x

أحمد عبدالمعطى حجازى: المشهد الثقافى متراجع.. ولا تجديد حقيقى للخطاب الدينى (حوار)

الجمعة 24-08-2018 04:47 | كتب: اخبار |
الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي تصوير : اخبار

حوار: مصطفى عبد الله

متعة الترحال مع الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى- أحد فرسان التجديد فى الشعر العربى- لا تعدلها متعة رغم ما يمكن أن يكتنفها من مفاجآت غير سارة أحيانًا، كتلك التى حدثت يوم تعرض فى مدريد لخطف لص حقيبة يده التى تضم جواز سفره وتذاكر الطائرة وكافة نقوده. فى ذلك اليوم شهدت كيف تحوَّل حجازى إلى عدَّاء، فطارَد اللص، واسترد ما سرقه منه. وقد رافقت شاعرنا الكبير فى الكثير من الرحلات حول العالم.

وفى رحلاتنا جرت حوارات بيننا فى شذرات حتى التقينا فى المحطة الأحدث فى هذا الحوار المطول الذى يوثق لبعض من المحطات المهمة فى مسيرته، ويتضمن شهادته على الجانب الفكرى والثقافى الراهن.. وإلى نص الحوار:

■ فى تقديرك هل حققت ثورات الربيع العربى ما كنت تنتظره منها؟

- ثورات الربيع العربى لم تكن تستطيع أن تكتمل، أو تحقق أهدافها أو تنقلنا مما كنا فيه إلى وضع أفضل، إلا إذا تقرر بعدها فصل الدين عن الدولة ومعنى ذلك التمهيد للديمقراطية، وفى تقديرى أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بالعلمانية التى تضمن ألا تكون للسلطة الدينية أى وجود فى السلطة السياسية، لكن الذى حدث هو أن المرحلة السابقة على ثورات الربيع العربى فى مصر كان الفضاء السياسى فيها خاليًا من النشاط الحزبى، فما كان موجودًا فقط هو نشاط الجماعات الإسلامية أو الجماعات الدينية أو جماعات الإسلام السياسى التى كانت تقتسم السلطة مع النظام الذى كان قائمًا، فهذه الجماعات اقتسمت السلطة مع السادات، الذى أحياها من جديد، وبعد ذلك اقتسمت السلطة مع حسنى مبارك الذى أعطاها النقابات، فتسللت إلى التعليم والصحة والحياة الدينية طبعًا، ويمكن أن نضيف أيضًا التأثير السلبى لبعض النظم السياسية المجاورة لنا التى لعبت بورقة الدين فى نشاطها السياسى، فكانت النتيجة أنه عندما قامت ثورة 25 يناير لم تكن هناك جماعات سياسية منظمة إلا جماعة الإخوان، والسلفية، وهما فى تقديرى الذين حالتا دون ما أردناه، بل بالعكس سارعتا بالاستيلاء على السلطة بالسيطرة على أصوات الناخبين.

■ تظل الدعوة لتجديد الخطاب الدينى متجددة.. فما الذى تحقق من هذا الاتجاه؟

- لم يتحقق شىء، والأزهر لم يحقق خطوة قوية فى هذا الاتجاه، ويرى أن أى محاولات لتجديد الخطاب الدينى تواجه بالقمع، وترفع الدعاوى القضائية ضد من يقومون بها بتهمة ازدراء الدين، وأتصور أن هذا كله يحول دون تحقيق تجديد حقيقى للخطاب الدينى الذى يجب أن يستند قبل كل شىء إلى الفصل بين الدين والدولة، كما أن الدستور نفسه لم يفصل بين الدين والدولة، فهو ينص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للقوانين، وهو يحوِّل الأزهر إلى ما يشبه السلطة؛ فالأزهر مستقل بنصوص الدستور،

■ ألا ترى أن المشهد الثقافى افتقد نموذج المثقف العضوى الفاعل والمؤثر فى الشارع والمتواصل معه؟

- المثقف العضوى لكى يكون موجودًا فى مصر لابد أن تكون حرية التفكير والتعبير مؤكدة ومضمونة وفاعلة، لا بد لكى يتشجع المثقف ليمارس دوره فى النشاط العام من توفر ضمانات، لأن المسألة لن تقتصر على مثقف واحد، بل على الجموع لتؤدى الثقافة دورها فى حياة المجتمع ككل.

■ وكيف ترى المشهد الثقافى الحالى؟

- أشعر أن النشاط الثقافى بوجه عام متراجع، لأنه لا يتم وفق خطط وفى تقديرى إننا نحتاج، قبل كل شىء، إلى خطة ثقافية، نحتاج لمشروع ثقافى، ويجب ألا نتناسى أن الثقافة المصرية تراجعت كثيرًا قياسًا بالمراحل السابقة، حين كنا نتصدر الساحة، وننشر التنوير بحق. فكانت الجامعة المصرية فى الصدارة، والصحف كانت منابر تنشر الثقافة وترتقى بالأذواق وقارن بين مجلاتنا الثقافية الآن والمجلات التى كان العالم العربى كله ينتظر وصول أعدادها الجديدة ليتعلم منها والشىء نفسه ينسحب على الوضع الراهن المؤسف للسينما المصرية والمسرح وإن كانت سلاسل الكتب المدعمة التى أتلقاها من إدارة النشر بهيئة قصور الثقافة ينبغى تحيتها، ولا سيما «ذاكرة الكتابة»، والأعمال المعاصرة المؤلفة والمترجمة وفى هذا السياق أدعو وزارة الثقافة التى أنشئت فى عام 1958 أى أن عمرها الآن 60 عامًا لكى تفكر فى عقد مؤتمر يدرس قيمة ما أنجزته، ويقترح ما يجب عليها أن تنهض به للخروج بهذا المجتمع من عثراته.

■ لم تتحدث عن دور الفضائيات وإمكانية إسهامها فى التنوير وتجديد الخطاب الدينى؟

- أنا بدورى أعيد طرح هذا السؤال الخطير على القائمين على تليفزيون الدولة، لأنه إذا قام التليفزيون الرسمى بالدور الذى ينبغى أن يقوم به ليعيد الجمهور الحقيقى إليه، بعد أن يكف عن الهبوط بمستواه، عندئذ ستدرك القنوات الخاصة مدى تفاهة محتواها، وأنه ينبغى عليها هى الأخرى أن تحقق الجدية والجماهيرية فى آن معًا.

■ نعلم أنك عاكف منذ فترة على عمل لشيخ المسرح المصرى توفيق الحكيم وهو «أهل الكهف»، وأنك بصدد إنجاز مسرحية شعرية مأخوذة عنه؟

- نعم. وقلت لنفسى: عندما يكون لدينا عمل عظيم مثل «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم، ونحن نكافح أهل الكهف المعاصرين الذين يريدون فرض أنفسهم على حياتنا، ألا يستحق هذا العمل أن نعرضه اليوم، بما فيه من إسقاطات على الواقع الراهن؟

أنا بالفعل مشغول الآن بكتابة مسرحيتى الشعرية الأولى «أهل الكهف»، فأهل الكهف الذين قدمهم الحكيم فى مسرحيته عادوا إلى قبورهم برضاهم، أما أهل الكهف المعاصرون، فيريدون أن يضعونا نحن فى القبور ليحلوا محلنا فى الحياة الدنيا، فى حين أنهم موتى، وقد وضعت بالفعل خطة هذا العمل، وانتهيت من رسم شخصياته، ويبقى التنفيذ.. سأجعل أهل الكهف يخرجون من قبورهم ليطاردوا الأحياء فى هذه الدنيا وإذا ساعدنى الله على إتمام هذا العمل أكون قد حققت أهم منجز فى حياتى الشعرية.

■ هل تذكر أول قصيدة نشرت لك؟

- نعم وكانت بعد تخرجى، بعنوان «بكاء الأبد»، ونشرت فى مجلة «الرسالة الجديدة»، وبعدها نشرت لى قصيدتان: «عشرون عامًا» و«المخدع» وعلى أثر نشر هذه القصائد هبطت القاهرة فى أواخر 1955 لأبحث عن عمل فى الصحافة، وكان لى صديق اسمه كامل عبدالغفار، يعمل فى القاهرة، وكان بدوره صديقًا لمحمود سالم وصبرى موسى وعبدالمنعم سليم، وكانوا أصدقاء، وكان كامل قد قرأ قصائدى وأعجبته جدا وحمل بعضها لصبرى موسى الذى نشرها بمجلة «الرسالة الجديدة»، وبعد حضورى للقاهرة ظللت أبحث عن عمل، وتعذبت فى الشهور الأولى حتى وجدت فرصة بمجلة «صباح الخير» مصححا لشهرين، ثم عُينت محررًا فى المجلة، ويعود الفضل فى إتاحة هذه الفرصة لى لكل من أحمد بهاء الدين، وحسن فؤاد، ومحمود أمين العالم وكان إعجابهم بقصائدى هو السبب الأساسى فى مساندتهم لى بعد نشر عدد منها فى «صباح الخير» و«روزاليوسف»، وصحف يومية كما كان للكاتب الكبير رجاء النقاش موقف داعم لى، فهو الذى قدمنى لمجلة «الآداب» البيروتية، التى كان مندوبها فى مصر إلى أن أصبحت رئيسًا للقسم الثقافى بمجلة «روزاليوسف»، ومما أذكره أيضا أننى تطوعت فى عام 1956 فى صفوف الفدائيين.

■ وماذا عن فترة عملك فى سوريا؟

- بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة سنة 1959 دعانى الجيش الأول- الجيش السورى طبعًا- لكى أشارك فى إحياء ذكرى «عدنان المالكى».. الضابط السورى الذى كان متحمسًا جدًا للوحدة العربية، واغتيل فى 1954 وألقيت قصيدة فى ملعب «دمشق البلدى» فى عام 1959، وعرض علىّ الدكتور جمال الدين الأتاسى الذى كان أحد زعماء حزب البعث العربى الاشتراكى أن أعمل فى جريدة «الجماهير» كما دعا رجاء النقاش، وكان معنا حمدى قنديل، وسعد زغلول فؤاد، وعشت فى دمشق من إبريل 1959 إلى سبتمبر، حين توقفت الجريدة عن الصدور، ولم يكن أمامى إلا العودة لمصر، واستأنفت عملى فى «روزاليوسف» وزاد مرتبى من 18 جنيهًا إلى 25 جنيهًا وفى أوائل الستينيات أصبحت رئيسًا للقسم الثقافى فى «روزاليوسف» وارتفع مرتبى إلى 35 جنيهًا.

■ ماذا عن رأيك فى جمال عبدالناصر؟

- من عام 1956 إلى 1967 كنت متحمسًا جدًا لعبد الناصر، وإن كان لى دائمًا تحفظ إزاء طريقته فى الحكم؛ فلا يمكن أن أقبل بأى حال من الأحوال ما صنعه مع الشيوعيين، أو مع المثقفين الذين اختلف معهم، وكان يلقى بهم فى المعتقلات، ويظلون فى غياهبها لسنوات وسنوات! وبعد 1967، وإن كنت قد أحسست بالفجيعة بعد الهزيمة، وقد استمرت هذه الفجيعة، وزادت حدتها بعد رحيل عبدالناصر، لكننى منذ ذلك الوقت أخذت أعيد النظر فى موقفى من جمال عبدالناصر.

صحيح أشهد أنه كان وطنيًا، وكان قادرًا على أن يقدم نفسه كزعيم، ليس فقط للمصريين، بل للعرب عامة، لكننى أعجب كثيرًا لأنه رغم امتلاكه كل هذه المواهب وهذه المزايا كان هناك تراجع فى الديمقراطية.

■ كانت علاقتك بنظام السادات بين شد وجذب أليس كذلك؟

- لقد فصلنى السادات من عملى فى «روزاليوسف» مع ما يقرب من مائة كاتب وصحفى، وهبط مرتبى من 90 جنيهًا- آنذاك- إلى 13 جنيهًا، هى قيمة المعاش فقد حوَّلَنَا القرار إلى التقاعد الإجبارى، ونزع عنا نسبتنا للحزب الذى هو الاتحاد الاشتراكى الذى كان يتحتم على من يعمل بالصحافة أن يكون عضوًا فيه إلى أن صدر قرار عودتنا إلى أعمالنا، وعلمنا بعد ذلك أن السادات أعادنا لأنه كان يجيش للحرب وقد كنا سعداء جدًا بالانتصارات التى حققها جيشنا على العدو.

وفى ذلك كتبت ثلاث قصائد، ولما جاء يوسف السباعى وزيرًا للثقافة والإعلام وكان عبدالرحمن الشرقاوى رئيسًا لمجلس إدارة «روزاليوسف» ولمست أن هناك موقفًا منى، وتأكد حدسى عندما كتبت مقالًا أعلق فيه على تصريحات يوسف السباعى حول مشروعاته كوزير ثقافة، ولم يعجب المقال عبد الرحمن الشرقاوى فمنعه من النشر، فقررت بعد هذه المعاناة الطويلة أن أرحل قليلًا من مصر، واخترت فرنسا منفى اختياريًا، واتفقت مع فتحى غانم، رئيس تحرير «روزا»- آنذاك- على أن أسافر إلى باريس لثلاثة أشهر، وأكتب لروزا من هناك وهناك تعاقدت مع مجلة عراقية اسمها «ألف باء» على مراسلتها من هناك مقابل مكافأة متواضعة، فضلًا عن مكافأة «روزا»، وبذلك استطعت أن أعيش بالكاد وحدى فى الغربة، وكنت قد أتقنت الفرنسية فى عامين، وأثناء العام الأول علم بوجودى الكاتب المغربى الشهير الطاهر بن جلون الذى كان كاتبًا بجريدة «لوموند» فجاء لزيارتى وقامت بيننا صداقة ثم نشر مقال بعنوان «باريس بعيون حجازى»، وعلى أثره دعانى أساتذة جامعة باريس للقاء طلاب قسم الدراسات العربية بها، فذهبت واستمر اللقاء أربع ساعات، وفى نهايته تقدم إلى جمال ابن الشيخ، وقدم لى نفسه وقال: أيمكن أن تحاضر فى طلابنا مرتين فى الأسبوع بداية من العام الدراسى المقبل، ووافقت، وعملت فى هذه الجامعة وفى محاضراتى فى باريس استضفت عبدالوهاب البياتى، ولويس عوض، وقامات أدبية مهمة ليحاورها طلابى ورشحت محمود أمين العالم للعمل فى الجامعة ذاتها

■ جامعات فرنسية ومعاهد أوروبية دعتك لتحاضر لطلابها، بينما لم تستقبلك جامعة مصرية .. بم تفسر ذلك؟

- ماذا تنتظر من جامعات يحتاج الكثير من مدرسيها إلى من يصحح لهم أخطاءهم، ويعجز بعضهم عن قراءة قصيدة واحدة على نحو سليم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية