x

عباس الطرابيلي القاهرة.. منذ ٧٠ عاماً! عباس الطرابيلي السبت 25-08-2018 05:26


أعشق القاهرة فى حالتين، الأولى فى الأعياد، والثانية بعد منتصف الليل.

الأولى يخف الزحام فيها.. إذ الأكثرية تذهب إلى جذورها، إلى الأرياف لقضاء العيد مع الأهل والأحباب، أو إلى المصايف.. خصوصاً إذا كانت إجازة العيد تمتد إلى أكثر من أسبوع، كما حدث مع عيد الأضحى هذا العام.. فالأغلبية لا تنزل إلى شوارع المحروسة.. لأن محالها أغلقت أبوابها، حتى المخابز والمطاعم وباعة كل شىء.. من أرقى المحال إلى الباعة الجائلين.. والطريف أننا نجد أو نكتشف أن شوارعنا لها أرصفة.. لا نراها فى غير الأعياد!! وربما يتركز الناس حول أماكن النزهة أو المراسى النهرية لراغبى الانطلاق إلى القناطر الخيرية أو الحدائق العامة.. حيوانات وأسماك.. والدرّاسة حيث حديقة التراث.. وربما يتركز الزحام صباح أول أيام العيد فى مناطق المدافن، إذ يعشق كل المصريين زيارة قبور الأعزاء.. الراحلين.

والثانية: فى المساء.. وهنا أتذكر أغنية محمد عبدالوهاب - وهو فى شبابه- عندما يشدو قائلاً: عندما يأتى المساء!! والقاهرة تزداد حلاوة بعد منتصف الليل، ولذلك أعشق- منذ زرتها للمرة الأولى فى يناير ١٩٥٣- التجول فى شوارع القاهرة الخديوية، وأرى كيف يتم تنظيفها وغسلها بالماء والصابون والبخار.. لتستقبل صباح اليوم التالى عشاقها.

والمحروسة- فى الحالتين- تعيدنى- شخصياً - إلى هذا الزمن الجميل، زمن النظافة فى كل شىء.. إذ لا زبالة ولا قمامة.. ولا حتى ألفاظ خادشة للآذان..

وما أسهل أن تجد مكاناً فى أتوبيسات أبورجيلة وفؤاد ومصطفى درويش أو أولاد مقار، وكذلك تجد مقعداً فى كل مركبات الترام.. ولم يكن الكشرى قد فرض نفسه على المحروسة- كما الآن- إذ تجد الآن بين كل محل كشرى وآخر محلاً ثالثاً للكشرى وأرز باللبن!! وربما كنا نستمتع بالسميطة وقرطاس الدقة أو شريحة الرومى.. وكل ده.. بقرش ونصف!!

ولم نكن نعرف أيامها هذا الفشار، كان مجرد كوز ذرة مشوى بقرش لا أكثر.. أو قرطاس لب.. أو ترمس بتعريفة!! المهم أن الشوارع أيامها كانت خالية مما تعج به فى ساعات النهار الآن.. ونظل نتجول فى شوارع المحروسة دون أن «يتعفر» الحذاء.. فالشوارع نظيفة مرشوشة ماء قبل الغروب ولا ينقص إلا رشها بالكولونيا.

■ تذكرت كل ذلك وأنا أتجول نهاراً ومساءً فى شوارع مصر وأتحسر على كل ما كان.. وأحلم أن يعود كل ذلك.. ولكن كما تقول الست «قول للزمان.. ارجع يا زمان»، وكم أحن لقاهرة أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات.. حيث نظافة المواصلات العامة.. والشوارع وكل وسائل المواصلات.. وحيث الجمال يتهادى فوق الأرصفة يرتدى أجمل الموديلات.. ولا يجرؤ واحد على أن يتحرش.

تلك هى عاصمة مصر منذ ٧٠ سنة.. لا أكثر!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية