x

«المأذون».. بداية ونهاية

السبت 16-06-2018 06:25 | كتب: علاء سرحان |
ليلة الزفاف ليلة الزفاف تصوير : اخبار

مكتبه محكمة مصغرة، مهمتها التأكد من استيفاء العروسين شروط الزواج، أو استنفاذ طرق التوفيق بينهما قبل المضى فى الطلاق، لذلك فهو الطرف الأهم فى تلك العلاقة، التى تبدأ وتنتهى بمحطة واحدة.. «المأذون».

داخل مكتب القاضى الشرعى، كان الناس يوثقون عقود الزواج والطلاق، حتى إذا زادت حالاته ومسؤولياته، أصبح القاضى، يأذن لمندوب عنه بتحرير تلك العقود وتسجيلها، فنشأت مهنة «المأذون»، ابتداء من عهد الدولة الفاطمية فى مصر.

وقبل ذلك العهد، كان القران ينعقد صحيحا، بعد اتفاق شفهى بين الأنساب فى جلسة عائلية، فلا يجوز التراجع عنه، أو التملص منه، وإلا ضاع معها أى «كلمة شرف» أخرى للعائلة كلها، لكن تطورات الحياة، أوجبت دخول العروسين عش الزوجية بـ«عقد»، وخروجهما منه بـ«عقد» آخر.

الشيخ إسلام حسبو، نائب رئيس جمعية المأذونين الشرعيين، المشهرة لدى وزارة التضامن، كأكبر تجمع رسمى يضم المأذونين فى مصر، يقول إن مهنته ليست موسمية، فبالرغم أن موسم الأعياد، هو أكثر فترات العام رواجا فى أعمال المأذونية، إلا أن اللائحة التنظيمية لتلك المهنة، تنص على التفرغ التام لأداء مهامها، وحظر تولى أى وظائف رسمية بجانبها، وذلك حتى العزل منها أو الوفاة.

ويوجد فى مصر، 4618 مأذونا على مستوى الجمهورية، وهو عدد شبه ثابت، حيث لا تستقبل المهنة أى «مأذون مستجد»، إلا بتقديم أوراقه أمام المحكمة التابع لها دائرة «المأذون المتوفى أو المعزول»، والتى بدورها تقوم برفع تلك الأوراق إلى وزارة العدل، ليصدر قرار وزارى بقبولها من عدمه.

وأوضح «حسبو»، أن معدلات الزواج قلت بسبب الظروف الاقتصادية، لكن ما زال عيدا الفطر والأضحى هما موسم الأفراح مع اختلاف نسب وأعداد حالات الزواج، فموسم الأعياد يعد أهم فترات رواج أعمالهم طوال العام، حيث يقيس الشيخ إسلام مدى رواج وانتشار أعماله من عدمه، بمدى طول أو قصر المدة الزمنية التى يستغرقها انتهاء صفحات «الدفتر» الذى يسجل فيه وقائع الزواج والطلاق، قبل تسليمها إلى المحكمة لتسجيلها العقود رسميا، فالدفتر يضم 15عقدا، وهناك مأذونون يغيرون دفاترهم القديمة بأخرى جديدة من المحكمة، كل عامين، بمعدل تحريرعقد كل شهرين، وهو معدل ضئيل للغاية بالمقارنة بأعداد المأذونين فى مصر.

وانخفض عدد عقود الزواج فى مارس الماضى إلى 56.9 ألف عقد، مقابل 75.5 ألف عقد فى مارس 2017، بنسبة انخفاض تبلغ 24.6%، كما انخفض عدد شهادات الطلاق إلى 14.9 ألف فى مارس الماضى، مقابل 18.2 ألف فى مارس 2017، بنسبة انخفاض تبلغ 18.1%، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

ومثلما تغيرت طبيعة الحياة، تغيرت طبيعة «المأذون»، فلم يعد فقط هو ذلك الشخص الذى يرتدى اللباس الأزهرى المميز بـ«الجبة والقفطان»، إلا قليلا منهم، فبعد أن كان أغلب المأذونين من خريجى التعليم الأزهرى، خاصة كلية أصول الدين، والذى كان يحفظ لهم استمرار ارتداء الزى الأزهرى الشهير بعد تخرجهم، دخل منافسون جدد لهم، بانضمام خريجى كليات الحقوق، إلى تلك المهنة، التى يقول عنها الشيخ إسلام: «شكل المأذون اختلف، بالتأكيد هناك منهم من لا يزال يحتفظ بالشكل المتعارف عليه فى الزى القديم، إلا أن الوضع اختلف الآن 85% من المأذونين أصبحوا يحملون درجات علمية متقدمة مثل الماجستير والدكتوراه، خاصة من خريجى كليات الحقوق، فأصبح المأذون يرتدى زيه العادى مثل أى مهنة أخرى، طالما أنه ليس من خريجى الأزهر».

