x

محمد خان.. المشغول بالتفاصيل والمهموم بمن لا يفهمه

الأربعاء 01-08-2018 05:19 | كتب: أحمد مجاهد العزب |
محمد خان - صورة أرشيفية محمد خان - صورة أرشيفية تصوير : رضوان أبو المجد

ذات يوم، كتب المخرج محمد خان مقالا بعنوان «حالة جفاف في النشر السينمائي» يشكو فيه المجلات الموجودة في العالم العربي لأنها وعلى حد تعبيره «تعتمد على الخبر والصورة أكثر من النقد الجاد والدراسة العميقة والتحليل المنور للفيلم»، وفي نفس المقال انتقد كتب السينما لأنها «إما تعليمي مترجم، أو تحليلي مترجم أيضًا»، متسائلا: «أين هو العقل السينمائي العربي في عالم النشر؟».

كان المخرج يعاني من أزمة طالته في مناقشة أفلامه على وجه التحديد، لأنه وكما كان يرى نفسه دائمًا «مهتمٌ بالتفاصيل لا بالحدوتة أو الحلول» لذلك لم يجد من يناقشه في هذه التفاصيل التي اعتاد استخدامها داخل أفلامه، ومن يقرأها كما يتمنى ليعيد اكتشافها وتقييمها ويبعدها عن مبالغات رد فعل المشاهدة الأولى، سواء كان المشاهد مع أو ضد الفيلم، بل كان النقد العربي في الغالب يكتفي بالحدوتة فقط.

ازدادت مشكلة خان مع النقد الفني في مصر والوطن العربي تأزمًا لأنه كان مشغولا أيضا بـ«الاخترال» والذي اعتبره في كتابه «مخرج على الطريق» شجاعة تحترم ذكاء المشاهد في مشاركته أحاسيس ومفاهيم العمل الذي أمامه على الشاشة، لذلك كان يدقق في استخدام الرمزية داخل أعماله، وينتظر من الناس أن تقرأ ما بين السطور دون أن تكتفي بالقصة والحوار فقط، من أجل تكوين صورة كاملة عن الأحداث ومجرياتها وطبيعة الشخصيات التي تدور حولها الحكاية.

على سبيل المثال، في فيلمه «موعد على العشاء» إنتاج عام 1981، جسدت سعاد حسني دور «نوال» الزوجة المطحونة التي تبحث عن حريتها وسعادتها، وفي الجزء الأول من الفيلم كان من المفترض أن تلتقي بصديقة من أيام الدراسة مع طفل وزوج، بغرض إلقاء الضوء على حياة «نوال» قبل زواجها من رجل أعمال ثري بضغطٍ من أمها، وفي نفس الوقت احتكاك الشخصية بصديقة من الماضي في وجود طفل هي محرومة منه، إلا أن خان بعد المونتاج الأول للفيلم قرر حذف هذا المشهد كاملا، واكتفى بلقطة للبطلة وهي تقود سيارتها بينما تنظر إلى امرأة وزوجها وطفلهما يسيرون على الرصيف، ليعبر عن المعنى المقصود.

حدث ذلك أيضًا في فيلم «زوجة رجل مهم» إنتاج عام 1987، بعد عزل الضابط «هشام» عن عمله بالمباحث، وشرائه سيارة واستئجار سائق حتى يبدو أمام سكان الحي وكأنه لا يزال محتفظا بوظيفته وهيبته.

كان مقررا -حسب المكتوب في سيناريو الفيلم- أن تتعطل السيارة على أطراف المدينة ويحاول السائق تصليحها، بينما لا يكف الضابط المعزول عن تأنيبه بلهجة قاسية، مما يدفع السائق في النهاية للتمرد عليه وتركه في وسط الطريق ويطالبه بأجره عن المدة التي عمل بها، إلا أن خان قرر أن يحذف المشهد بأكمله لأنه وجد أكثر من صورة أخرى تؤكد نفس معنى سقوط «هشام» وضياع سلطته.

وفي نفس الفيلم، تجد خان يعتمد تفاصيلا صغيرة تكشف لك جوانبًا مختلفة عن شخصية أبطال العمل إذا دققت فيها، كأن ترى –مثلا- الكاميرا تتبع قرطا رقيقا على شكل فراشة ترتديه «منى» في أذنها -التي جسدت ميرفت أمين دورها- وفي نفس الوقت تتبع طريقة تصفيف «هشام» الذي جسد أحمد زكي دوره، شاربه أمام المرآة، ليفسر ببساطة ملامح الشخصيتين وتناقضهما بين الشاعرية والجمودية، هذا إلى جانب صوت عبدالحليم حافظ وارتباط البطلة به، وهي تفصيلة اعتاد المخرج الراحل على استخدامها داخل أعماله بأن يربط الفيلم بمطرب، بناءً على إختيارٍ حكيم يربط بين الأغاني وسير الأحداث، لا مجرد إهداء رمزي أو عشوائي في أول العمل.

هكذا كان خان حكاءً مشغولاً بالتفاصيل، ولا يفوت فرصة في أن يختزل، وأن يستخدم الرمزية للإشارة إلى معانٍ أخرى أكبر قد تغير في نفس المشاهد وعقله أفكارا أثناء المشاهدة، وتساعده على التحليل العميق والوصول إلى ما هو أبعد من الحدوتة والحوار المكتوب، لذلك بحث دائما عن ناقد فني وكتابة عن السينما تغوص أكثر في العمق، ولا تكتفي بالخبر، وظل هذا يؤرقه حتى رحل عن عالمنا يوم 26 يوليو عام 2016.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية