بعض تليفونياً فقط.

■ وكيف كانت البدايات؟

- فى «حفلة على الخازوق» وهى مسرحية لمحفوظ، ذهبت لمشاهدتها وكانت رائعة ولأننى كنت موظفة بالمسرح القومى حينذاك، وكانوا يريدون أن يأخذوها ويرون مدى ملاءمتها ودهشت أن المؤلف مصرى ولكنه كتبها لمسرح الكويت. وحين قابلته لأول مرة عاتبته على الكتابة خارج الوطن واتهمته بأنه من أجل المال لا يكتب لمصر، فرد علىَّ بهدوء وقال لى أنت «غلطانة» لأن هذه المسرحية رفضتها الرقابة فى مصر، فاضطررت للذهاب للكويت لكى ترى المسرحية النور.

■ ما فكرة هذه المسرحية؟

- تدور حول سيدة، أخوها تم حبسه ظلماً، دون أى جريمة فذهبت لقسم البوليس لكى تعرف لماذا تم حبسه؟ ومنذ اللحظة الأولى لدخولها «القسم» والجميع يراودونها عن نفسها بدءاً من العسكرى الصغير وحتى «المحتسب»، العمدة، القاضى وهكذا، فأوصت نجارا أن يعمل لها صناديق خشبية ودعت كل هؤلاء لبيتها فجاء الأول وأثناء حديثه معها جاء الثانى، وكانت تخبئ كل واحد فى صندوق وكانت الصناديق فوق بعضها كـ«الهرم» وكان أعلى صندوق للعسكرى الصغير الذى فجأة صرخ يريد الذهاب لقضاء حاجته، ففزع الجميع وطلبوا منها السماح، وكان ردها عليهم: «أفرجوا عن المظاليم».

■ وماذا أعجبك تحديداً فيها؟

- احترام «محفوظ» للمرأة كان حقيقياً وليس مزيفاً، كما يتشدق البعض كثيراً وسلوكهم يتناقض مع كل ما يقولونه، وفى مسلسل «عنترة» تأكد لى كيف أنه يحترم المرأة باعتبارها كائنا مهما صاحب قرار وإرادة فها هى الأميرة بنت الملك تجبر والدها على أن يوافق من زواجها من عنترة العبد الأسود.

■ أنت مغرمة إذن بكتابة «الأستاذ».. وترين «عنترة» إبداعا مختلفا؟

- بالتأكيد.. لقد أخذ «محفوظ» شخصية «عنترة» ونسج منها وحولها عملاً فنياً جديداً، وحولها من قضية عبودية وتحرير فرد إلى قضية تحرير للإنسان وفك أسره من كل قيد، وعن هذه القضية الرئيسية تطرق إلى قيم العدل والحب، والحرية وهى محور رئيسى لدى «محفوظ»، وشغلته طوال كتابته وقدم شخصية «عنترة» كنموذج فى الرغبة للحصول على الحرية الشخصية تلك التى يسعى إليها سجين أو عبد، فإذا ما حصل عليها انتهت كل المشاكل، وهذا ما اعتقده عنترة عندما اشترى حريته بشجاعته، ولكنه اكتشف أنها صك بل مضمون، وأن المجتمع لم يعترف له أبداً بحريته، وإن دعاه بأنه حر.

■ هل «عنترة» كان إسقاطا للإنسان العصرى؟

- «محفوظ» يقدم مذاقا إبداعيا مختلفا وراءه جهد كبير مدقق فيما يبعث من رسائل، وهو كان يؤمن أن كل لحظة زمنية تفرض رسالتها، لذا فهو يختار للكتابة ما يتوافق مع تلك اللحظة.

■ إذن «الحرية» قضية جوهرية بالنسبة له؟

- حرية الكتابة لدى محفوظ عبدالرحمن.. قضية وجود دافع عنها بكل ما يملك، وارتضى لنفسه أن يدفع أثماناً باهظة جراء ذلك، ومن أجل حرية الوطن كان يدافع عن حرية الإبداع، ولا إبداع وفق شروط والكتابة عنده وطن، إما أن يعيش محرراً، رافعاً هامته، أو الموت دون ذلك.

■ ربما هذا يفسر صدامه الدائم مع الرقابة فى مصر؟

- نعم.. الرقابة رفضت له أول مسرحية يكتبها «اللبلاب»، وظل بعدها إحدى عشرة سنة متوقفا عن الكتابة للمسرح، وكان أصبح لديه حاجز نفسى بينه وبين الكتابة للمسرح، وحتى بعد كل هذه السنوات، وحين كتب مسرحيته الثانية «حفلة على الخازوق» وقدمها لمسرح الطليعة فى مصر رفضتها أيضاً الرقابة.

■ ترى هل هذا «الموقف الرقابى» دفعه للكتابة التاريخية حتى يعفى نفسه من الصدام؟

- لا.. ليس للرقابة هذا «الشرف»، لأن محفوظ عبدالرحمن درس التاريخ وأحبه، وكان إبحاره فى التاريخ العربى، ليبحث دائماً عن المجهول فيه تماماً كالسندباد، ينقب ويبحث ويغامر، كى ينفض الغبار عن تلك الفترات التى ظُلمت من قبل المؤرخين، ولعل مسلسل «سليمان الحلبى» قدم من خلاله شكلاً جديداً للدراما التاريخية، ابتعد فيه عن الشكل الخطابى التقليدى، وقدم تاريخاً من لحم ودم، أبطاله يعيشون كما الشخصيات العادية يعانون كما نعانى، وينفعلون كما ننفعل، وأعتقد أنه رأى فى التاريخ عالماً جميلاً، حاول أن يعيش من خلاله.

■ كثيرون انتقدوا شخصية إسماعيل باشا فى «بوابة الحلوانى» وقالوا إن المؤلف تدخل لتجميل الشخصية؟

- إطلاقاً.. مستحيل، لأن «محفوظ» كان يرى هذا الفعل جريمة كبرى، وكان يلتزم بالوقائع التاريخية سواء أكانت أحداثاً أم شخصيات، وكان يؤكد أن الالتزام ليس فحسب فى الأحداث التاريخية ولكن فى الرؤية الكاملة للعمل الدرامى.

«ومحفوظ» فى هذه الأمور حاسم، ملتزم، كأنه يتعامل مع مقدسات، وأذكر أننى طلبت منه ذات مرة أن يكبر لى دورى فى مسلسل «الفاتح» لأنه كان دور «حلو» لكن قصير، وكان ذلك قبل زواجنا بسنوات فما كان فيه سوى أن رفض رفضاً قاطعاً، وقال لى: «أنا لا أكبر لأحد دوره.. عايزة تمثليه كده اتفضلى مش عايزة بلاش»!! بعدها احترمته أكثر وتأكدت أننى أمام كاتب كبير يحترم إبداعه.

■ هذا عن «محفوظ عبدالرحمن» المبدع.. فماذا عن «محفوظ» الإنسان؟

- كان كتلة من المشاعر، والعقل، والرقة، كان محباً مبدعاً، حتى لو قدمت له فنجان قهوة، كان يقول لى يومياً يا حبيبتى بنفسك.. تسلم إيديكى، رايحة فين يا حبيبتى سلامتك يا روحى، اتفضلى استريحى شوية يا حياتى حتى إن البعض كان يقول لنا: إيه يا جماعة إنتوا بتمثلوا؟!

وطبعاً كانت هذه حياتنا العادية، لدرجة أن أصدقاءه الرجال حين كانوا يزوروننا، كانوا يقولون له: «حرام عليك هتخلى زوجاتنا تتخانق معانا»!!

■ ولكن لماذا رفضتم الإنجاب؟

- لأننا أردنا أن نتفرغ لبعضنا ولحبنا، ثم إن محفوظ كان لديه ولد وبنت مها وباسم، وأنا لدىّ «منار» وهذا يكفى.

■ وكيف كانت علاقتك بأولاده؟

- كانوا أولادى، فقد عاشوا معنا منذ اللحظة الأولى لزواجنا، وحضروا فرحنا فى تونس، والآن الدكتورة مها محفوظ عبدالرحمن، أستاذ انثروبولوجى بجامعة كمبريدج، وباسم عمل مخرجاً ويهتم بورش التدريب السينمائى، وكنت أنا من أذاكر له وأصحبه لمعهد السينما، وابنتى منار اختهم درست السياحة والفنادق والآن هى مديرة مدرسة للغات.

■ هل تتذكرين أول كلمة «حب» قالها لك؟

- «أهديكِ الحب للأبد».. كانت هذه أول كلمة حب قالها لى، وأنا اعتبرتها خارطة طريق لحياتنا.. وكان يرى أن وجودى فى حياته يجعله إنسانا «محظوظ»، وفعلاً.. «حبنا أبدى» حتى بعد أن فارقنى بجسده لكنم صوته فى أذنى، وأعماله الأدبية على الشاشات تحكى عنه لأنها هى الأخرى «أبدية»..

■ «السير الذاتية» من أروع ما كتب أستاذنا حتى إن الناقد الكبير رجاء النقاش أطلق عليه «نجيب محفوظ عبدالرحمن الرافعى» بعد مشاهدته لبوابة الحلوانى.. كيف كان يختار الفترة التاريخية أو الشخصية التاريخية؟

- مثلما قلت لك من قبل.. إن الاستمتاع بما يكتب كان شرطه الأساسى للكتابة.. وأعتقد أن كل حرف كتبه «محفوظ»، كان ترجمة للهم السياسى العربى العام، ورغم أن معظم أعماله تاريخية، إلا أن اختياره لها كان دائماً نتيجة الهم السياسى وهذا واضح فى «ليلة سقوط غرناطة»، و«سليمان الحلبى»، وهو لم يكن يختار بالمعنى المفهوم ولكن الفترة التاريخية هى التى تفرض نفسها عليه، وقد قال لى مثلاً إنه بعد ثانية واحدة من سماعه لاتفاقية كامب ديفيد قرر أن يكتب «ليلة سقوط غرناطة» وكان يرى أن هذه «الليلة» هى «ليلة الاجتياح الإسرائيلى لبيروت»، وهى ليلة تدويل القدس، وهى ليلة سقوط بغداد.. وطبعاً لأن محفوظ عبدالرحمن كاتب وطنى حقيقى، فهو لم يكن منعزلاً عن هموم وطنه، ولم يكن يقدم إبداعه فى شكل أعمال مباشرة، ولكن كان يقدم العمل الدرامى موازياً للقضية الأصلية.

■ هل شرط الكتابة عند «الأستاذ» ربما كان السبب وراء امتناعه عن إنجاز بعض السير الذاتية؟

- ربما.. ولكن لابد أن يقتنع أولاً بثراء الشخصية ومواقفها وتاريخها.

■ بماذا تفسيرين أنه لم يكتب فيلماً عن السادات وحرب أكتوبر مثلاً؟

- طبعاً حرب أكتوبر المجيدة، حدث عظيم، ولكن من الصعب على الكاتب، خاصة بالنسبة لـ«محفوظ» أن يعزل مشاعره عن أحداث سبتمبر ١٩٨١، أو الخصخصة التى هاجمها كثيراً، ولا عن اتفاقية كامب دايفيد، كل ذلك ربما جال بخاطره حين فكر أو حين طلب منه سيرة للسادات وهذا مجرد «تخمين» ليس أكثر.

■ ولماذا كتب فيلم «ناصر ٥٦»؟

- كان لدى «محفوظ» فكرة سيطرت عليه، وهى أن يتناول مسيرة عدد من الشخصيات التى قدمت لمصر والمنطقة العربية إنجازاً بارزاً وفكر فعلاً فى عدة أسماء منها رفاعة الطهطاوى، وعلى مبارك، وسامى البارودى وجمال عبدالناصر، وفى كل مرة كان اسم جمال عبدالناصر يفرض نفسه، وهكذا وقع الاختيار على أن يتصدر المشروع خصوصاً بعد تحمسه مع الفنان أحمد زكى.

■ هل كان يتوقع حجم نجاح الفيلم بهذا الشكل؟

- كان لديه إحساس بأهمية الموضوع، وما قد يصادفه من اتفاق أو اختلاف، أما قضية استقبال الناس للعمل فعادة لم تكن تشغله إطلاقاً، ولكنه هو نفسه فرح كثيراً بالفيلم وأتذكر أنه قال: لقد شاهدت على الشاشة ما لم أحلم به أو أتوقعه، وكان يرى أن «ناصر ٥٦» حالة فيها خصوصية، كل شخص وحده، فبعض الجماهير كانت تتذكر المرحلة الزمنية والحدث، والبعض كان يعيش الحلم، والبعض الآخر كان يعيش الفيلم، وربما كان البعض ضد الفيلم، ولكنهم من خلاله عاشوا فترة تمنوا أن يعيشوا فيها، ولا أنسى ملحوظات «محفوظ» بعد حضوره عرض الفيلم حين قال لى تصورى منذ الدقائق الأولى كنت أسمع نشيج بكاء البعض واستمراره لفترة طويلة.