وبطبيعة الحال، فإن أجرة المأذون تختلف حسب طبيعة المكان، فأجرة المأذون تكون حسب المؤخر، والعرف يقول إن نسبتها 10% من المؤخر، لكن ليس هناك قانون ملزم بذلك، فهى مجرد نسبة متعارف عليها، لكن أغلب العائلات أصبحت لا تكتب قيمة للمؤخر فى عقود الزواج، وبالتالى أصبحت أجرة المأذون تتفاوت حسب المنطقة، فهى تتراوح من 300 إلى 500 جنيه فى المناطق الريفية، بينما ترتفع فى المناطق الراقية إلى أضعاف ذلك، خصوصا إذا كان هناك قيمة محددة فى العقد للمؤخر، فداخل فنادق الـ5 نجوم، لا تقل قيمة المؤخر لأى عقد قران داخله عن ربع مليون جنيه، بخلاف زيجات الفنانين، وكان أشهرها زواج المطرب عمرو دياب، والفنانة شيرين رضا، قبل انفصالهما، والذى بلغ مليون جنيه، ومثلما الزواج أنواع، فإن المأذونين أنواع أيضا.

ويناقش مجلس النواب مشروعا بقانون لإنشاء نقابة المأذونين الشرعيين فى مصر، كنقابة مهنية تحمى حقوق أعضائها فى الحصول على معاش شهرى وتأمين صحى، والنص على وجود قيمة مالية ثابتة يتقاضاها المأذون عن كل عقد يقوم بتوثيقه، لإنهاء استمرار تحديد أجرتهم حاليا بشكل تقديرى.

كما لم تعد المهنة قاصرة على أبناء عائلات محددة، بعد أن كانت تشتهر منذ 50 عاما، بأن مسؤولياتها يتوارثها الابن عن الأب والجد، فبحسب الشيخ إسلام: «هناك الكثير من منتحلى الصفة فى القاهرة والجيزة، الذين يحملون دفاتر مزورة ويعملون كمأذونين، ولا يقومون بتسجيل العقود فى المحكمة أو السجل المدنى وهو ما يهدد حقوق الناس وأنسابهم».

ويقول ضاحكا: «أفكر فى كتابة مسلسل بعنوان مذكرات مأذون، ففى إحدى المرات، شهدت بنفسى جواز وطلاق فى نصف ساعة، فبعد أن رد الزوج زوجته إلى عصمته بعد طلاق بينهما، رفضت الزوجة العودة إلى مسكن الزوجية، فقام الزوج بتطليقها فى نفس الجلسة، وأغلب حالات الطلاق التى شهدتها، كانت لزوجة تريد الطلاق لأن زوجها لا يترك لها نقودا فى المنزل إلا من فئة الـ200 جنيه، وأنها لا تجد فكة فى المنزل لشراء احتياجاتها، وزوجة أخرى على النقيض تماما من الزوجة السابقة، ضربها زوجها لأنها أخذت 20 جنيها من جيبه لشراء الفطار بينما كان يريد هو شراء سجائر.

عقود كثيرة مرت على الشيخ إسلام، وما زال البعض يفهم مهنته بشكل خاطئ، فهو ليس فقيها ليميز الحرام من الحلال، أو مندوبا عن دار الإفتاء ليحكم فى مسائل الطلاق وحالات وقوعه، مثلما يواجه أسئلة من هذا النوع، كما أنه ليس مجرد موثق لعقود الزواج والطلاق، فمهمته الأولى التوفيق بين المتخاصمين قبل الطلاق، وعن ذلك يقول: «لو اكتفتيت بتنفيذ رغبة كل من يريدون الطلاق، لكانت نسب الطلاق أصبحت ضعف نسب الزواج، لكن لازم أوفق بينهم الأول، ويا بخت من وفق راسين فى الحلال».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية