x

فاروق الباز يرد على معارضي «ممر التنمية»: 41 خبيراً درسوا المشروع وقدروا التكلفة

الخميس 12-05-2011 15:10 | كتب: سها السمان |
تصوير : سمير صادق

لسنوات طويلة، ظل العالم المصرى الدكتور فاروق الباز يتقدم بمشروع «ممر التنمية» إلى الحكومات المختلفة فى عهد الرئيس السابق «مبارك» دون أن تظهر بادرة استجابة لتنفيذ هذا المشروع المهم، وبعد نجاح الثورة المصرية فى إزاحة الرئيس السابق ونظامه، بدأت حكومة «عصام شرف» السعى للحركة فى اتجاهات متعددة، كان منها اتخاذ خطوات فعلية فى اتجاه تنفيذ مشروع «ممر التنمية» باعتباره من أهم المشاريع التنموية لمستقبل مصر، لتخرج العديد من الأصوات تهاجم المشروع وتعتبره حلماً غير ذى جدوى دون النظر إلى الدراسات المستفيضة التى رافقت المشروع, الدكتور فاروق الباز اختص «المصرى اليوم» برد مستفيض حول تلك الانتقادات التى اعتبر أن معظمها نابع من عدم المعرفة بتفاصيل المشروع كما ورد فى (كتاب ممر التنمية) أو المقالات التى كتبها، بالإضافة إلى فكرة الاختلاف الطبيعى حول أى مشروع بهذا الحجم، حيث نجد من يعضده ومن يخالفه وهو الخلاف الصحى الذى ينتج عنه تصحيح المسار.

اعتبر الباز فى رسالته لـ«المصرى اليوم» أن هدفه من هذا التوضيح هو دعم الشباب الذين عملوا كادحين فى سبيل نشر العلم والمعرفة عن ممر التنمية، وأن احترامه ودعمه للجيل الصاعد من أبناء وبنات مصر يفوق أى مشادات تهبط العزائم أو تقلل من حماس جيل الثورة فى العمل الدؤوب لمستقبل أفضل، ولهذا فإنه سيقوم بشرح الحقائق التى غابت عن بعض معارضى مشروع ممر التنمية، وهى الحقائق التى يلخصها فى النقاط التالية:

أولاً: مشروع الممر ليس للزراعة فقط ولكنه لتوسيع مساحة المعيشة وكل نشاطاتها، شاملاً العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وفتح مجالات جديدة لشباب مصر لحياة كريمة ورحبة فى بيئه صالحة تؤهل للإبداع والابتكار.

ثانياً: لقد اقترحت الممر فوق الهضبة الجيرية المستوية التى تحد غرب وادى النيل لأنها مسطحة لا تشقها أودية عميقة لذلك تصلح لإرساء البنية التحتية ويشتمل ذلك على طريق سريع وخط كهرباء وأنبوب ماء لاستخدام الإنسان، بالإضافة إلى المشاريع المستقبلية لإنتاج الطاقة الشمسية والتوسع أفقياً دون إيذاء الأراضى الخصبة فى وادى النيل والدلتا.

ثالثاً: لم أقترح إطلاقاً الزراعة فوق الهضبة الجيرية غرب وادى النيل، الزراعة مقترحة أن تكون فى الرواسب النيلية والأراضى المستوية بين غرب النيل وأسفل شرق الهضبة وكذلك غرب الدلتا.

توضح الخريطة الجيولوجية الرسمية لمصر أن هناك مساحات من الأراضى النيلية القديمة الموضحة باللون الأحمر فى شكل «1» ومساحتها 640 ألف فدان. كذلك توضح صور الفضاء أن المساحات من الأراضى المغطاة بالتربة وبعضها مستو تماماً تزيد مساحتها على 10 ملايين ونصف المليون فدان. هذه المساحة مقترحة للتوسع فى الإعمار والتنمية بكل أنواعها وهى مبينة باللون الأبيض فى شكل «1». وإذا ما أمكن استصلاح 5% فقط من هذه المساحة فهى تصل إلى 520 ألف فدان (وغالباً ما يمكن زراعة 20% من مساحتها الكلية أى أكثر من 2 مليون فدان) معنى هذا أن الأرض النيلية القديمة (تبعاً لخريطة المساحة الجيولوجية) مع 5% من الأراضى المستوية المتاخمة لها تصل إلى 1.160.000 فدان (مليون ومائة وستين ألف فدان) ولذلك ذكرت أن هناك حوالى مليون فدان على الأقل على طول الممر المقترح تصلح للزراعة.

