على مدار 43 عاما لم يتوقف العمل داخل غرفة التحكم ومراقبة الملاحة بالمجرى الملاحى لقناة السويس، بعد إعادة افتتاح القناة للملاحة الدولية فى 5 يونيو 1975 بعد أن كلّف الرئيس الراحل محمد أنور السادات هيئة قناة السويس بتطهير المجرى الملاحى بعد إغلاقه أمام الملاحة الدولية خلال 8 سنوات واحتجاز عدد من السفن داخل البحيرات بسبب إغلاق المجرى الملاحى لقناة السويس.
وكان عزم وقوة المصريين من مهندسى هيئة قناة السويس وضباط الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والقوات البحرية فى أن يكون إعادة افتتاح الملاحة بقناة السويس فى يوم 5 يونيو وهو نفس اليوم الذى أغلقت فيه القناة أمام الملاحة الدولية بعد العدوان الإسرائيلى، ليسطر المصريون ملحمة جديدة بحروف من ذهب بعد انتصار حرب أكتوبر المجيدة، ويتم تطهير قناة السويس وتعميقها وافتتاحها للملاحة الدولية أمام العالم بعد انتصار عظيم وإرادة قوية.
«المصرى اليوم» عاشت يوماً رمضانياً من داخل غرفة التحكم ومراقبة الملاحة بمبنى الإرشاد التابع لهيئة قناة السويس المتحكم فى عبور السفن بالمجرى الملاحى لقناة السويس منذ دخولها إلى مدخلى الشمالى من بورسعيد أو الجنوبى من السويس وحتى انتهاء رحلة السفن بالمجرى الملاحى.
هنا مركز التحكم ومراقبة الملاحة فى عبور السفن لأكبر ممر ملاحى عالمى فى العالم.. هنا مبنى الإرشاد التابع لهيئة قناة السويس، فى الطابق السادس، المسؤول عن إدارة ومراقبة حركة الملاحة بالقناة.
«المصرى اليوم» داخل مركز التحكم فى عبور السفن، العمل على مدار الساعة، والجهد لا ينقطع، لمراقبة السفن العابرة للقناة وتوفير كل سبل الأمان والراحة ومتابعة المجرى الملاحى من السويس جنوبا والى بورسعيد شمالا عبر شاشات عملاقة بكاميرات حديثة ورادارات على أعلى مستوى من الدقة والتكنولوجيا.
طلبنا من الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، الدخول إلى مركز التحكم وقت الإفطار للاطلاع على كيفية التعامل مع السفن، منذ لحظة دخولها للقناة وحتى انتهاء رحلتها وخروجها إلى أحد البحرين الأحمر أو المتوسط، فكلف «طارق حسنين»، المتحدث الرسمى باسم هيئة قناة السويس، مرافقة «المصرى اليوم» إلى مركز التحرك ومراقبة الملاحة.
قبل الإفطار بوقت كاف، ووسط إجراءات أمنية مشددة من قبل رجال القوات المسلحة، المكلفين بتأمين مبنى الإرشاد، بمنطقة نمرة 6، وهو مبنى ضخم متعدد الطوابق، كنا فى الطابق السادس مباشرة، حيث مركز التحكم والمراقبة الملاحية للقناة.
غرفة كبيرة مليئة بالأجهزة الحديثة وأجهزة الاتصال، وشاشات كبيرة معلقة على حوائط الغرفة، يجلس أمامها متخصصون فى حركة الملاحة وتنظيمها، وفى مقر مركز التحكم، استقبلنا الربان «هلال ياسين»، مراقب الملاحة البحرية بهيئة قناة السويس، والذى أكد أن الملاحة لم تتوقف لحظة واحدة منذ ثورة يناير 2011 بالمجرى الملاحى لقناة السويس حتى الآن، وتسير بصورة طبيعية رغم ما تعرض له المرشدون العاملون فى الهيئة، وموظفو الحركة من تهديدات وإطلاق نار عليهم إبان الانفلات الأمنى عقب ثورة يناير، ورغم كل ذلك لم يتوقف المجرى الملاحى عن العمل دقيقة واحدة، ولم يشهد أى توقف إلا فى الحروب فقط، حتى تمت إعادة افتتاح القناة للملاحة الدولية فى 5 يونيو 1975 بأمر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
يضيف أن الشاشات المعلقة على الحوائط تظهر المجرى الملاحى لقناة السويس بالكامل ومراقبته عن طريق كاميرات عالية التقنية وأجهزة رادار على طول المجرى الملاحى من المدخل الشمالى ببورسعيد، إلى المدخل الجنوبى بالسويس.
وتابع أن المكان ينقسم إلى مراقبى ملاحة وهم ربابنة فى هيئة القناة، ومنهم فى مكتب الحركة ومنهم مؤهلات مختلفة ما بين كلية التجارة وكليات لغات من ألسن وغيرها ويتم تدريبهم على العمل هنا، مشيرا إلى أن رحلة السفن تتطلب للعبور فى المجرى الملاحى للقناة، التوكيل الملاحى للسفينة فى عملية العبور، وتقديم بيانات السفينة بالكامل من طول وعرض وحمولة ونوع الحمولة وجنسية السفينة العابرة، وعن طريق مركز الحركة والمراقبة الملاحية يتم تحديد موعد عبور السفينة ووقت عبورها وهذا يرجع إلى لوائح بحرية تطبقها الهيئة على السفن العابرة عن طريق معايير خاصة بالسلامة البحرية وضمان عبور السفن حسب حمولتها وحجمها بشكل أمان للمجرى الملاحى، ويتم إعلان التوكيل الملاحى بموعد عبور السفن.
وقال: تعبر القناة قافلتان يوميا، قافلة الجنوب القادمة من البحر الأحمر فى طريقها إلى البحر المتوسط، وتبدأ يوميا فى الساعة الرابعة فجرا، بينما تبدأ بعدها بنصف ساعة، وفى تمام الرابعة والنصف، قافلة الشمال القادمة من البحر المتوسط فى طريقها إلى البحر الأحمر، ويتم تصعيد مرشد من هيئة قناة السويس على كل سفينة عابرة للمجرى الملاحى، ليقوم بدور الإرشاد مع قائد المركب حتى تعبر بأمان للمجرى الملاحى بالكامل، وفى نفس التوقيت يكون مركز التحكم ومراقبة الملاحة على اتصال دائم بالمرشد وطاقم السفينة، وهو أيضا يتابع السفينة داخل المجرى الملاحى خطوة بخطوة عن طريق كاميرات المراقبة وأجهزة الرادار، لتجنب حدوث أى مشكلة أثناء عبور أى سفينة، مشيدا بقناة السويس الجديدة، مؤكدا أنها توفر الكثير من الوقت والجهد على السفن، حيث قضت تماما على انتظار السفن فى البحيرات لعبور القناة، مما وفر الوقت على السفن وعبورها بشكل أسرع وآمن.
وداخل غرفة التحكم، كان المهندس محمد الدسوقى، مدير إدارة التحركات بهيئة قناة السويس، يتفقد سير العمل لافتا إلى أن غرفة التحركات والمراقبة الملاحية لقناة السويس هى المسؤولة عن تحرك وسير أى وحدة بحرية بالمجرى الملاحى، وليس فقط السفن العابرة للقناة، وإنما كل وحدة بحرية تبحر فى مياه القناة من قاطرات، وكراكات، وصالات، ولانشات، مشيرا إلى أنه لا يوجد أى وحدة بحرية تستطيع أن تتحرك فى المجرى الملاحى من بورسعيد شمالا إلى السويس جنوبا إلا بعد إذن مسبق من مكتب الحركة الذى ينظم سير العمل والإبحار فى قناة السويس بالكامل.
وأوضح أن هناك نظامين لإدارة ومراقبة الملاحة بالمجرى الملاحى: النظام الأول هو نظام «ais»، ويعتمد على وجود نفس الجهاز على السفينة العابرة للمجرى الملاحى ويكون الجهاز فى وضع تشغيل، يقوم على أساسها قائد المركب بإرسال كل بيانات السفينة الى غرفة التحكم ومراقبة الملاحة وكل تفاصيل السفينة موقعها وسرعتها وحمولتها، وكل ما يخص السفينة العابرة للقناة، والثانى هو نظام المراقبة «الرادارى» على طول القناة، يرسل خلالها الرادار كل بيانات السفن العابرة للمجرى الملاحى على أجهزة الاتصال هنا فى مكتب الحركة ومراقبة الملاحة.
وعلى جهاز الرادار يجلس طه محمد، لمتابعة السفن العابرة للمجرى الملاحى، مشيرا إلى أنه يراقب كل وحدة بحرية موجود بالمجرى الملاحى، مهما كانت صغيرة، قائلا: «نحن هنا فى مكتب الحركة ومراقبة الملاحة مسؤولون عن فتح وإغلاق الكبارى العائمة على طول المجرى الملاحى للقناة، مثل كبارى الشهيد أحمد منسى، وأبانوب صابر، وكوبرى الرسوة فى بورسعيد، حسب حركة ملاحة وعبور السفن لقناة السويس، حيث يتم التنسيق فى فتح وإغلاق الكبارى العائمة، وتنسيق حركة المعديات حسب المستجدات التى نشاهدها على حركة الملاحة وعبور السفن للقناة».
ويلتقط علاء متولى، مراقب حركة، طرف الحديث قائلا: «حسب مواعيد القوافل العابرة للقناة يتم إغلاق وفتح الكبارى الرابطة الغرب بالشرق عبر قناة السويس، وفى وقت عمل الكبارى لعبور الأفراد والسيارات، تغلق المجرى الملاحى بالكامل، لذلك يتم التنسيق حسب عبور القوافل لفتح وإغلاق الكبارى، وتختلف مواعيد فتح وإغلاقها يوميا».
وأضاف: «أنا أعمل فى مراقبة الملاحة منذ 25 عاما، وهناك لجنة لإدارة الأزمات بشكل سريع داخل غرفة التحكم والمراقبة الملاحية بقناة السويس، لأن كل مشكلة تحدث فى عبور القناة مختلفة عن الأخرى لذلك يتم التعامل فورا مع أى مشكلة عن طريق مراقبى الحركة ومراقب الملاحة وفى حالة وجود أى تعطيل لحركة الملاحة لعطل أو شحوط فى أى سفينة، يتم توجيه قاطرات الهيئة العملاقة فورا وسحب السفينة إلى منطقة آمنة، بحيث لا يؤثر على عبور باقى السفن بالمجرى الملاحى».
ولا يخضع العمل هنا، داخل غرفة حركة ومراقبة الملاحة بقناة السويس إلى قوانين عمل أو لوائح، فالغرفة تعمل على مدار الساعة، خدمة وتأمين المجرى الملاحى لقناة السويس واجب لا يتوقف، ولا وقت للراحة هنا أو الإجازات، فمنظومة العمل لا تعرف الأعياد ولا المناسبات أو العطلات، وأثناء أذان المغرب فى رمضان، يتم تقسيم العاملين فى الغرفة، وعددهم 8 أفراد إلى فريقين: الأول يصلى، ويتناول إفطاره فيما يبقى الفريق الآخر على الأجهزة، ويتم التناوب فيما بينهما، فيما يشبه خلية النحل التى لا تتوقف أبدا عن العمل والطنين.