■ حضرت العرض لفيلم «ناصر ٥٦» بنفسك، ما ملحوظاتك الشخصية؟

- طبعاً سمعت البكاء أثناء العرض وحتى بعد انتهاء العرض وحدث أن البعض مازال يبكى، ربما لأن الفيلم أثار فى نفوسهم ذكرياته ثرية، أو أثار لديهم الشعور بالتحدى والكبرياء، لأن قرار تأميم القناة يعد من أعظم الأحداث التى مرت فى تاريخ مصر، وقناة السويس لم تكن منطقة فى مصر، ولكن القناة كانت دولة فوق دولة ولم يكن أحد يحلم بعودتها إلى مصر.

■ «ناصر ٥٦» لا يعد سيرة ذاتية للزعيم جمال عبدالناصر لأن الفيلم ركز على موقف واحد هو تأميم القناة، ورغم ذلك حقق نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق.. ما تفسيرك؟

- اختيار لحظة تأميم قناة السويس، لتقديم فيلم عن ناصر لحظة عبقرية، فكثيرون يقدمون الشخصية منذ لحظة ميلادها حتى وفاتها، وهذا بالتأكيد أسهل من اختيار لحظة معينة لتقدم الشخصية من خلالها، وهو أسلوب استخدمه «محفوظ»، فى عرضه للشخصية، وكان يرى أنه الأسلوب الأفضل.

سميرة عبدالعزيز أثناء حوارها لـ«المصرى اليوم»

■ عرض فيلم «ناصر ٥٦» كان أثناء حكم الرئيس مبارك، ألم يخش كاتبنا الكبير مغبة ذلك؟

- حين بدأ محفوظ فى كتابة فيلم «ناصر ٥٦» قال لى: أنا دخلت بقدمى «حقل الألغام»، لأنه بمجرد أن كتب عن عبدالناصر وتأميم القناة، خرجت كل السيوف من أغمادها، وكان يعلم ذلك، لذلك فقد سلح نفسه بدرع يعرف مدى صلابته من تجاربه السابقة وهو توثيق كل كلمة فى العمل، ورغم أن هذا يحد من إبداعه، غير أنه كان يرى وقتها أن الخطر أكبر من الإبداع، لذا فقد حاول أن يحشد التاريخ الموثق بطريقة درامية، وطبعاً هذه مسألة كانت مرهقة للغاية ولكن محفوظ كان يؤمن أنه فى الفن أمتع الأشياء أكثرها إرهاقاً.

■ ألم يفكر فى كتابة فيلم للرئيس الأسبق «مبارك»؟

- هو لم يفكر، ولكنهم طلبوا منه ذلك.

■ ولماذا لم يكتب؟

- لم يكتب.. لأنه لم يجد فى حياة مبارك ما يثير شهيته للكتابة أو حتى يستفز حواسه ليلتقط صورة بعينها ومن خلالها يقدم مبارك للناس، وأتذكر أنه حين سئل بعد الإطاحة بمبارك من الحكم، ومثوله فى قفص الاتهام عن ترتيب الشخصيات درامياً إذا ما أرخ لهذا العصر كانت سوزان مبارك هى الشخصية الرئيسية ومن بعدها علاء وجمال كرمز للفساد المالى والسياسى.

■ وبماذا تعلل حتى لا يكتب فيلم لمبارك.. وهذا مأزق بالتأكيد؟

- الحقيقة أن صفوت الشريف هو الذى طلب منه أن يكتب سيرة مبارك، وهو كان رافضاً بشكل قطعى بداخله.. لذلك فقد قال لى «الحل» هو أن أستخدم معهم نظرية «الحمار»، بمعنى إما الحمار يموت أو هو يموت أو مبارك يموت!!

■ هل رفض كتابة سيرة ذاتية أخرى؟

- نعم.. وكانت لشخصية مصرية اقتصادية ثرية ولكنه لم يجد فى حياته أو تاريخه ما يستحق فرفض بوضوح.. رغم ما عرض عليه من أموال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية