هنا إمبابة.. شوارع تتسع وتضيق حسب الطلب، منازل تعلو وتهبط على قدر سكانها، مساجد وكنائس يتعبد فيها مسلمون ومسيحيون، عقائد لا تقبل التفاوض، وقناعات من الصعب تغييرها، هنا حيث يدور فصل جديد من رواية مملة وكئيبة بدأت منذ وقت ليس بالقصير، ويعلم الله وحده أين ومتى وكيف ستنتهى.
عند نهاية شارع الأقصر بمنطقة البصرواى تقع كنيسة مارمينا للأقباط الأرثوذكس. وهى واحدة من ضمن خمس كنائس تخدم مسيحيى المنطقة. الطريق إلى الكنيسة مغلق بحشود الأمن المركزى بعد المعركة التى دارت رحاها مساء السبت الماضى وامتدت توابعها حتى صباح الأحد. يحتفظ سكان المنطقة من المسلمين والمسيحيين بتفاصيل كثيرة عن الأحداث التى «لعلعت» فيها أصوات الطلقات النارية، وسقط فيها ضحايا بين قتيل وجريح، غير أنهم يتفقون جميعاً على شىء واحد «إحنا كلنا هنا إخوات وما فيش فرق من قديم الأزل بين مسلم ومسيحى».
لا تعرف المسيحى من المسلم إلا عندما تتعرف على اسمه، هنا فقط يصبح من السهل تصنيف البشر حسب عقائدهم، فيما عدا ذلك تتجاور المنازل القصيرة البسيطة جنباً إلى جنب فى شارع الأقصر، وتصطف المقاهى الشعبية إلى جوار محال الكشرى والبقالات الصغيرة، ويتسع الشارع الذى يتجاوز عرضه العشرين مترا ليحتوى كل ذلك فى جوفه دون شكوى أو كلل.
يبدو نقص خدمات المنطقة واضحاً جلياً بمجرد مد البصر على طول الشارع «المترّب»، صحيح أنه مرصوف، ولكن كميات الأتربة التى تعلوه والتى تثيرها عربات التوك توك التى تسير فى المكان رائحة غادية تصنع سحابات دائمة من الغبار، بالإضافة إلى أكوام القمامة التى تصنع فاصلاً بين حارتين مروريتين بعد أن تراكمت فى منتصف الطريق بالضبط على طول الشارع.
يقول صبحى بشرى ـ 60 سنة ـ نجار «لما الجرايد كتبت عن المنطقة فى الثمانينيات أيام الفتنة الطائفية قالت منطقة صحراوية تخلو من المساكن إلا قليلاً دلوقت عمرت وبقى فيها ناس»، صبحى الذى يعيش فى المنطقة منذ السبعينيات يشهد أنها رغم كثرة المسيحيين الذين يسكنونها، لم تشهد احتكاكات باستثناء أحداث الفتنة الطائفية أيام السادات، فيما عدا ذلك يتجاور الجميع جنباً إلى جنب يعملون ويعيشون ويأكلون ويشربون ويحلمون أيضاً.
يقول أكرم جبرائيل إسكندر 26 سنة ـ كوافير حريمى «المنطقة هنا من كتر المسيحيين اللى فيها بيسموها (روما)، إنما عمر ما حصل خناقات بين مسلمين ومسيحيين إلا إمبارح وكانت مستفزة جداً ومعظم اللى اتهجموا على المنطقة كانوا من بره مش من السكان». يؤكد ثروت عنان ـ 41 سنة ـ نجار مسلح ما ذكره أكرم قائلاً «سمعت ناس من اللى كانوا بيتهجموا على الكنيسة بيقولوا إنهم من عين شمس وجايين مع صحابهم مخصوص من هناك عشان عبير».
ورغم تاريخ إمبابة كمنطقة للجماعات الإسلامية فى الثمانينيات فإن أهالى المنطقة يقولون إن السلفيين الذين هاجموا الكنيسة كانوا من خارج المنطقة، ومن انضم إليهم من الداخل كانوا من «الصيع» و«البلطجية»، فيقول محمد هاشم أبوالسعود ـ 63 سنة ـ موظف على المعاش إن مهاجمى الكنيسة كانوا من خارج المنطقة، بعضهم، حسب روايته، كان يحمل قنابل مولوتوف، والبعض الأخر كان يحمل مسدسات صغيرة، بدأ الضرب من الجانبين ليسقط قتلى وجرحى حملتهم 5 سيارات إسعاف كانت تروح وتجىء.
معظم سكان المنطقة من عمال البناء الجنوبيين الذى تركوا قراهم فى صعيد مصر محتضنين أحلامهم الخاصة فى غزو المدينة الكبيرة. توقف حالهم تماماً مع بداية الأحداث الأخيرة، حتى أماكن تجمعهم على المقاهى المنتشرة فى المكان حرموا منها بعد أن أغلقت المقاهى أبوابها.