حلّت، منذ أيام، الذكرى العشرون لرحيل وحش الشاشة المصرية والعربية، وملك الترسو الفنان العبقرى المبدع فريد شوقى الذى أثرى الشاشة العربية بكوكبة أفلام جميلة، شكلت الوجدان المصرى، وجعلت المصريين ينعمون بالفن الراقى الذى يخاطب الوجدان ويعالج السلوك، ويقوّم المعوج، ويضبط بوصلة الأخلاق، ويُقيم أسسًا عميقة لبناء أخلاقى عملاق.
ونجد أن أول بطولة حقيقية لفريد شوقى كانت فى فيلم «خارج على القانون» 1951 من إخراج محمد عبدالجواد. وقرر فريد شوقى أن يعيد اكتشاف نفسه فى عمل من قصته وإنتاجه، فقام بتقديم فيلم «الأسطى حسن» 1952 الذى عرض قصته على هدى سلطان فى أثناء عملهما معا بفيلم «ست الحسن»، فأعجبت هدى سلطان بقصة الأسطى حسن، وقامت بمشاركة فريد شوقى البطولة، وكان فيلم «الأسطى حسن» بداية رحلة زواجهما، وقد أدخل معه فى الإنتاج شركة الهلال للإنتاج، فلقى العمل نجاحا ضخما، ثم أسس فريد شوقى شركة أفلام العهد الجديد وأنتج أفلام: «حميدو، وجعلونى مجرما، ورصيف نمرة خمسة، والفتوة، والنمرود، وبورسعيد، والمجد، وسواق نص الليل، والنصاب، وآخر فرصة، وجوز مراتى»، وكلها عن كتابة فريد شوقى ومثل بطولتها.
وقد أثر فريد شوقى فى المجتمع والتشريعات القضائية، حيث استطاع بأدائه البارع أن ينقل بعض القضايا التى كانت تؤرق عددا ضخما من أفراد المجتمع، وتقف حجر عثرة فى سبيل حياتهم، ومن ذلك أداؤه فى فيلم «حميدو» الذى تسبب فى تشديد العقوبة على تجار المخدرات لتصل إلى حدها الأقصى وهو الحكم بالمؤبد.
ومن خلال أدائه فى فيلم «جعلونى مجرما» أقنع رجال التشريع والقانون بإلغاء السابقة الأولى فى سجل المجرم الذى يقرر أن يتوب، ويعيش حياة شريفة كريمة، بعد أن تسببت هذه السابقة فى تدمير حياة المجرم التائب فى الفيلم. كما انتزع أداء فريد شوقى فى فيلم «كلمة شرف» الذى أعاده للإنتاج تشريعا باستطاعة المحكوم عليه بالسجن الخروج لحضور مناسبات قوية تخصه مثل زواج أحد أبنائه، أو زيارة مريض له من الدرجة الأولى.
ومن خلال فيلم «رصيف نمرة 5»، تم استصدار تشريعات بتغليظ عقوبة الراشى والمرتشى لخمس سنوات وفق الجريمة.
وعندما شعر فريد شوقى بأنه لم يعد قادرًا على تمثيل أفلام الحركة، وقد تقدمت سنه، اتجه لأدوار تلائم مرحلته العمرية، فأنتج أفلاما قام فيها بدور الأب، من مثل أفلام: «ومضى قطار العمر، لا تبكِ يا حبيب العمر، وشاويش نص الليل، وحكمت المحكمة».
وقد أطلق على فريد شوقى لقب «وحش الشاشة» و«ملك الأكشن» بعد بطولته فى فيلم «حميدو» 1953، وصار نجم الشباك الأول فى حينها. أما لقب «الملك» الذى كان يحبه فريد شوقى، فقد لقب به بعد فيلم «شياطين الليل» 1966 للمخرج نيازى مصطفى.
وتحتفل مصر- كذلك- فى هذا الوقت بذكرى مرور ستين عامًا على إنتاج أهم أفلام فريد شوقى، وهى سبعة أفلام كلها أنتجت فى عام 1958، وهى أفلام: «باب الحديد، سلطان، أبوحديد، سواق نص الليل، الأخ الكبير، ساحر النساء، ومجرم فى إجازة».
«باب الحديد» أخرجه يوسف شاهين، ومن تأليف عبدالحى أديب، وقام فيه فريد شوقى بدور «أبوسريع» الذى تحبه البطلة، ويعمل حمالا بمحطة مصر. وفى فيلم «سلطان» كانت البطولة المطلقة لفريد شوقى، وهو من أهم أفلامه السينمائية وقام فيه بدور سلطان الذى يعانى من ظلم بعض أفراد المجتمع وسلطتهم عليه، والفيلم من إخراج نيازى مصطفى وقصة جليل البندارى.
أما فيلم «أبوحديد»، فكتبه وأخرجه نيازى مصطفى، وقام فيه فريد شوقى بدور حسن عبده أبوحديد الشاب الذى يحب ابنة تاجر المخدرات، ويجد نفسه متورطا مع تجار المخدرات ومطالبا بأخذ ثأر أبيه. وقام فريد شوقى فى فيلم «سواق نص الليل» الذى أخرجه نيازى مصفى بدور حسن السائق الذى يعمل على سيارة نقل، ويحلم بامتلاك سيارة مثلها، كما يحلم بأن يدبر نفقات حج والدته والزواج من جارته، لكن تحدث مفارقات كبيرة له.
وقام فريد شوقى بدور عوض فى فيلم «الأخ الكبير»، من إخراج فطين عبدالوهاب، ومن كتابة على الزرقانى، ويحكى الفيلم عن الأخ الكبير عوض، والذى يعول، وينفق على أسرته المكونة من أمه (فردوس محمد)، وأخيه أحمد (أحمد رمزى)، وابنة خالته دولت (فريدة فهمى)، وبينما تعتقد الأسرة أنه يعمل عملا شريفا يكون عوض تاجرا للمخدرات، ويرأس عصابة للتجارة فى هذه الممنوعات. وفى فيلم «ساحر النساء» يقوم فريد شوقى بدور حمزة البهلوان النصاب خفيف الظل، الذى يخرج من السجن ويستولى على بعض الأموال التى أبلغه زميله فى السجن عن مكانها، ويصبح مولعا بالخداع واستدراج النساء بالدجل والشعوذة.
ومن قبيل الاحتفالات الفنية يصادف هذا العام مرور ستين عاما على دخول الفنانتين «ليلى طاهر، ونادية لطفى» مجال التمثيل، وكان ذلك أمام فريد شوقى، حيث قامت الفنانة ليلى طاهر بأول بطولة فنية لها أمام فريد شوقى فى فيلم «أبوحديد»، وقالت عن تلك التجربة: «رمسيس نجيب كان بيحب يكتشف المواهب، كان عنده فيلم وعايز بطلة جديدة، وأحد الصحفيين قال له عنى، فبعتلى واحد قابل المسؤولين فى الكلية، قالولى واحد عايزك قلتلهم عمرى ما حد كان عايزنى، قالولى ده رمسيس نجيب». وأضافت «ليلى»: «ماكنتش مصدقة نفسى وروّحت البيت مش مصدقة نفسى من الفرحة لقيت الإحباط الشديد برفض أهلى، قالولى ما فيش حاجة اسمها تمثيل، التعليم أهم ولو مثلتى هتسيبى الجامعة، وبعد عناء أقنعتهم وهددونى لو غبتى عن الكلية يوم مش هنخليكى تمثلى تانى».
وعن كواليس فيلم «أبوحديد» قالت ليلى «كنت بنسى الدنيا لما آجى أمثل بس ما قدرتش أنسى أمامه فريد شوقى، وحفظت المشهد، وأول ما فريد وقف قدامى مكنش بيكمل الجملة، قلتله الكلام مش كده، الكلام كذا كذا، فضحك، وقال دى هتعلمنى، وفضل يهزر معايا، ويضحك معايا، والحمد لله نجح الفيلم».
وتابعت ليلى: «لا أنسى مشهد غرقى فى بداية فيلم أبوحديد، فى بحيرة، فكدت أتعرض للغرق بالفعل، لأن المنطقة التى صورنا بها كانت عبارة عن دوامات، ولم يكن فريق عمل الفيلم على علم بذلك، ووجدنا هتافات وصيحات من الصيادين ينادون بضرورة عودتى إلى الخارج، لأن هذه المنطقة بها دوامات، فأسرع فريد شوقى لإنقاذى، وتم تصوير المشهد بهذا الشكل».
وتقريبا بالصورة ذاتها كان دخول الفنانة نادية لطفى مجال الفن، حيث كان الذى جذبها للمجال هو أيضا رمسيس نجيب الذى رأى فيها بطلة فيلمه سلطان، مع وحش الشاشة فريد شوقى عام 1958.
ونجح فيلم سلطان نجاحاً كبيراً معلناً ولادة نجمة جديدة من نجمات الشاشة البيضاء. وقالت نادية لطفى عن ذلك: «اندمجت بسرعة فى الجو الذى أحببته، ولكن، كان أمامى مرحلة لأتعوّد على التمثيل.. لقد كان دورى فى الفيلم هو دور صحفية، تظل تلاحق بطل الفيلم الذى هو فريد شوقى إلى أن توقعه، وتبلغ عنه البوليس، وما زلت أذكر المشهد الطريف الذى عشته وأنا أُجرى بروفة على هذا المشهد مع فريد شوقى. وأضافت أن فريد شوقى كان مجيدا فى التخفيف من حدة توترى، حيث كانت أول بطولة لى أمام ذلك البطل الكبير، وجعلنى أقدم أفضل ما عندى، فكان نجاح العمل.