حكايات رائعة يحكيها الكاتب الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد عن السينما منذ طفولته تعيد إلينا بشراً رائعين ومدنا اختفت ودور سينما هدمت وأفلاما لا تنسى، وكيف تقدم فهمه للسينما مع الزمن، وأثر ذلك على حياته الأدبية.. كل هذا ما فى كتاب إبراهيم عبدالمجيد «أنا والسينما» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، حديثا وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها ونشر بعضها بجريدة الأهرام.
دور السينما فى الإسكندرية وراءها تاريخ طويل وعنها يقول إبراهيم عبدالمجيد: كل ما يتعلق ببدايات السينما كان فى الإسكندرية.. كانت المدينة الأولى التى تم بها أول عرض سينمائى فى مصر فى 5 نوفمبر 1896 كما كانت أول دار سينما فتحت فى مصر فى شارع المحطة فى الإسكندرية «سينما لوميير»عام 1897، كما ظهرت أول جريدة سينمائية سنة 1908، وكان اسمها «سينيجراف جورنال» وكانت ناطقة بالفرنسية، وأول شركة إنتاج سينمائى كان اسمها «سيتسيا» أسسها عزيز وكورنيل عام 1917.. كما أن أول ناقد سينمائى فى مصر كان من الإسكندرية وهو «السيد حسن جمعة» ولم يفت الكاتب ذكر أول مخرجة فى تاريخ مصر كانت سكندرية وهى عزيزة أمير فى فيلمها «بنت النيل» سنة 1929، وأول بطلة سينمائية كانت من الإسكندرية وهى بهيجة حافظ والعديد نجوم كبار خرجوا من الإسكندرية وأخذتهم القاهرة
ويذكر عبدالمجيد كيف تعرف على السينما فى طفولته التى سمع عنها من أمه وبدأ عشقه للسينما وكانت سينما ركس هو أول اسم يعرفه من دور السينما وهو طفل وأنه رأى الفنانة شادية يوم دخوله السينما لأول مرة فى سن الخامسة ويذكر الأفلام التى بهرته فى السينما المصرية والعالمية وكيف زاد عشقه للسينما التى يذهب لها كل أسبوع ويرصد اللحظة القاسية وهى حادثة بكاء النساء على عبدالحليم عندما سقط على أرض المسرح فى نهاية أغنية «نار يا حبيبى نار» وسقوط النساء فى حالات إغماء كان أمراً مثيرا له لم ينسه.
ويروى كيف انتهت علاقته بسينما الدرجة الثالثة وهو أمر لم يعد مناسباً لطالب فى التعليم الثانوى ثم العمل ثم الجامعة ولكن كان لسينما الدرجة الأولى حديث آخر تحت عنوان «متعة الدرجة الأولى».
ويكتب إبراهيم عبدالمجيد تحت عنوان «الآن.. القاهرة» وعن حياته فيها منذ عام 1975، وقال إن السينما لم تكن منفصلة عن الأدب ولا عن بقية الفنون، وأنها فن له تاريخ عظيم من المدارس السينمائية كما للأدب تاريخ عظيم من المدارس الأدبية ويسجل العديد من المشاهدات التى يحكى فيها عن سيرته مع السينما منذ الخمسينيات وحتى السنوات القريبة مثل ذكريات الطفولة وخروجات السينما وحكايات دور العرض بدرجاتها، وجمهورها، وأجوائها، وشوارعها، وأفلامها. مقاطع من الطفولة والمراهقة التى اكتشف فيها ما يحدث عند إظلام المكان وظهور خيط النور مع صوت آلة العرض الساحرة، اللذين يعرضان الأحلام لسكان المدينة الأكثر كوزموبوليتانية فى العالم آنذاك.
مع الخوض فى صفحات عبدالمجيد فأنت تذهب كذلك فى الرحلة نفسها، عبر موقف طفولة لمن عاصر نهايات حربًا أنهكت العالم كله، فتقرأ كيف ذهب إلى السينما فى ذلك اليوم، وترى بوستر الفيلم وتتأمل أبطاله. قد تضحك على سذاجته حينًا وتبتسم فى آخر، لكن كل حكاية قد تدفعك لمشاهدة الفيلم، وربما- إذا كنت مهتمًا- أن تقرأ أكثر عن صناعة السينما فى تلك الفترة.
«عزم عليّ بسيجارة فاعتذرت فقال لى: ازاى ما بتدخنش!! أنت عبيط. وكانت هذه أول سيجارة. رحت أسعل مع كل نفس فقال لى: ما تسحبش النفس لجوه دلوقت. شويه شويه لحد ما تتعلم. واتعلمت.. منه لله»..
مع نضجه السينمائى كان الأبطال يتغيرون فى حياة عبدالمجيد، كذلك كانت السينمات، فهذه أحبها وتلك يدخلها لأن فتاة التذاكر تروقه، والأخرى كان مرغمًا. لكنه ربما بعدما نظر إليها الآن يسعد بأنه رأى الكثير حقًا.
«صرت كثيرًا أذكر أسماء المخرجين، ولم أفعل ذلك مع الأفلام التى رأيتها فى طفولتى وصباى التى كنا فيها مبهورين بالممثلين. كبرت وتغير الأمر وصار اسم المخرج عاملًا أقوى فى مشاهدة الفيلم. صرت أفهم فى السينما ومن ثم حرصت على كتابة اسم المخرج الذى صار بالفعل مهمًا لى وأعرف أنه سيقدم جديدًا بالممثلين».
فى قاهرة النصف الثانى من السبعينات وجد عبدالمجيد رحابًا أوسع للسينما، ففى العاصمة التى استقر بها فى عام 1975، تفتحت نافذته على ما هو أكثر من دور العرض، بعدما أنشأت جمعية نُقاد السينما مهرجان القاهرة السينمائى فى عام 1976 وتولى الناقد كمال الملاخ رئاسته. هناك تطورت نظرته للفن السابع بصورة أكبر، بل وكان مما شاهده فى تلك الحقبة ما غرس فى ذهنه بذورًا للإبداع، مثلما حكى عن فيلم بلجيكى كان بطله من المونغول به مشهد لم ينسه أبدًا، وكان هو المحرك لكتابة روايته الشهيرة «فى كل أسبوع يوم جمعة». يستمر المهرجان فى مده بالجديد من السينما العالمية، بينما كان أيضاً يكتشف الجيل الجديد من صُنّاع الأفلام المصريين.