الإشارات التى تخرج عن حركة النهضة فى تونس تبدو متناقضة فى بعض الأحيان، وتجعلها أقرب إلى المنطق الإخوانى، منها إلى أى منطق آخر.. أقصد المنطق الذى يقول صاحبه شيئاً، ثم يتصرف على الأرض بشىء معاكس، دون أن ينتبه إلى أن ما يقوله مكشوف للكافة من الناس.. وأتمنى أن أكون على خطأ فيما أراه، وأن تكون الحركة على صواب!.
إن حركة النهضة التونسية توصف فى العادة، بأنها تمثل إخوان تونس.. وهى تنفى هذا طبعاً.. ولكن عليها أن تلتفت إلى أن نفيها يجب أن يكون نفياً عملياً، لا نفياً شفهياً!.
وقد كنت من جانبى أعتقد، دائماً، فى أن النهضة فى تونس مختلفة بالفعل عن الإخوان فى مصر، أو فى غير مصر، وكنت أظن، ولا أزال، أن هناك أسباباً كثيرة وراء هذا الاختلاف، وأن من بين هذه الأسباب ارتفاع مستوى التعليم الذى يتلقاه الطلبة التونسيون فى مدارسهم وجامعاتهم.. فلقد أدى هذا إلى أن تكتشف حركة الشيخ راشد الغنوشى أنها تتحرك فى المجتمع التونسى، فيما لا يزال يسمى الربيع العربى، وسط مستوى من الوعى مختلف، فلا تستطيع بالتالى أن تمارس على مجتمعها خداعاً من أى نوع!.
وقبل أيام، كان عماد الخميرى، المتحدث باسم الحركة، قد قال فى تصريح إلى صحيفة القدس العربى الصادرة فى لندن، أن النهضة التى تشارك فى الحكومة الحالية، مع حركة نداء تونس، تؤيد الاستقرار الحكومى فى البلاد، سواء كان رئيس الحكومة هو يوسف الشاهد، الذى يرأسها حالياً، أو كان أى شخص آخر، وأنها كذلك تقدم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية!.
وهذا كلام.. كما ترى.. يدل على إحساس كبير بالمسؤولية، كما يدل فى الوقت نفسه على درجة ملحوظة من النضج فى العمل السياسى!.
ولكن.. ما تكاد تقرأ هذا التصريح لـ«الخميرى»، حتى تطالع كلاماً مختلفاً، وفى اتجاه مناقض، عن أن حكومة الشاهد محل خلاف كبير فى البلاد، وأن حركة النداء التى أسسها الرئيس السبسى تريد رحيلها بسرعة، وكذلك اتحاد الشغل معه.. ولكن حركة النهضة فى المقابل تتمسك ببقاء «الشاهد» على رأس الحكومة، بشرط ألا يرشح نفسه فى انتخابات الرئاسة التى ستجرى العام المقبل!.
والسؤال هو: لماذا تتمسك حركة الغنوشى ببقاء رئيس الحكومة.. وهل وراء التمسك رغبة فى الاستقرار بالفعل، أم أن وراءه أسباباً سياسية لا نراها؟!.. ثم.. ما هى حكاية استبقائه فى مقابل ألا يرشح نفسه للرئاسة؟!.
وهناك بالطبع تساؤلات كثيرة من هذا النوع، يجب على نهضة الشيخ الغنوشى ألا تتركها مُثارة حولها.. أو مُعلقة فى رقبتها!.. أما موقفها من قانون الميراث الذى يأخذ طريقه إلى البرلمان، ففيه كلام كثير يجب أن يقال!.