ما يراه الزائر لسوق الإبل فى منطقة برقاش لا يعبر عن الرحلة الطويلة التى قطعتها قوافل الحيوانات من أم درمان بالسودان إلى سوق الجمال بمنطقة برقاش التابعة لمحافظة الجيزة.
فى برقاش السوق الأكبر للجمال فى مصر، يمر الزمن بشكل أسرع من المعتاد، الجمال تركض وتتحرك بشكل سريع ومتواصل، والباعة والعمال يحملون العصى للسيطرة على الحيوانات التى لا تهدأ، تجمعات ضخمة ومتعددة حول مجموعات الجمال فى حركة دؤوبة للبيع والشراء وأصوات مرتفعة للمزايدين من راغبى الشراء، أما «الدلال» فهو ملك متوج ينتظر الجميع إشاراته التى تحسم صفقة أو تؤكد فشلها.
يصل متوسط حصيلة البيع فى سوق برقاش يومياً لـ5 آلاف رأس، حيث تبدأ حركة البيع فى الساعات الأولى من الصباح الباكر، ويتوافد التجار وأصحاب محال الجزارة، والجميع يتمنون تحقيق أرباح معقولة.
قبل استقبال عيد الأضحى يأتى إلى السوق فئات مختلفة من المهن والصناعات، حيث تحتشد بالرعاة الذين تنحصر مهمتهم فى تحريك الإبل والحفاظ على هدوئها وإطعامها، بجانب التجار وملاك محال الجزارة والوسطاء الذين يسعون لتقريب وجهات النظر، بجانب وكلاء التجار الذين يبرعون فى تسلم الجمال وترحيلها عبر سيارات النقل، ووضع وشم عليها يدل على صاحبها، وبجانب مهن أخرى من باعة الأطعمة والمياه والعصائر وباعة أدوات الجزارة من سكاكين وسواطير وغيرها.
منذ عقود طويلة تتحرك قوافل الإبل من أقاصى ولاية دارفور فى غرب السودان، مروراً بمدينة أم درمان، وتمضى الحيوانات وسط أهازيج وترانيم الرعاة الذين يتسابقون إلى درب الأربعين، الطريق التاريخى الذى يربط بين مصر والسودان، والذى ظل واحداً من وسائل الربط الاجتماعى والثقافى والتجارى بين البلدين، حيث يربط بين الفاشر ومحافظة أسيوط.
ولا تزال الرحلة حاضرة فى الغناء السودانى، خاصة ما يطلق عليه شعر «الدوبيت»، خصوصاً أن معظم الرعاة منذ سنوات طويلة كانوا من أبناء البدو فى السودان تسكنهم روح الحماس والفروسية.
ويكتسب «درب الأربعين» قيمة اقتصادية كبرى فى التبادل التجارى بين مصر والسودان، ويتجاوز إلى دول غرب أفريقيا «تشاد، نيجيريا، النيجر، مالى، غانا»، حيث كان يمثل طريقاً للحجاج القادمين من أعماق أفريقيا لأداء مناسك الحج، ورغم التطور الكبير الذى شهده قطاع النقل بإنشاء الطريق القارى الذى يربط مصر والسودان واختصار كثير من الجهد والتكلفة المادية، إلا أن «الدرب» لا يزال محتفظاً بأهميته ولاتزال الروابط التاريخية قائمة بين التجار المصريين والسودانيين، والتى تحولت لعلاقة اجتماعية ممتدة على امتداد عقود، ورغم أن كثيرا من التجار الكبار فى تجارة الإبل اختفوا بسبب الموت، إلا أن الأجيال الجديدة لا تزال تتواصل بذات النهج القديم.
يقول حسن التوم، وكيل تجار سودانيين، إن درب الأربعين يمثل حقبة تاريخية مهمة، ويعود اسمه إلى أن الرحلة خلاله كانت تستغرق نحو 40 يوماً فى الوصول من مصر إلى السودان والعكس، حيث كانت القوافل تسير تباعاً ويجتمع التجار ويؤمنون الطريق من خلال تجنيد أفراد لحماية القوافل.
أما عن تجارة الإبل حالياً- حسب حسن- فإن وسائل النقل الحديثة قربت المسافات ووصلت الـ40 يوماً لـ40 ساعة وربما أقل، مشيراً إلى أن معظم الإبل تأتى من مناطق دارفور وكردفان وتتميز بأحجامها الجيدة ومذاق لحومها الطيب، وهنالك نوع من الإبل يسمى «البشارى»، ويتوفر فى شرق السودان، يتميز بأسعاره المرتفعة، لأنه رشيق ما جعله مطلوباً للمشاركة فى سباقات الهجن والطلب عليه نادر فى مصر لأنه مرتفع الثمن.
ويقول أحمد حافظ، تاجر، إن الإبل الواردة لمصر تمر عبر المحاجر الصحية بالمعابر قبل وصولها إلى السوق، وهناك مكاتب للوكلاء المصريين الذين يستلمون الشحنات ويقومون بتسويقها للجزارين، بعد تسديد الرسوم المطلوبة، وهنالك بعض التجار المصريين لديهم وكلاء فى السودان يشترون لهم الإبل ويرسلونها لهم فى مصر.
ويوضح أحمد أن أسعار الإبل تتفاوت حسب الحجم وعمر الجمل، لافتاً إلى أن الطلب يزيد بالنسبة للجمال الصغيرة المعروفة بـ«الحاشى»، ويتراوح سعرها من 15 لـ20 ألف جنيه مصرى.
وأشار أحمد إلى أن هناك ارتفاعاً فى أسعار الإبل مؤخراً، ما تسبب فى انخفاض الحركة التجارية، حيث يبلغ سعر الجمل المتوسط أكثر من 50 ألف جنيه فى السودان، وأشهر أنواعها «نيالا» و«سرف عمرة» و«فور برنقا».