يلزم التوقف عند مساحة الأرض المنبسطة التى يمكن استخدامها فى المعيشة والإنماء شرق الهضبة التى تحد وادى النيل وغرب الدلتا، وهى عشرة ملايين ونصف المليون فدان أى تقريبا ضعف الأراضى المستخدمة حالياً وهى الغرض الأساسى من مقترح ممر التنمية. إذ اتضح أنه يمكن زراعة 20% من مساحتها الكلية وهذا يصل إلى أكثر من 2 مليون فدان. السواد الأعظم من هذه الأرض المستوية والقريبة من أماكن التكدس السكانى الحالى يمكن أن يستخدم فى إقامة المدن الجديدة والقرى والمصانع والمتاجر والمخازن وما إلى ذلك من نشاط تنموى على مدى مئات السنين مستقبلاً.

هذا أمر مهم جداً لسببين، الأول تبعاً لوزارة الزراعة هو أن التعدى على الأراضى الخصبة فى وادى النيل والدلتا يساوى 30.000 فدان سنوياً، وهذا يعنى أنه إذا استمر الوضع الحالى على ما هو عليه فسوف تختفى الأراضى الخصبة بعد 183 سنة. والسبب الثانى هو أن الإحصائيات تؤكد أن تعداد السكان الحالى وهو 80 مليون نسمة سوف يزداد فى عام 2050 ليصل 140 مليون نسمة أى إضافة 60 مليون فرد إضافة على التعداد الحالى. لذلك يلزم من الآن أن نفسح الطريق للحد من التعدى على الأراضى الخصبة وفتح مساحات جديدة لمعيشة الأجيال القادمة.

رابعاً: لم يأت ذكر استخدام المياه الجوفية فوق الهضبة لا من قريب أو من بعيد. المياة الجوفية المقترح استخدامها هى داخل وادى النيل أى ما بين النيل والهضبة. مثلا أثبت الجيولوجى القدير الدكتور البهى عيسوى أثاراً لفرع قديم للنيل غرب كوم أمبو. اختار هذه المنطقة لدراسة الدكتوراة أحمد جابر الذى يعد الدكتوراة تحت إشرافى مع زملاء فى جامعة بورسعيد. وهناك قد اكتشف مجموعة من هياكل التماسيح 50 كيلومتراً غرب النيل، وتوجد تحت المنطقة مياه جوفية أصلها هو نهر النيل نفسه حيث تنشع المياه فى التربة والصخور المسامية حول النهر وتجدد على الدوام. وما يثبت ذلك هو المزارع الموجودة حالياً فى المنطقة وعشرات أخرى مثلها تستخدم المياه الجوفية على طول المسار كما توضح ذلك الصور المكبرة للمواقع المبينة فى (شكل 2).

خامساً: قيل إن أنبوب مياه الشرب يستدعى 10 محطات لرفع المياه على المحور الطولى. هذا خطأ لأن نقطة بداية الرفع فوق الهضبة هى أعلى نقطة على الممر، لذلك فإن المياه سوف تسير من الجنوب إلى الشمال بالضغط الذاتى. كما أن الفارق بين ساحل بحيرة السد العالى ونقطة البدء هو 300 متر وهو ما يتطلب الرفع بالطريقة المثلى هندسياً كما هو مبين فى (شكل 3).

سادساً: جاء فى الآراء المعارضة أن الاحتياج الشخصى من المياه دون الزراعة هو 4 مليارات متر مكعب. أنا لا أعرف ما هو القصد من هذا الكلام. مطالب الناس من المياه فى الشرب والطهى والمعيشة على ضفاف النيل أو غربها واحدة أينما كانوا فلا زيادة فى ذلك إطلاقاً.

سابعاً: استخدم المحور العرضى الموصل إلى منتصف الدلتا فى طنطا للقول بأنه يستدعى نزع الملكية. صاحب هذه المقولة لم يع أن مسار المحور هو الطريق الأسفلتى الحالى ما بين طنطا وكفر مجاهد ومنه إلى طريق أسفلتى يؤدى للخروج من المنطقة الزراعية غرباً فى اتجاه المحور الطولى. لقد تم تحديد المسار كما هو حال المحاور العرضية الأخرى بمساهمة الدكتورة إيمان غنيم، أستاذة الجغرافيا بجامعة طنطا. كان أهم القواعد عدم نزع ملكية أى أراض ومن هنا نؤكد أن ممر التنمية من أهم أغراضه الحفاظ على أراضى مصر الخصبة وبناء المدن والقرى والطرق وما إليها خارج الأراضى الخصبة، لضمان حياة كريمة لنا وللأجيال المقبلة.

ثامناً: إحدى منافع ممر التنمية هو ربط مشروع توشكى بباقى الوطن بجميع أنواع النقل. «توشكى» ليس مشروعاً فاشلاً، لكنه مشروع لم يكتمل، وربطه بمراكز التكدس السكانى يؤهل نقل الناس إليه ونقل المنتجات منه إلى جميع أنحاء الوطن بسرعة وسهولة وأمان، أى أن ممر التنمية يُحيى مشروع توشكى.

تاسعاً: السبب الأساسى لاقتراح تمويل المشروع بالاكتتاب المصرى العام هو أنه لابد أن يكون ناجحاً ومربحاً على المدى الطويل. إذا تم ذلك لا يلزم الحكومة أن تصرف على جزء منه، بل تقنن العمل فيه وتتركه لزمام الناس. هكذا يمكن للحكومة أن تخصص أموال الدولة فى المشاريع الوطنية المهمة مثل تنمية سيناء وأى مشاريع أخرى فى الوادى الجديد أو الصحراء الشرقية تلتزم بها الدولة.

فى حقيقة الأمر القول بأن تنمية سيناء أولى بدعم الدولة صحيح تماماً. أنا من أنصار ذلك منذ أن بدأت فى دراسة الصحراء المصرية فى منتصف السبعينيات. وبالنسبة لسيناء فقد شاركت زملاء بمعهد بحوث الصحراء فى دراسة هذا الجزء الغالى من الوطن، وصدر كتاب عن هذه الدراسة من المعهد فى منتصف التسعينيات. واليوم يشاركنى الزميل مصطفى بكر الذى يعد الدكتوراة فى جامعة الأزهر فى العمل على تحديد المواقع الصالحة للزراعة بوسط وشمال سيناء وما بهما من مياه جوفية وتقييم ما يصلهما من أمطار يمكن تخزينها، وسوف يتم نشر تلك النتائج قريباً.

كذلك فكان إنماء الوادى الجديد غرض الدراسة مع الزملاء فى قسم الجيولوجيا بجامعة عين شمس، منذ البدء فى تصوير صحارينا من الفضاء فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وقام المهندس حسب الله الكفراوى بعدة مشاريع مجدية فى سبيل إنماء جنوب الوادى ودرب الأربعين. نتج أيضاً عن تفسير صور الرادار الحديثة اقتراح تواجد المياه الجوفية فى جنوب المحافظة، فيما يعرف حالياً بشرق العوينات، حيث شاركت الدكتور محمود أبوزيد فى تشجيع استصلاح أراضيها. واليوم يتم اختيار مواقع جديدة شرق وغرب وشمال هذه المنطقة بالتعاون مع مؤسسة «رجوا»، حيث إن إنتاج القمح بالرش مع استخدام الطاقة الشمسية قد نجح هناك نجاحاً عظيماً.

وفى الوقت الحالى يعمل معى الزميل محمد عبدالكريم، الذى يعد الدكتوراة فى جامعة قنا وهو يستخدم الصور الفضائية والمعلومات الحقلية لتحديد الأماكن الصالحة للزراعة فى وادى قنا والأودية المجاورة بالصحراء الشرقية، كما ثبت نجاح هذا العمل فى وادى كوم أمبو من قبل.

معنى هذا أننا لم نغفل عن سيناء أو الوادى الجديد أو الصحراء الشرقية. كل صحارى مصر تستدعى الدراسة، خاصة لغرض التنمية. تستدعى هذه الأماكن دعم الدولة لما يتم فيها من مشاريع. لذلك اقترحت إنشاء هيئة غير حكومية لتحقيق مشروع «ممر التنمية» إذا ما ثبتت جدواه الاقتصادية كمشروع مربح على المدى الطويل. كما أن تكلفتة تفوق ما تستطيع الدولة توفيره حالياً، لذلك يكون دور الحكومة هو تقنين العمل فى كل مرافقه، حتى نضمن العمل المتميز السريع والمجدى بشفافية والحفاظ على حقوق كل من شارك فى دعمه مالياً، ولكى يعود فى نهاية المطاف بالخير على المواطنين.

عاشراً: مقترح ممر التنمية خضع للدراسة بواسطة 41 خبيراً متخصصاً تحت إشراف الدكتور محمد فتحى صقر, بوزارة التخطيط. هذه الدراسة هى التى خرج منها تقدير التكلفة الإجمالية 23.7 مليار دولار. بناءً على هذه الدراسة تنظر الحكومة حاليا فى الإعلان عن دراسة جدوى تفصيلية من هيئة غير حكومية للتأكد من صحة الدراسة قبل اتخاذ القرار فيه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية