أضحت فرنسا فى بؤرة النقد واللوم خلال الأسبوعين الماضيين جراء موقفها من المهاجرين - غير الشرعيين - وهى التى فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقدامهم ومنحهم صلاحيات منذ عهد «نيكولا ساركوزى»- الذى وصل للحكم فى عام ٢٠٠٧ - وحتى الرئيس الحالى «إيمانويل ماكرون»، بشكل كانت تحسد عليه ونموذج يحتذى به بالنسبة لجاراتها من دول الاتحاد الأوروبى وبخاصة ألمانيا.
وعاد السؤال يطرح نفسه من جديد، هل يسير الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» على خطى سلفه «ساركوزى» فى البدء باستيعابهم وبعدها طرح تعديلات وقوانين جديدة للحد من وصولهم الأراضى الفرنسية، مع العلم أن الأول كان يعارض بشدة موضوع الهجرة إلى التراب الفرنسى وقتما كان وزيراً للداخلية، وبعد أن وصل للحكم حاول زيادة شعبيته والحصول على أصوات باستغلال هذه الورقة، ثم انقلب عليهم وأجرى تعديلات للحد من الظاهرة، وهو ما يكرره الرئيس الحالى دون تغيير لكسب شعبية.
وقد تعرضت السياسة الفرنسية خلال الآونة الأخيرة لهجمات عنيفة وحالة من فقدان الثقة بسبب سياستها تجاه اللاجئين والمهاجرين وأضحى هناك عدم تجانس سياسى وهجوم على سياسات «ماكرون» فى هذا الشأن، وتعرضت الجبهة الداخلية الفرنسية لحالة انقسام سياسى أيضا، ورغم أن «ساركوزى» متهم بأنه الذى فتح الباب على مصراعيه أمام الهجرات غير الشرعية واللاجئين وانه صاحب «نظرية الانتقال من الهجرة المفروضة إلى المنتقاة» بتحديد نظام الحصص السنوية لاستقدام الكفاءات والنابغين والأيدى العاملة لفرنسا، فهو عاد وانقلب عليها أيضاً بعد فترة لسحب البساط من حزب اليمين المتطرف.
وهناك ثمة تشابه يدعونا إلى القول بأنه ما أشبه الليلة بالبارحة فى فرنسا فى موضوع اللاجئين، وأنه ربما تكون هناك أوجه تشابه بين سياسة الرئيس الحالى «إيمانويل ماكرون» وسياسة سابقه «ساركوزى» فى شان المهاجرين واللاجئين، وربما توكد الأيام المقبلة أن هناك مستشاراً للرئيس يقوده على خطوات «نيكولا» من حيث البدء بالانفتاح على اللاجئين والانتهاء بقوانين صارمة مثلما فعل «ساركوزى»، والمؤشرات التى تقودنا إلى هذا الطرح نوردها على النحو التالى:
أولاً: إن الرئيس الحالى لفرنسا قاد عملية انفتاح على اللاجئين والمهاجرين وكان يشجعها منذ بداية حكمه.
ثانياً: وقف الرئيس «ماكرون» ضد سياسات اليمين المتطرف الذى تقوده «مارين لوبن» وعارض الهجرات للحصول على شعبية كبيرة.
ثالثاً: مع تراجع شعبية ماكرون فى الأحداث الإرهابية الأخيرة التى شهدتها فرنسا أرجعت التحليلات أحد أهم أسباب الإرهاب لموجات الهجرة غير المنضبطة، خاصة تلك القادمة من الدول المنكوبة بالشرق الأوسط ومنها سوريا وليبيا.
رابعاً: أدرك ماكرون تراجع شعبيته واستخدام اليمين الفرنسى ملف الهجرة واللاجئين لسحب البساط من تحت قدميه وكسب تعزيزات وشعبية تضاف لرصيد زعيمته «لوبن» فلجأ لتقديم اللاجئين على أنهم أصحاب إنجازات ويقدمون أفعالاً جيدة لفرنسا.
خامساً: مع إدراك الرئيس الفرنسى الأزمة بمختلف جوانبها بدأ يبحث عن حلول للخروج منها فلجأ المحيطون من دول الاتحاد الأوروبى لعمل مؤتمر لبحث موضوع اللجوء، وكان قد سبقه أزمة المركب «أكواريوس» وعدم استقبالها فى فرنسا، وهو ما عرض سيد الإليزيه، لانتقاد شديد دخلت تيارات كثيرة فيه - حتى الماسونية فى فرنسا - طالبت منه مراعاة وتعزيز احترام حياة البشر - وهو تحول جديد يؤشر لظهور معارضات جديدة له لكن لها فاعلية.
سادساً: دخول قانون اللجوء حيّز التنفيذ خلال الفترة المقبلة ببنوده الجديدة، التى تقول إن «ماكرون» قد وعى الدرس وبدأ فى صد الهجمة بعناية، إذ تتعرض فرنسا لهزات هى الفريدة فى تاريخها من اقتصادية وسياسية وأمنية، مع بداية حساب القادم وهو رحيله عن الإليزيه ورغبته فى إعادة الترشح الدورة المقبلة.
أخيراً: تبقى هناك تحديات أمنية وسياسية واقتصادية كثيرة معلقة على أبواب الإليزيه تبحث عن فكر قوى وقيادة قوية لفرنسا تأخذ خطوات أكثر جرأة وقوة ربما تتشابه مع الإجراءات الاقتصادية التى اتخذها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مصر لعلاج الأزمة الاقتصادية، ولكن هنا على مستوى ملف الهجرات.
كتب - محمد زيان